تشهد العلاقات الأردنية الإسرائيلية حالة من البرود أعقبت انتهاء حقبة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعدما اتسمت العلاقات الثنائية في عهده بالصدام على عدة أصعدة، كان أبرزها المتعلق بالدور الأردني في المسجد الأقصى والموقف من صفقة القرن والملفات الأمنية الثنائية.
لكن اللافت في التوتر هو الصدام الذي حصل في مارس/آذار من العام الحاليّ، حينما منع نتنياهو بطريقة غير مباشرة زيارة ولي العهد الأردني الحسين بن عبد الله للمسجد الأقصى، في ذكرى الإسراء والمعراج، ولم يتوقف الأمر حينها على ذلك، إذ ردت عمان لاحقًا بمنع طائرة رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو من المرور عبر أجوائها نحو الإمارات، في زيارة كانت الأولى من نوعها في أعقاب توقيع اتفاقية “أبراهام” وهو ما أجل الزيارة ومنعها.
خارج دائرة الاهتمام
في ظل الحراك الذي تشهده المنطقة في أعقاب حرب غزة الأخيرة، ورغم وجود نوايا لدى عمان بالانفتاح على الحكومة الجديدة بعد رحيل نتنياهو الذي احتكر منصب رئيس الوزراء لمدة 12 عامًا، بدا لافتًا أن الأردن ما زال حتى اللحظة خارج دائرة الاهتمام الإسرائيلي، في ظل لقاءات تشهدها المنطقة بين وزير خارجية الاحتلال لابيد ومسؤولين عرب في مصر والإمارات ودول أخرى لم يقع الأردن ضمنها.
وفي أثناء ذلك، وفي تأجيج لحدة الفجوة بين الطرفين، شرع الأردن في فتح خطوط اتصالات مع حركة حماس للمرة الأولى منذ سنوات عبر اتصالات جرت بين جهاز المخابرات الأردني ورئيس الحركة إسماعيل هنية خلال الجولة الأخيرة، في خطوة بدت لافتة وخلافًا لما كان سائدًا في السنوات الأخيرة.
يترافق هذا الأمر مع ما شهدته مدينة القدس المحتلة على وجه العموم والمسجد الأقصى خلال شهر رمضان من انتهاكات إسرائيلية ترى عمان أنها مس بدورها في المسجد، وهو ما عزز الخلافات مع الاحتلال ورفع حدة التوتر في العلاقات الثنائية.
تعتقد السلطات الأردنية أن حكومة “التغيير” الجديدة أفضل من حكومة نتنياهو رغم أن رئيس الوزراء الحاليّ شخصية يمينية متطرفة
وخلال زيادة حدة التوتر، شهد الأردن في الفترة الأخيرة ما أسمته الجهات الرسمية “محاولة انقلابية” على ملكها عبد الله بن الحسين، وما أعلنته الحكومة من تورّط الأمير حمزة بن الحسين ومستشارين سابقين، وتوجيهها تلميحات لأبو ظبي وتل أبيب بالوقوف وراء الحادث، لا سيما الإمارات التي تشهد العلاقة معها برودًا واضحًا منذ التطبيع، والتقارير الواضحة عن ضلوعها في صفقة القرن التي أعلن الأردن رفضها بكل مستوياتها السياسية والشعبية.
حكومة أقل خطرًا.. هل تعود العلاقات؟
تعتقد السلطات الأردنية أن حكومة “التغيير” الجديدة أفضل من حكومة نتنياهو، رغم أن رئيس الوزراء الحاليّ شخصية يمينية، إلا أنه يبقى أقل حدة من مواقف بنيامين نتنياهو الذي رفض الملك عبد الله بن الحسين لقاءه في الفترة الأخيرة واقتصر الأمر على لقاء مع وزير الحرب بني غانتس.
وفيما يتعلق بمواقف هذه الحكومة وما يتوقع منها في العلاقات مع الأردن يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية والكاتب الأردني أيمن الحنيطي لـ”نون بوست” إن هذه الحكومة تبقى أقل خطرًا على الأردن من حكومات نتنياهو السابقة، رغم أن من سيتولى رئاستها بالفترة الأولى هو يميني متطرف وأول رئيس وزراء إسرائيلي يعتمر “القلنسوة اليهودية”، لكن فيما يتعلق بمواقفه تجاه الأردن، فلم يسجل له حتى الآن موقف صريح تجاه الأردن، بعكس لبيد رئيس الوزراء البديل ووزير الخارجية الذي التقى في السابق السفير الأردني بتل أبيب غسان المجالي.
وتوقع الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشأن الإسرائيلي أن يقوم وزير الخارجية يائير لبيد بزيارة قريبة إلى الأردن لترميم العلاقات التي دمرتها حكومات نتنياهو لأنه ينتمي إلى تيار الوسط الذي كان جزءًا من حلف غانتس في السابق.
موقف الحكومة الإسرائيلية تجاه المقدسات وعودة المفاوضات مع الفلسطينيين يرتبط بالأوضاع في المنطقة وبموقف الإدارة الأمريكية
وبحسب الحنيطي، فإن كل ما يتعلق بالقدس والعلاقة مع الفلسطينيين خلال الفترة المقبلة بالنسبة للحكومة الإسرائيلية يعتبر من القضايا الإشكالية، نظرًا لتباين المواقف بين المشاركين فيها، موضحًا أن الاتفاق بين من شكّلوا الحكومة قضى بإبقاء القضايا الإشكالية بحالة جمود وشلل.
ويلفت إلى أن موقف الحكومة الإسرائيلية تجاه المقدسات وعودة المفاوضات مع الفلسطينيين يرتبط بالأوضاع في المنطقة وبموقف الإدارة الأمريكية، إذ يرى أن السياسة الناعمة التي اتبعتها الإدارة الأمريكية في أثناء العدوان الإسرائيلي، قد تساهم في تطور العملية السلمية وتحسين العلاقات الأردنية الإسرائيلية.
علاقات متشابكة
منذ عام 1994، دخل الأردن في مرحلة السلام مع “إسرائيل” كثاني دولة بعد مصر، عقب مفاوضات السلام بين الملك حسين ورئيس الحكومة الإسرائيلية حينها إسحق رابين، برعاية أمريكية، ومنذ الاتفاقية، شهدت العلاقات بين الطرفين حالة من الجذب في حين والشد في حين آخر، مع ما تمليه الظروف في المنطقة والضغوطات الشعبية.
وعلى الرغم من البرود الحاصل، فإن الأردن يرغب بشكل مُلح، كما يراه مراقبون، في استعادة العلاقة، في ظل ملفات مثل صفقة الغاز الإسرائيلي والسيادة الأردنية على الأقصى والدور السياسي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية خصوصًا بالضفة تجعل عمان بحاجة لأن تستعيد مكانتها الإقليمية التي فقدتها خلال السنوات الأخيرة.
وترافق هذه الرغبة وجود خشية لدى عمان من دخول لاعبين إقليميين جدد في ظل موجات التطبيع المتواصلة مع الاحتلال الإسرائيلي التي قامت بها دول خليجية وعربية مثل البحرين والإمارات والمغرب والسودان، وهو ما يفسر الزيارات المتتالية لرئيس جهاز المخابرات الأردني لرام الله بالإضافة إلى وزير الخارجية أيمن الصفدي.
المسار المتوقع.. بين البرود والحرارة
أما المسار المتوقع للعلاقات في ضوء الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وفق محللين، سيسير باتجاه الاعتدال بعض الشيء وإعادة الحرارة إلى الهواتف بالحد الطبيعي، نظرًا لحالة الضعف التي تتمتع بها هذه الحكومة وإمكانية انهيار الائتلاف الخاص بها في أي لحظة.
في الوقت ذاته، سيواصل الأردن بحثه عن تحسين العلاقة لاستعادة المكانة الإقليمية وتعزيز الدور والحضور في القدس والأقصى، خشية من أن يؤدي أي تطبيع سعودي محتمل مع الاحتلال فقدان الوصاية الأردنية على الأقصى الممتدة منذ عقود.