تُعرف مدينة إسطنبول بمدينة الألف مئذنة بعد القاهرة، فبحسب دائرة الإفتاء وصل عدد الجوامع والمساجد في تركيا منتصف عام 2020 إلى 3 آلاف و469 مسجدًا، وتغطي هذه المساجد جميع الأحياء الإسطنبولية، ويختلف عددها من منطقة إلى أخرى، بحسب التوجه الثقافي الغالب لسكان الحي وتاريخه.
بنيت الجوامع في العهد العثماني لتخليد ذكرى السلاطين، ودلالة على قوة الدولة وثرائها، ومع كل التغييرات التي شهدتها تركيا في العقدين الأخيرين، يعود الرئيس التركي ليخلّد اسمه مع كبار السلاطنة العثمانيين في تشييد جامع تشامليجا على أعلى تلة في إسطنبول، بمآذنه الـ6، كأكبر جامع في عهد تركيا الحديث، ومنذ أسابيع قليلة افتتح جامع تقسيم في أشهر الأحياء الإسطنبولية.
في التقرير الجديد ضمن ملف “دليل إسطنبول للعائلة“، نستعرض أشهر وأجمل مساجد العاصمة الثقافية لتركيا، التي تمثل زيارتها رحلة روحانية ومعرفية ثرية لكم ولأبنائكم.
جامع السليمانية (Süleymaniye Cami)
يرتفع جامع السليمانية بمآذنه الأربعة وشرفات المآذن العشرة على أحد تلال إسطنبول التاريخية السبع، استمر بناؤه سبع سنوات وجلبت له المواد من مختلف أنحاء الإمبراطورية العثمانية، ويعد الجامع أهم جزء من مجمع السليمانية المكون من مدارس كمدرسة الطب ومدرسة دار الحديث ودار الضيافة وأضرحة السلطان سليمان القانوني وزوجته ومعمار سنان إضافة لجناح الزائرين وعابري السبيل، وتعلو المجمع ألف قبة.
يشهد جامع السليمانية أجواء رمضانية خاصة كل عام، إذ تقام فيه موائد الإفطار أحيانًا، وأحيانًا أخرى يحمل الناس طعامهم ويفترشون ساحات المسجد والحدائق المحيطة به، ومن ثم يتجمعون داخله لأداء صلاة التراويح لما فيه من روحانية وسكينة فريدة.
زيارة السليمانية رحلة ممتعة ليست فقط للصلاة في الجامع الكبير بالأسرار المعمارية بل رحلة عبر التاريخ، والتمتع بمنظر الخليج والمضيق من إطلالة أحد أسوار حديقة الجامع، ومن ثم مراقبة غروب الشمس من المقاهي العالية المنتشرة في المنطقة، بعد الانتهاء من تناول طبق الفاصوليا الشهير عند أسوار الجامع.
الموقع: خرائط جوجل
جامع الفاتح (Fatih Camii)
في قلب أحياء المدينة القديمة اختار محمد الفاتح بناء “الجامع الجديد” الذي سمي فيما بعد باسمه ليكون أول جامع يحمل اسم سلطان، يرتفع جامع الفاتح والمرافق التابعة له إضافة لضريح السلطان وعشرات من وجهاء الدولة العثمانية، وسط حي سكني مكتظ في منطقة حيوية لا تهدأ ليلًا أو نهارًا، ساحاته تعج بحركة الأطفال وألعابهم، يجد المارون فيها راحة لهم من تعب الأسواق، أحد أبواب ساحته الخارجية يفضي مباشرة إلى سوق شارع فوزي باشا الشهير، وعلى أبوابه وعلى امتداد الأزقة المحيطة به يفرش الباعة خضراواتهم وأغراضهم كل أربعاء فيما يعرف بالبازار الذي يقصده السياح أيضًا.
يجد فيه العرب المهجرين من أوطانهم سلوةً وشبهًا بديارهم التي فارقوها فتسمع اللغة العربية تتردد في ساحاته كثيرًا كأنها لغة البلاد، اختاره السوريون وغيرهم من العرب لتشييع موتاهم من رموز العلم والثورات وأقاموا فيه صلاة الغائب على الشهداء.
الموقع: خرائط جوجل
جامع تشامليجا (Çamlıca Camii)
أحد أهم رموز إسطنبول الحديثة، والمسجد الأكبر في تاريخ الجمهورية التركية، أقيم على تلة تشامليجا أعلى تلال حي إسكودار الواقع في القسم الأناضولي من إسطنبول ليكون من أبرز المعالم وضوحًا في أفق المدينة، بإطلالته المميزة على مضيق البوسفور وأجزاء واسعة من إسطنبول بشطريها وحدائقه الواسعة بمساحة 30 دونمًا أصبح الجامع وجهة سياحية لكثير من الزوار، فقد بلغ عدد زواره 12 مليونًا بعد عامين من افتتاحه رغم جائحة كورونا، يتميز الجامع بطرازه المعماري الفريد الذي يجمع بين الحداثة والطراز المعماري العثماني – السلجوقي، واستخدمت في الكتابات والنقوش المبهرة على قبته وجدرانه تكنولوجيا حديثة ودقيقة.
يضم المجمع قاعة مؤتمرات ومتحفًا للآثار الإسلامية التركية ومكتبةً عامةً ومعرضًا للفنون، إضافة لموقف سيارات خاص برواد المسجد.
الموقع: خرائط جوجل
مسجد سانجاق (Sancaklar Camii)
وسط سهول بيوك تشكمجه الخضراء صمم هذا المسجد لينسجم مع جوهر الإسلام، حيث تحيط بالمكان أجواء بسيطة وأنيقة، بعيدًا عن المبالغة والزخارف غير الضرورية، ويعطيك انطباع أنك في كهف بجوف الأرض، فعندما تهبط السلم نحو الداخل تشعر كأنك انفصلت عن العالم الخارجي المعقد، وحاز المسجد العديد من الجوائز بتصميمه الفريد.
الموقع: خرائط جوجل
جامع ياغوث سليم (Yavuz Selim Camii)
يتسم هذا المسجد بالهدوء والسكينة وكبقية جوامع السلطنة، كان جزءًا من مجمع يضم مدارس وأضرحة السلاطين وزوجاتهم وحمامًا وغيرها من المرافق، يتكون الجامع من فناء كبير تدخل منه إلى فناء داخلي محاط برواق ذي 22 قبة، وتدخل إلى الفناء الداخلي من ثلاثة أبواب وفي وسط هذا الفناء نافورة تغطى بقبة محمولة على 8 أعمدة من الرخام.
يمكن أن تقصد الجامع للصلاة بعد زيارة الحديقة المجاورة واللعب مع الأطفال، ومن ثم الجلوس في الباحة الخارجية للجامع المطلة على القرن الذهبي، بعد ذلك يمكن النزول والتمشية (الطريق شديدة الانحدار) في حارات حي “بلاط” الشهير وصولًا للخليج.
الموقع: خرائط جوجل
جامع أورتاكوي (Büyük Mecidiye Camii أو Ortaköy Camii)
يحتل جامع المجيدية الكبير موقعًا مميزًا على ضفاف المضيق، ويعتبر الوجهة الأشهر لزوار إسطنبول وعشاق التصوير، إذ يشكل مشهد الجامع مع جسر شهداء 15 تموز لوحة فنية فريدة في مختلف فصول السنة، صُمم المسجد على الطراز الباروكي مع النوافذ الزجاجية الكبيرة المصممة لالتقاط ضوء البوسفور المتغير.
يأتي الزوار عادة إضافة للصلاة وزيارة المسجد لمراقبة غروب الشمس والجلوس في المقاهي والمطاعم المنتشرة حول الجامع، ويتناولون طبق “الكومبير” التي تشتهر به المنطقة، كما يوجد ميناء صغير مجاور للجامع يصل لعدة نقاط على طول خط المضيق.
الموقع: خرائط جوجل
جامع السلطان أحمد (Sultan Ahmet Camii)
أو كما يعرف بالجامع الأزرق حيث تزين جدرانه الداخلية بأكثر من 20 ألف قطعة سيراميك منقوشة يدويًّا باللون الأزرق، جرى جلبها جميعًا من مدينتي إيزنيك وكوتاهيا في أكثر من 50 تصميمًا يحمل نقوشًا مختلفة، يقصده السياح من جميع أنحاء العالم، ويشتهر المسجد بعمارته المميزة، فيعد من أهم وأضخم المساجد في العالم الإسلامي عُرف بمآذنه الستة، ويقع في منطقة مليئة بالآثار والكنوز التاريخية.
على مقربة منه نجد آيا صوفيا وقصر التوب كابي وحديقة الغولهانة إضافة للمسلة التاريخية المنقولة من مصر في عهد الفراعنة والنافورة الألمانية ومجموعة من المتاحف والأوقاف والحمامات والمباني التاريخية والأحياء التراثية.
الموقع: خرائط جوجل
جامع آيا صوفيا الكبير (Ayasofya Camii)
يعد من بين أهم المعالم الأثرية في تاريخ العمارة العالمية الباقية، وهو أكبر كنيسة بنتها الإمبراطورية الرومانية الشرقية في إسطنبول، عند فتح القسطنطينية حولها السلطان الفاتح لجامع وأولتها الإدارة العثمانية اهتمامًا ورعاية خاصة وأضيف المحراب والمنبر وغرفة المؤذن ومنبر الخطبة للمبنى، ثم تم تحويل مسجد آيا صوفيا الكبير إلى متحف عام 1934 حتى أُعيد افتتاحه كجامع مرة أخرى في عام 2020، بعد إجراء أعمال ترميم من الداخل والخارج للمسجد، وتقديمه بحلة جديدة للبشرية جمعاء.
الموقع: خرائط جوجل
جامع السلطان أيوب (Hz. Ebu Eyyub El-Ensari)
بني مسجد أيوب سلطان والمجمع المكون من المدرسة ومطبخ الحساء والحمام والضريح حوله من الفاتح سلطان محمد مباشرة بعد فتح إسطنبول، ويسمى أيضًا باسم جامع أبي أيوب الأنصاري حيث بني المسجد بالقرب من قبر الصحابي الجليل، الذي قدم مع جيش المسلمين لفتح القسطنطينية، عام 52 هجريًا، لكنهم لم ينجحوا، وعندما توفي أبو أيوب الأنصاري غسل ودفن في هذه المنطقة بناء على وصيته، وهذا ما يفسر وجود الجامع والقبر خارج أسوار المدينة التاريخية.
وتعتبر منطقة أيوب مليئة بالنشاطات العائلية المبهجة مثل جولات المراكب في الخليج وركوب التلفريك، إضافة للمقاهي والمكتبات الصغيرة.
جامع العرب (Arap Camii)
رفع أول أذان في إسطنبول من جامع العرب، الذي بني على يد الجيش الإسلامي القادم لفتح المدينة، عام 717 ميلاديًا، بقيادة مسلمة بن عبد الملك، لم يتمكن الجيش الإسلامي من فتح القسطنطينية (شبه الجزيرة التاريخية)، بعد حصار بري وبحري لمدة عام واحد، إلا أنه سيطر على حي غالاطا وعقد اتفاقًا مع حاكم غلاطة تم بموجبه بناء جامع في المنطقة.
لكن الجيش الإسلامي اضطر للعودة لدمشق فاستغل الرهبان مغادرته وحولوا الجامع إلى كنيسة، وبنوا فيها برجي للجرس، وأطلقوا عليها كنيسة “سان باولو” بعد أن استمر أداء العبادات في الجامع لمدة 7 أعوام.
وبعد فتح إسطنبول عام 1453، أعاد محمد الفاتح المبنى إلى جامع مجددًا، وأمر بإضافة محراب ومنبر له، واتخذ فيما بعد اسم جامع العرب، بعد هجرة أعداد كبيرة من عرب الأندلس واستقرارهم في منطقة غالاطا.
يحمل الجامع بصمات من الطراز المعماري الأندلسي إثر بناء نوافذه وجبهته الخارجية على يد العرب الأندلسيين لاحقًا.
الموقع: خرائط جوجل
جامع كلية الشريعة في جامعة مرمرة (Marmara Üniversitesi İlahiyat Fakültesi Camii)
تحفة معمارية بنيت حديثًا في حي أسكودار، داخل حرم جامعة مرمرة لكنه يستقبل جميع زوار المنطقة الحيوية فضلًا عن رواد الجامعة، يحتوي البناء إضافة للجامع على قاعة مؤتمرات ومكتبة وبقية المرافق ما يجعله أقرب لمركز ثقافي، الجامع مليء بالرمزيات ليس فقط في الهيكل الرئيسي، وإنما في جميع العناصر المعمارية والإنشائية، كما يعتبر المسجد اليوم مسجد تشريف حيث تشّيع منه الشخصيات المهمة والمشاهير.
الموقع: خرائط جوجل
جامع تقسيم (Taksim Camii)
(إن شعبنا قد اجتمع اليوم بحلم عمره 150 عامًا) أردوغان خلال افتتاح جامع تقسيم
برمزيته العالية أصبح جامع تقسيم المعلم الأشهر في ميدان تقسيم، الذي اشتهر لفترة طويلة بعلمانيته وأتاتوركيته المتطرفة، حيث يلاحظ أن منطقة تقسيم تعاني من ندرة في المساجد والجوامع. افتتحه أردوغان العام الحاليّ 2021 بعد سنوات طويلة من الجدل العام والجدل القانوني، فقد شهدت المنطقة احتجاجات ضخمة مناهضة للحكومة عام 2013 عقب إعلان إقامة الجامع (أحداث غيزي بارك).
يضم الجامع قاعات خاصة للمعارض الثقافية ومساحة خاصة للأوقاف والجمعيات إضافة لموقف سيارات بثلاثة طوابق.
الموقع: خرائط جوجل
جامع “كأني أكلت” (Sanki Yedim Camii)
ربما لا يحمل هذا الجامع طرازًا معماريًا فريدًا، لكنه أثر جميل لحكاية جميلة، فيروى أن رجلًا من الطبقة المتوسطة كان يغبط السلاطين لقدرتهم على بناء الجوامع، وأصبح همه وشغله الشاغل أن يبني مسجدًا، فقرر أن يقتصد في أكله ومشربه، وكلما مر على شيء اشتهته نفسه، لم يشتره بل ادخر النقود وجمعها لبناء الجامع.
بنى الرجل الجامع في حي الفاتح خلال الحكم العثماني في القرن السابع عشر، ويختلف الرواة باسم الرجل يقال إنه كيتشجي خير الدين أو شاكر أفندي من أضنة. تحمل زيارة المسجد معان جميلة عن أثر صغائر المعروف.
الموقع: خرائط جوجل
أينما تجولت في إسطنبول ستجد مسجدًا تصلي فيه وتستريح فيه من عناء الطريق، وحيثما أردت أن تريح قلبك ستجد جامعًا يحتضن روحك، بينما تسير الحياة بعجلة جنونية في إسطنبول، يمكن أن تدخل الجوامع لتسكن وتهدأ، اعتدت أول قدومي لإسطنبول أن أحمل دفاتري وكتبي وأصعد للسدة العلوية في جامع الفاتح أقضي الوقت في إنجاز مهامي، وحينًا أراقب مشاكسة الصغار وهم يتراكضون بخفة بين المصلين بجلبة محببة خفيفة على النفس.