ترجمة وتحرير: نون بوست
ابتكر عدد من العلماء والخبراء الروس نموذجا رقميا لمدينة أفاميا القديمة وكنائسها في خطوة تهدف على ما يبدو إلى توسيع قطاع الآثار في سوريا والهيمنة عليه. وتقع أفاميا في الريف الشمالي الغربي لمحافظة حماة وسط سوريا.
في 15 حزيران/ يونيو، نشرت قناة “زفيزدا” التلفزيونية الروسية مقطع فيديو أظهر كيفية إعداد العلماء الروس من معهد تاريخ الثقافة المادية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم الروسية نموذجًا رقميًا لمدينة أفاميا القديمة وكنائسها. ونقل التقرير عن جيغور بلوشين، أحد الباحثين في المعهد، قوله إن العلماء الروس استخدموا تقنيات الاستشعار عن بعد داخل التربة لإنشاء نموذج للمدينة التاريخية.
وفقا لمنظمة اليونسكو، تأسست مدينة أفاميا سنة 301 قبل الميلاد وكانت تعتبر من أهم المدن في شمال سوريا في عهد الإمبراطورية السلوقية.
خلال سيطرة المعارضة السورية عليها، تعرضت المدينة القديمة لأضرار جسيمة نتيجة قصف القوات الحكومية وعمليات التنقيب غير القانونية. وفي التاسع من أيار/ مايو من سنة 2019، استعادت القوات الحكومية السيطرة على أفاميا وبلدة قلعة المضيق بريف محافظة حماة. وبعد أسابيع قليلة، اتهم النظام المعارضة بتدمير المعالم الأثرية في أفاميا.
في تصريح له لموقع “المونيتور” – شريطة عدم الكشف عن هويته – قال مسؤول سابق في المديرية العامة للآثار والمتاحف التابعة للحكومة إن “اهتمام روسيا بالمواقع التاريخية في سوريا يأتي ضمن سياساتها لتوسيع نفوذها في البلاد، والتي تشمل أيضا المجال السياسي والاقتصادي والعسكري. وقد بدأ الاهتمام الروسي بالمواقع التاريخية السورية في سنة 2016، ومنذ ذلك الحين ظهرت تقارير حول مساعي روسيا ترميم المدن التاريخية القديمة“.
وأضاف المسؤول أن مجموعة من الخبراء من المعهد الروسي لتاريخ الثقافة المادية ينشطون في عدة محافظات سورية ويعملون على دراسة المعابد والمواقع الأثرية والكنائس القديمة في مدينة تدمر وحلب ودمشق وغيرها من المحافظات الأخرى.
روسيا تسعى إلى الحصول على موطئ قدم لها في سوريا ما بعد الحرب من خلال الاهتمام بقطاع الآثار
أشار المسؤول إلى أن “الحرب طالت المواقع التاريخية في سوريا، حيث تضررت العديد من المواقع الأثرية جراء قصف قوات النظام السوري وروسيا أو خلال المعارك بين الأطراف المتنازعة. تعرضت معالم أثرية أخرى للنهب من قبل مختلف الأطراف، بما في ذلك قوات النظام والميليشيات المتحالفة معه وتنظيم الدولة وفصائل الجيش السوري الحر، وذلك في ظل ازدهار تجارة الآثار”.
وأضاف المسؤول أن “روسيا تسعى إلى الحصول على موطئ قدم لها في سوريا ما بعد الحرب من خلال الاهتمام بقطاع الآثار، كما تعمل على إصلاح العلاقات مع الغرب بمنأى عن السياسة. والترويج لقطاع الآثار على نطاق واسع سيكون جزءًا من عملية إعادة الإعمار في سوريا،ويستوجب ضخ أموال ضخمة (لإعادة الإعمار)، ويبدو أن روسيا تريد الإشراف على القطاع الأثري، إلى جانب مجالات حيوية أخرى ساهمت في تنامي نفوذها في سوريا في السنوات الماضية”.
في كانون الأول/ ديسمبر 2020، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مقال كتبه بمناسبة الذكرى 75 لتأسيس منظمة اليونسكو إن الوقت قد حان لكي يبدأ المجتمع الدولي العمل على ترميم مواقع التراث العالمي في سوريا، مؤكدا على استعداد روسيا لتسهيل هذه العملية من جانبها.
خلال الأشهر الماضية، سلطت وسائل الإعلام الروسية الضوء بشكل متزايد على المواقع الأثرية في سوريا بما في ذلك المدن القديمة والمتاحف والكنائس. وفي شباط/ فبراير 2020، نشرت مجلة أوزي مقالًا بعنوان “هل سيكون التراث السوري الهدف القادم لروسيا؟” ذكرت فيه أن روسيا تعتبر المواقع الثقافية القديمة بمثابة طريقة حديثة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.
تحدثت قناة “آر تي” الروسية في الثامن من حزيران/ يونيو 2020 عن ترميم كنيسة في حلب. ونقلت القناة عن نائب مدير معهد التاريخ والثقافة المادية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ناتاليا سولوفيوفا: “لدينا نتيجة نهائية لعملنا، الذي يتمثل في إنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد، بصفته نظاما معلوماتيا جغرافيا وأرشيفا إلكترونيا”. وفي شباط/ فبراير 2021، أكمل الخبراء الروس نموذجا ثلاثي الأبعاد لقلعة دمشق وأعدوا نماذج لمدينة تدمر.
في 26 آذار/ مارس، تحدثت وكالة الأنباء الروسية “إيتار تاس” عن مشروع يهدف إلى قيام شركة روسية بإعداد قائمات رقمية للمواقع التاريخية في سوريا. ونقلت الوكالة عن أوليغ جوربونوف، رئيس قسم التفاعل مع المؤسسات التعليمية التابعة لمجموعة “جيوسكان”، أن الشركة تعتزم التعاون مع المعاهد الأثرية لرقمنة المواقع التراثية والتاريخية في سوريا، وستنطلق الأشغال خلال السنة الجارية إذا سمحت الظروف بذلك.
أعلنت روسيا عن مشروع آخر بقيادة علماء الآثار الروس يهتم بترميم 10 كنائس في مدينة حلب تعود إلى أوائل العصور الوسطى
وأفاد جوربونوف بأنه وقع تصوير بعض المعالم في مدينة تدمر كجزء من المشروع. وتوقع الخبراء تصوير فيديوهات أخرى في مواقع مختلفة. وفي أبريل/ نيسان، أعلنت مؤسسة ترميم تدمر عن انطلاق عمليات ترميم قوس النصر الأثري في مدينة تدمر بمحافظة حمص في سنة 2022.
تأسست مؤسسة ترميم تدمر من قبل روسيا في سنة 2017 لجمع الأموال لترميم تدمر، بالتعاون مع عدد من المتاحف العالمية. وفي مقابلة أجرتها مع موقع “دويتشه فيله” الألماني في سنة 2016، أعربت عالمة الآثار الفرنسية آني سارتر فوريا، المتخصصة بآثار تدمر، عن قلقها إزاء الدور الذي تلعبه روسيا في هذا المشروع محذرة من أن روسيا تفتقر إلى الخبرة اللازمة لتولي مهمة ترميم الآثار.
في الثاني من أيار/ مايو، أعلنت روسيا عن مشروع آخر بقيادة علماء الآثار الروس يهتم بترميم 10 كنائس في مدينة حلب تعود إلى أوائل العصور الوسطى، والتقاط صور ومقاطع فيديو لها، وإعداد نماذج ثلاثية الأبعاد ومخططات تقويمية للمناطق التي تقع فيها.
المصدر: المونيتور