مُني حزب العدالة والتنمية بخسارة فادحة في الانتخابات المهنية، بعدما أكدت نتائجها تراجع الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الذراع النقابي لهذا الحزب، في قطاعات اجتماعية حساسة، على رأسها التعليم والصحة، كانت بالأمس القريب نقابة الإسلاميين حاضرة فيها بقوة، في وقت تتعالى فيه الأصوات الداعية إلى التصويت العقابي ضد الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي طيلة عقد من الزمن.
ملفات ثقيلة في قطاع التربية والتعليم تراكمت ولم تجد لها حلًّا طيلة فترة قيادة حزب العدالة والتنمية للائتلاف الحكومي، خلال ولايتين متتابعتين منذ عام 2011، ما أدى إلى هزيمة الجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة للاتحاد الوطني للشغل في الانتخابات المهنية، وهي إشارة قوية للإسلاميين تنذر بتراجع حظوظهم في الانتخابات التشريعية، المزمع تنظيمها بعد أسابيع.
بلا مشروعية تمثيلية
أضحت نقابة العدالة والتنمية خارج التمثيلية النقابية بقطاع التعليم، فهي لم تظفر سوى بـ 27 مقعدًا، ما من شأنه أن يحرمها من تأمين التمثيلية النقابية داخل هذا القطاع، وبالتالي يقصيها من المشاركة في الحوار الاجتماعي بوزارة التربية الوطنية ومن التمثيلية في الحوار، سواء مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، أو على مستوى المديريات الإقليمية، بسبب عدم بلوغها عتبة 6%.
تعليقًا على هذه الخسارة المفاجئة، كتبت القيادية في حزب العدالة والتنمية أمينة ماء العينين، على صفحتها في فيسبوك: “علينا أن نقر أننا انهزمنا في الانتخابات وأن نقبل بهذا الأمر وأن نقيمه ونحلله بدون مركب نقص وبقدرة على الثبات في هذه اللحظة الصعبة لتجاوزها”.
على الرغم من الزيادة الهزيلة في أجور المعلمين، لم يكن هذا التغيير بمستوى الارتفاع الكبير في أسعار المعيشة، ما يجعل المعلمين غير قادرين على مواجهة متطلبات الحياة.
وعزت النائبة البرلمانية هذه الخسارة إلى التقطيع الترابي والفئوي، إذ تقول مراجعته تمت بطريقة مفاجئة ومتسرعة، “وبدا واضحًا من خلالها التحكم القبلي في النتائج وضبطها وتوجيهها، وقد كان واضحًا أن نتائج النقابة ستتراجع بسبب ذلك”، وتضيف ماء العينين مستدركة: “لكن العوامل الداخلية عمقت العجز وأسهمت في تحقيق التراجع الكبير”.
وذكرت ماء العينين أن النقابة يتم التعامل معها كامتداد للعدالة والتنمية، لهذا يجب على الحزب أن يقرأ هذه الإشارة بتمعن، فقد تم إرسالها من داخل فئة تشكل العصب القوي لقاعدة الحزب الانتخابية.
ربع مليون معلم
يتجاوز عدد المعلمين في المدارس الحكومية الربع مليون، نصفهم تقريبًا يعملون في الأرياف، حسب أحدث المعطيات الصادرة عن وزارة التربية الوطنية، التي شددت على الحاجة الماسة إلى مزيد من الأطر لتحسين مستوى بعض المؤشرات، خاصة منها مؤشر الاكتظاظ ومؤشر الأقسام متعددة المستويات.
رغم وعود الحكومة بتحسين العرض التربوي والنهوض بالمدرسة، إلا أن النتائج تأتي عكس ذلك، وفقًا للتصنيفات العالمية التي تبوِّئ المملكة المغربية مراتب متأخرة في هكذا أمثلة، منها المؤشر العالمي لجودة التعليم لعام 2021، حيث تأخر البلد إلى المركز 101 وفقًا لهذا التقرير السنوي الصادر عن المنتدى العالمي في دافوس، ويشمل 140 دولة.
من حيث أجور المعلمين، حل المغرب في المرتبة ما قبل الأخيرة مقارنة بباقي الدول العربية، وفقًا لتقرير أعده مركز أبحاث التعليم العالي التابع لجامعة شيكاغو الأميركية خلال عام 2015، مشيرًا إلى أن المعلم المغربي يتقاضى راتبًا هزيلًا عند بداية مشاوره، يعادل 4500 درهم (أقل من 500 دولار)، على أن تتطور أجرته إلى 7000 درهم (780 تقريبًا) بعد أكثر من 10 سنوات من العمل.
وعلى الرغم من الزيادة الهزيلة في أجور المعلمين، لم يكن هذا التغيير بمستوى الارتفاع الكبير في أسعار المعيشة، ما يجعل المعلمين غير قادرين على مواجهة متطلبات الحياة.
قرارات “الإخوان” الصادمة
منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة عام 2011، شكلت كثير من قرارات رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران صدمة قوية لأسرة التربية والتكوين، فقد أصدر مرسومًا يقضي بالاقتطاع من أجور موظفي وزارة التربية الوطنية المضربين عن العمل، ويعتبرهم متغيبين، متحجّجًا بعبارة “الأجر مقابل العمل”، وهو ما اعتبرته النقابات “غير قانوني” ويمس بالحق الذي ضمِنَه الدستور المغربي في ممارسة الإضراب.
في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2015، اندلعت أزمة الأساتذة المتدربين لتستمر لموسم دراسي كامل تقريبًا، رفض فيها هؤلاء الالتحاق بمقاعد التكوين، ونزلوا إلى الشوارع احتجاجًا على مرسومين أصدرتهما وزارة التربية الوطنية، الأول يتعلق بعدم توظيفهم بعد تخرجهم إلّا بعد إجراء مباراة جديدة وفق المناصب المالية المتاحة، والثاني يحوّل أجرتهم الشهرية إلى منحة مع تقلصيها إلى النصف، لكن في النهاية وعدت الوزارة بعدم تطبيق المرسومين حتى الموسم القادم، ليكون هذا الفوج هو آخر المعلمين المرسمين.
بدا واضحًا أن العاملين بقطاع التعليم عاقبوا نقابة الاتحاد الوطني للشغل بسبب ارتباطها بالحزب الذي يقود الحكومة.
بدءًا من العام 2016 شرعت الحكومة في خطة التعاقد، وإلى حدود الآن جرى توظيف 100 ألف معلم بموجب عقود مؤقتة مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وما زالوا يضربون عن العمل ويخرجون في مسيرات احتجاجية من حين إلى آخر للمطالبة بإدماجهم في نظام الوظيفة العمومية أسوة بزملائهم، لكن هذا الملف لم يجد له أي مخرج أو حل توافقي، شأنه شأن العديد من الملفات الأخرى التي لا تزال عالقة.
رفض الاعتراف بالهزيمة
حتى الملفات التي كانت محل توافق مشترك في الحوار الاجتماعي بين الوزارة والنقابات، لا تزال تعرف بطئًا في التفعيل وتتعلق بالإدارة التربوية وحاملي الشهادات العليا، وأطر التوجيه والتخطيط، والأساتذة المكلفين خارج الإطار الأصلي.
تأبى نقابة العدالة والتنمية الإقرار بخسارتها، فتقول إنها حققت نتائج متقدمة مقارنة بالانتخابات المهنية عام 2015، فهي بالأحرى تتحدث عن تراجع أو استقرار في قطاعات وتقدم في قطاعات أخرى، مثل قطاع التعمير وإعداد التراب الوطني الذي بوّأ الإسلاميين المرتبة الأولى.
بدا واضحًا أن العاملين بقطاع التعليم عاقبوا نقابة الاتحاد الوطني للشغل بسبب ارتباطها بالحزب الذي يقود الحكومة، وهو مؤشر واضح على أن هذا التوجه سيظل قائمًا في الانتخابات التشريعية والبلدية، التي حسمت وزارة الداخلية إجراءها في موعدها، أي يوم الأربعاء 8 سبتمبر/ أيلول القادم.