البيشمركة، كلمة كردية تشير إلى القوات العسكرية الرسمية التابعة لإقليم كردستان العراق، واصطلاحًا تعني المقاتلين الذين يواجهون الموت دون خوف أو الفدائيين. تأسست بداية عشرينيات القرن العشرين كمجموعات مقاتلة، وشاع استخدام هذا الاسم بعد أن أطلقه السياسي والمثقف الكردي العراقي إبراهيم أحمد، على الجناح العسكري للحزب الديمقراطي الكردي، الذي شارك في تأسيسه بتلك الفترة.
أما من ناحية أصل كلمة البيشمركة واستخدامها لأول مرة، فلا يُعرف تاريخ رسمي لظهورها، فقد استخدِمت في العصر الحديث بصفة رسمية في أربعينيات القرن الماضي، عندما أقام الكرد جمهورية مهاباد شمال إيران، التي لم تصمد سوى عام واحد، إذ تم القضاء على هذه الدولة على يد شاه إيران بدعم من الاتحاد السوفيتي.
كما أن مصطلح البيشمركة ظهر في العديد من المراحل التاريخية الكردية في العصر الحديث بعد انهيار جمهورية مهاباد، فضلًا عن استخدام المصطلح وإطلاقه على الميليشيات الكردية التي كانت مناوئة للمملكة العراقية قبل عام 1954.
رسميًّا، اكتسبت قوات البيشمركة الكردية في العراق صفة رسمية في أوائل تسعينيات القرن الماضي، بعد حرب الخليج الثانية التي أفضت إلى خسارة العراق حربه مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي، وإجبار بغداد على الخروج من الكويت وفرض حظر جوي في مناطق شمال العراق، ومن ضمنها مدن إقليم كردستان وهي السليمانية وأربيل ودهوك.
الانتشار
منذ بداية الحصار الدولي والحظر الجوي على العراق، بات إقليم كردستان في حالة حكم ذاتي واقعيًّا، وعلى مدى السنوات التي أعقبت ذلك لم تتوحد هذه القوات في وزارة واحدة بصورة حقيقية، وذلك بحسب ما يشير إليه الباحث في الشؤون الأمنية حسين العنزي.
ويتابع العنزي في حديثه لـ”نون بوست” أن هذه القوات الكردية (البيشمركة) تتبع الحزبَين الرئيسيَّين في إقليم كردستان، وهما: الحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP) بزعامة السياسي الكردي المعروف مسعود البارزاني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) بزعامة الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني.
ويذكر العنزي أن هذه القوات الكردية التابعة لكلا الحزبَين، خاضت حربًا ضروسًا فيما بينها فيما بات يُعرَف بالحرب الأهلية الكردية في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف من كلا الجانبين.
أما الباحث السياسي محمد عزيز، فيكشف في حديثه لـ”نون بوست” أنه رغم توحيد 14 لواءً من البيشمركة ضمن وزارة البيشمركة التابعة لحكومة إقليم كردستان، فإن هذه الألوية، ومن منظور واقعي، تتلقى أوامرها وفق الجهة التي تتبع لها من كلا الحزبين الرئيسيين في الإقليم.
ويضيف عزيز “رغم المحاولات العديدة التي جرت بضغط من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على مدى السنوات الماضية، للضغط على الحزبين الكرديين لتوحيد قوات البيشمركة، فإن الخلافات السياسية بينهما لا تزال تحول دون اتحاد هذه القوات، باستثناء قوات النخبة الكردية التابعة للإقليم، التي تُعرَف كرديًا بقوات مكافحة الإرهاب (الزريفاني)، التي تتلقى أوامرها مباشرة من وزارة البيشمركة”.
أما فيما يتعلق بالانتشار، فيشير مصدر في وزارة البيشمركة الكردية – اشترط عدم كشف هويته لعدم تخويله بالحديث لوسائل الإعلام – أن قوات البيشمركة الكردية تنتشر في أراضي إقليم كردستان وفي المناطق المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل، وتلك المناطق هي التي لا تزال محل خلاف بين الحكومتين وفق المادة 140 من الدستور العراقي المقر عام 2005.
منذ عام 2006 وضمن ما يُعرف بالتوافق السياسي الذي أعقب الغزو، فإن منصب رئيس الجمهورية في العراق من حصة الأكراد
وتشير قيادة العمليات المشتركة العراقية إلى أن قوات البيشمركة الكردية تعد قوات رسمية منصوص عليها في الدستور العراقي، وانتشارها محصور في مدن الإقليم، فضلًا عن وجود فوج كردي منها في العاصمة بغداد، ويُدعى بالفوج الرئاسي الذي يوجد بالقرب من مقر رئاسة الجهورية في المنطقة الخضراء.
يذكر أنه منذ عام 2006، وضمن ما يُعرف بالتوافق السياسي الذي أعقب الغزو، فإن منصب رئيس الجمهورية في العراق من حصة الأكراد، وتوالى عليه كل من الرئيس الراحل جلال طالباني ثم الرئيس السابق فؤاد معصوم ومن بعده رئيس جمهورية العراق الحاليّ برهم صالح.
الإعداد والتسليح
لا توجد معلومات دقيقة عن أعداد قوات البيشمركة الكردية في إقليم كردستان العراق، فلا يزال ملف البيشمركة عالقًا بين حكومتي بغداد وأربيل، إذ تطالِب الأخيرة بصرف رواتب البيشمركة من الحكومة الاتحادية التي ترفض الأعداد التي تقدمها وزارة البيشمركة وتطالب بتدقيقها.
رسميًا، ووفق مصادر كردية، أكد أمين عام وزارة البيشمركة الفريق جبار ياور، أن أعداد القوات مسجلة بشكلٍ بايومتري أو ما يُعرف بالرقم الوطني، وبإمكان الحكومة الاتحادية التأكد منها.
وأضاف ياور أن عدد قوات البيشمركة يبلغ 160 ألف عنصر، وجميعهم مسجلون في التعداد البايومتري الذي أجري في الإقليم، مشيرًا إلى أن كل شخص مدون اسمه وبياناته في البايومتري، هو موظف حكومي في الإقليم، وبإمكان الحكومة الاتحادية العراقية تدقيق سجلات العملية والتأكد من أسماء وأعداد قوات البيشمركة الموجودة.
سلاح البيشمركة
تعد قوات البيشمركة جيشًا لإقليم كردستان، وتتمتع بذات التصنيف والتقسيم العسكري المتبع في الجيوش، بما يشمل تقسيم الفرق العسكرية ومختلف أنواع الأسلحة.
يقول الخبير الأمني العراقي رياض الزبيدي في حديثه لـ”نون بوست”: “العدد التقريبي لقوات البيشمركة يتراوح بين 190 إلى 200 ألف عنصر، وتتسلح هذه القوات بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة”.
ويتابع الزبيدي “البيشمركة تمتلك دبابات من طراز تي-55، إضافة إلى مدفعية هاوتزر التي تستطيع تغطية ميدان حربي بعمق 15 كيلومترًا، فضلًا عن مئات عربات الهامفي الأمريكية المدرعة وناقلات الجند المدرعة التي استولت عليها من الجيش العراقي السابق بعد الغزو الأمريكي للبلاد عام 2003”.
كما أن البيشمركة تمتلك مضادات دبابات متطورة من طراز تاو، فضلًا عن مختلف أنواع الصواريخ قصيرة المدى وصواريخ مضادة للطائرات من الطراز الذي يُحمل على الكتف، تستطيع استهداف طائرات الهيليكوبتر والطائرات الحربية التي تحلق على ارتفاع منخفض، علاوة على الأسلحة الرشاشة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، بحسب الزبيدي.
ويختتم حديثه لـ”نون بوست” بالإشارة إلى أن هذه القوات لا تمتلك أي مقاتلات حربية، ويقتصر سلاح الجو فيها على بعض المروحيات التي قدمها التحالف الدولي، وتستخدم في مراقبة الأجواء، إضافة إلى بعض الطائرات المسيرة صغيرة الحجم ومحدودة القدرة التي تستخدم في مراقبة الوضع الأمني.
ينوي الجيش الأمريكي خلال عام إلى عام ونصف تقديم مساعدات عسكرية للبيشمركة بقيمة 166 مليون دولار، إلى جانب الدعم اللوجستي شهريًا
وتحظى القوات الكردية بدعم كبير من التحالف الدولي المناوئ لتنظيم “داعش”، فقد أشرفت ألمانيا على تدريب قرابة 10 آلاف مقاتل من البيشمركة عام 2015، كما تسهم الولايات المتحدة بتدريب مكثف لهذه القوات مع تسليحها بمختلف أنواع الأسلحة والذخائر.
وكان المتحدث باسم التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، واين ماروتو، قد أعلن في 11 من يونيو/حزيران الماضي تسليح جديد لقوات البيشمركة بأسلحة ومعدات بقيمة تتجاوز 3 ملايين دولار.
ومطلع العام الحاليّ، كشف قائد مركز التنسيق المشترك للتحالف الدولي في إقليم كردستان العقيد ديف ويليامز، أن الجيش الأمريكي ينوي خلال عام إلى عام ونصف تقديم مساعدات عسكرية للبيشمركة بقيمة 166 مليون دولار، إلى جانب الدعم اللوجستي شهريًا.
اتهامات وانتهاكات
يُعرَف عن قوات البيشمركة انضباطها العسكري، إلا ان أحداث يونيو/حزيران 2014 واحتلال تنظيم “داعش” لمساحات شاسعة من العراق، أدت إلى دخول هذه القوات على خط مواجهة التنظيم عسكريًا، وبالتالي أشارت العديد من المنظمات الدولية والمحلية الحقوقية إلى حدوث انتهاكات من قوات البيشمركة في العديد من المناطق شمال البلاد في محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك.
مفوضية حقوق الإنسان، في تقرير نُشر عام 2018، أكدت تلقيها أكثر من 600 شكوى في محافظة كركوك من أهالي المحافظة تتحدث عن انتهاكات أغلبها ارتكبتها قوات البيشمركة الكردية، إبان سيطرتها على المحافظة قبل انطلاق خطة فرض القانون في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، في 16 من أكتوبر/تشرين الأول 2017.
ويشير تقرير المفوضية إلى أن الانتهاكات التي سجلتها، تتعلق بتجريف عشرات القرى العربية والتركمانية، إضافة إلى اختفاء المئات من أهالي المحافظة وعدم معرفة مصيرهم إثر اعتقالهم على يد القوات الكردية في فترة توليها زمام الملف الأمني في المحافظة، قبيل سيطرة القوات العراقية الاتحادية عليها.
ويضيف الصحفي العراقي زياد السنجري في حديثه لـ”نون بوست” “القوات الكردية (البيشمركة) نفذت عمليات تطهير عرقي في مئات القرى العربية والتركمانية، في كركوك وصلاح الدين ونينوى”.
ويتابع أن هذه القوات جرفت آلاف القرى العربية في شمال غرب العراق وكركوك، فلم يستطع سكانها العودة إليها كما في قرى الخازر وزمار وربيعة ومخمور وغيرها، دون أن تتمكن الحكومة العراقية ببغداد من إيجاد حلول لهذه المناطق، التي لا يزال جُل أهلها يقبعون في المخيمات.
لم تفلح الحكومة العراقية على مدى 18 عامًا أعقبت الغزو الأمريكي، من ضبط إيقاع هذه القوات فيما يتعلق بالانتشار والتبعية والتسليح
ويؤكد السنجري أن هناك عمليات تغيير ديموغرافي في العديد من المناطق المتاخمة لحدود مدن إقليم كردستان، ولا تزال مستمرة في محاولة من سلطات الإقليم فرض الأمر الواقع في تلك المناطق، مشيرًا إلى أن هذه الأفعال شبيهة بتلك التي تقوم بها ميليشيات الحشد الشعبي، في مناطق حزام بغداد وديالى وبابل.
وكانت منظمة هيومن رايتش ووتش قد اتهمت القوات الكردية بانتهاك واسع لحقوق الإنسان، خلال العمليات العسكرية الرامية لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “داعش” بين عامي 2014 و2017.
واتهمت المنظمة هذه القوات بارتكاب عمليات تطهير عرقي ومنع الهاربين المدنيين من سيطرة تنظيم “داعش” من الدخول إلى المناطق الآمنة، فضلًا عن آلاف عمليات هدم الأبنية في القرى والبلدات التي سيطرت عليها القوات بين عامي 2016 و2017.
لا تزال تفاصيل انتشار وتسليح وأعداد قوات البيشمركة الكردية محل جدل بين حكومتي بغداد وأربيل، إذ لم تفلح الحكومة العراقية على مدى 18 عامًا أعقبت الغزو الأمريكي من ضبط إيقاع هذه القوات فيما يتعلق بالانتشار والتبعية والتسليح وغيرها.