في خضم تحديات وأزمات يعيشها العراق ومصر والأردن، تنهي الدول جولة جديدة من القمة الثلاثية في بغداد، الساعية لتحقيق تقارب بين حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط، وتدشين شام جديد بدلائل اقتصادية وأبعاد سياسية.
ضمت القمة -بالإضافة إلى المسؤولين العراقيين- عبد الفتاح السيسي، الذي أصبح أول رئيس مصري يزور بغداد منذ غزو صدام حسين للكويت عام 1990، ما أدى إلى توقف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وكذلك العاهل الأردني عبد الله الثاني بن الحسين، الذي يجري أول زيارة خارجية له بعد قضية “زعزعة الاستقرار” في بلاده خلال أبريل/ نيسان الماضي.
وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى بغداد
شددت بغداد قبل القمة إجراءاتها الأمنية، استعدادًا للمحادثات التي تركزت على رفع مستوى التنسيق، وتنمية آفاق التعاون في الاقتصاد والتجارة والتنمية ومشاريع البنى التحتية، ونقل الطاقة والنفط بين الدول الثلاث.
وعقد الأردن ومصر والعراق اجتماعات مماثلة خلال العامين الماضيين، ركزت على البنى التحتية والتنسيق الأمني في الأردن، إذ شددت الأطراف الثلاثة على أهمية تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والحيوية، مثل الربط الكهربائي ومشاريع الطاقة والمنطقة الاقتصادية المشتركة بينها.
تعقد هذه القمة أخيرًا بعدما أرجئت مرتين، الأولى عندما وقع حادث تصادم القطارين الدامي في مصر في مارس/ آذار، والثانية إثر قضية “زعزعة الاستقرار” في الأردن في أبريل/ نيسان.
وهذه ثالث قمة بين هذه الدول الثلاث، بعد القمة الأخيرة التي عقدت في عمّان في أغسطس/ آب 2020، فيما أعلن وزير الخارجية المصري سامح شكري أن مصر تتطلع إلى استضافة القمة الرابعة بين بغداد والقاهرة وعمّان.
مشروع الشام الجديد
يقوم المشروع على أساس تفاهمات اقتصادية وسياسية بين بغداد والقاهرة، إذ تمثل مصر كتلة بشرية والعراق كتلة نفطية، أما الأردن فهو حلقة وصل بين الدولتين وأرض ثالثة لإنشاء مدن صناعية مشتركة، ويؤسس لمشروع عربي قد يكون نواة لاتحاد عربي مستقبلًا شبيه بالاتحاد الأوروبي.
وتبحث بغداد عن فرصة لتوطيد مصالحها الاقتصادية المشتركة مع الدولتين عبر مشروع “الشام الجديد”، وتأمل في أن يؤسس لشراكات استراتيجية طويلة الأمد، وتبادل تجاري واسع الأفق، تستعيد من خلاله دورها الريادي في المنطقة.
حاجة اقتصادية ثلاثية
يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد الرحمن المشهداني، إن “الجانب السياسي والأمني لهذه القمة طغى على بعدها الاقتصادي، وأن العراق بحاجة ماسة إلى تنسيق مواقفه مع جميع الدول، وخصوصًا أنها تندرج ضمن حاجة اقتصادية ملحّة للدول الثلاث”.
ويضيف المشهداني لـ”نون بوست” أن “العراق يواجه مشاكل مالية وتكنولوجية، إضافة إلى الحاجة المتزايدة إلى دخول الاستثمارات من جهات دولية متعددة، حيث يمكن أن يسهّل هذا التحالف عقد اتفاقيات وشراكة مع جهات مانحة عديدة، ويمكن أن يسهم هذا الملتقى في تذليل الصعوبات والمعوقات بدخول الشركات المصرية المتخصصة في إعادة إعمار المدن، وفي بناء المجمعات السكنية لحل أزمة السكن”.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى “حاجة بغداد في تنويع منافذ صادراتها النفطية مع دول أخرى حتى تكسر احتكار تصدير النفط من الخليج العربي عبر البصرة”، الذي يتعرض لتهديدات بإغلاقه كلما تصاعد الصراع الأميركي الإيراني أو الخليجي الإيراني، وما يشهده الخليج من تصعيد إقليمي.
قادة العراق ومصر والأردن خلال قمة بغداد
وبسبب ضعف إنتاج بغداد المحلي في عدة مجالات، تحاول مصر إيجاد موطئ قدم لها في السوق العراقية، باعتبارها سوقًا استهلاكية كبرى في المنطقة، إلا أنها تصطدم بمنافسة الإنتاجَين الإيراني والتركي اللذين يسيطران على سوق العراق، أما الأردن فتأمل عودة الدعم العراقي لاقتصادها الذي كان يمثل رافعة أساسية منذ الثمانينيات حتى التسعينيات، من خلال إدامة علاقة مستدامة مع النظام السياسي في بغداد.
وفي فبراير/ شباط الماضي، وقعت مصر 15 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مختلف القطاعات، بما في ذلك النفط والطرق والإسكان والتشييد والتجارة، بعدما وافق مجلس الوزراء العراقي في ديسمبر/ كانون الأول على تجديد عقد إمداد الهيئة المصرية العامة للبترول، بإجمالي 12 مليون برميل من خام البصرة الخفيف لعام 2021.
كما يخطط العراق لإنشاء خط أنابيب يستهدف تصدير مليون برميل يوميًّا من الخام، من مدينة البصرة إلى ميناء العقبة الأردني على البحر الأحمر.
فوائد اقتصادية حقيقية
قالت الباحثة في معهد الشرق الأوسط، حفصة حلاوة، في حديث أوردته “رويترز”: هناك فوائد اقتصادية حقيقية تأتي من هذا التحالف العربي “للشركاء الثلاثة، ولا سيما فيما يتعلق بدبلوماسية الطاقة”، مضيفة أن هناك اعتقادًا بأن تعزيز العلاقات من شأنه أن يؤدي إلى تنشيط الدور الأميركي في المنطقة.
وتابعت قائلة: “الأمل يبقى في أن بعض جوانب هذا التحالف يمكن أن تسحب العراق قليلًا من فلك النفوذ الإيراني، لكن دون الاندفاع إلى أحضان أميركا والوقوع في ثنائية العالق بين واشنطن وطهران”.
مراسم استقبال الرئيس المصري في بغداد
كل من القاهرة وعمّان قريبتان للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولذلك يُنظر إلى القمة على أنها محاولة لتقريب العراق من واشنطن، وتحقيق توازن في علاقته معها.
وفي هذا السياق يقول المستشار في المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، الدكتور الناصر دريد: “إن فكرة القمة هي محاولة إيجاد دول تمتلك موقفًا محايدًا من الصراعات الإقليمية في المنطقة بين المحورين المتخاصمين (واشنطن وحلفاؤها – طهران وحلفاؤها)، وخصوصًا أن العراق ومصر والأردن لديهم علاقات “مقبولة” بالمجموعتين على حد سواء”.
ويشير دريد في حديثه لـ”نون بوست”، إلى “أن الدول تحاول -من خلال القمة- إنشاء محور ثالث يشق طريقه بعلاقات استراتيجية، ويسير بشكل متوازن”، مشيرًا إلى أن “الأنظمة السياسية في البلدان الثلاثة تواقة إلى تحقيق إنجاز على المستوى الخارجي، لصرف النظر عن التحديات الداخلية التي تواجهها كل من بغداد والقاهرة وعمّان”.
رغبات تصطدم بواقع عراقي
قد تصطدم رغبات وطموحات الدول الثلاث بمشكلة عدم هيمنة صاحب القرار العراقي على عديد من مفاصل الدولة، من بينها المنافذ والحدود والأمن والاقتصاد، وسط خصومة تزداد تعقيدًا بين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من جهة، وجماعات مسلحة يتعاظم نفوذها يومًا بعد يوم في البلاد من جهة أخرى، ما قد يعرقل مشاريع مشتركة كبرى بين الدول؛ مثل الربط الكهربائي، وتأسيس منظومة أمنية، والتبادل التجاري الحر، ويبقى إحداث تغيير نوعي في علاقات العراق مع المحور الثالث، رهينة تفاهمات وحسابات معقدة وحرب خفية.