تعرقل “إسرائيل” حياة الفلسطينيين عبر قيود تفرضها للتنغيص عليهم داخل وطنهم، فهي لم تكتفِ بتهجيرهم، بل تلاحقهم وفق قيود عنصرية، كقانون “منع لم الشمل العائلات” الذي يمزق العائلات الفلسطينية ويجعلها تعيش في حالة تشتت وتوتر نفسي.
ويصف الفلسطينيون قانون “منع لم الشمل” بأنه أكبر قانون عنصري تواجهه الأسرة الفلسطينية. صدر القانون عام 2003، ويمنع بموجبه منح أي جنسية أو مواطنة لفلسطينيين يقطنون في المناطق التي احتلتها “إسرائيل” عام 1967، والمتزوجين من فلسطينيين يعيشون داخل أراضي عام 1948، ما يحرم آلاف العائلات الفلسطينية من حق لمّ شمل عائلاتهم.
كما يمنع القانون دخول الفلسطينيين من سكان الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر إلى “إسرائيل”، كما يمنع أيضًا دخول العرب من دول تعتبرها “إسرائيل” معادية لها، وهي “لبنان وسوريا والعراق وإيران”، من أجل لم الشمل.
وما يجعل القانون أكثر عنصرية أنه لم يتطرق لمسألة الدخول من أجل العمل أو من أجل العلاج، وإنما يتطرق فقط إلى هدف لم الشمل، فهو يعتبر أن جميع الفلسطينيين يشكلون خطرًا أمنيًّا على “إسرائيل”.
ما أعاد الحديث عن قانون “منع لم الشمل” إلى الواجهة، هو أنه من المتوقع خلال الأيام المقبلة أن يصوت الكنيست الإسرائيلي على “بند مؤقت” لقانون لم شمل الأسرة، والذي يمس حوالي 45 ألف عائلة فلسطينية.
وعبر تويتر غرّد وليد طه، عضو الكنيست العربي عن القائمة الموحدة: “قانون لم الشمل قانون عنصري وغير ديمقراطي، لا نستطيع ولا بأي طريقة أن يمر في الموحدة (…) سأستمر في المعارضة في اللجنة التنظيمية من أجل تحويل القانون للجنة الخارجية والأمن، والموحدة ستصوت ضد القانون”.
متاهة وخوف دائم
من السهل الوصول إلى عائلات تعاني من قانون “منع لم الشمل”، لكن غالبًا من الصعب الكشف عن هويتها خشية الاعتقال بسبب المخالفة لإقامتهم في مناطق تمنعهم “إسرائيل” التواجد فيها دون تصريح، وقد تواصلت “نون بوست” مع الشاب مصطفى الذي يحمل هوية السلطة الفلسطينية ومتزوج من فتاة مقدسية عاش برفقتها 4 سنوات في جنين، ثم انتقلا قبل شهور قليلة إلى القدس المحتلة حين توفرت لها فرصة عمل جيدة.
يأتي اعتقال السيدة صندوقة ضمن عمليات التضييق الممنهجة على المواطنين المقدسيين، واختلاق الذرائع لترحيل وإبعاد سكان المدينة عنها.
يقول: “حاولت كثيرًا الحصول على تصريح للإقامة في القدس ودومًا كان الرفض سيد الموقف، لكن حين مرضت كان لا بد من علاجي في مستشفيات القدس، حينها حصلت على تصريح للعلاج أدخل بواسطته المدينة لكني أبقى كالسجين في البيت، لا أتحرك إلا في أماكن معينة خشية القبض عليّ”.
وأوضح أن التصريح الطبي الذي حصل عليه بسبب مرضه يكون ليوم واحد فقط، لكنه يمكث 10 أيام ويغادر القدس المحتلة ثم يعود مرة أخرى بتصريح آخر، لافتًا إلى أنه من الضروري الالتحاق بالمستشفى فور الوصول وألا يحرم منه.
ولا يبوح مصطفى لأحد عن دخوله القدس المحتلة بواسطة التصريح الطبي، بل يخبر من يسأله أنه يعيش بتصريح عمل، مشيرًا إلى أنه في حال كشف أمره سيحرم من دخول المدينة وسيدفع غرامة مالية كبيرة.
وقبل أيام قررت محكمة الاحتلال في عوفر الإفراج عن المعتقلة ندى صندوقة (44 عامًا) من القدس المحتلة، والتي اعتقلت لـ 4 أيام بادّعاء دخول مدينة القدس المحتلة من دون “تصريح”، علمًا أنها متزوجة في المدينة وتسكنها منذ نحو 25 عامًا.
وجرى الإفراج عنها بشرطين، الأول دفع كفالة مالية بقيمة 5 آلاف شيكل، والثاني عدم دخول مدينة القدس المحتلة وفرض غرامة مالية بقيمة 15 ألف شيكل، في حال مخالفتها هي وزوجها لهذا الشرط خلال سنة.
ويأتي اعتقال السيدة صندوقة ضمن عمليات التضييق الممنهجة على المواطنين المقدسيين، واختلاق الذرائع لترحيل وإبعاد سكان المدينة عنها.
وهنا حكاية أخرى تناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن السيدة لانا زعرور من مدينة جنين، والمتزوجة من تيسير الخطيب، أكاديمي من مدينة عكا في الداخل الفلسطيني المحتل.
تحكي أنه في عام 2003 الذي سُنّ فيه قانون منع لم الشمل، الذي يقضي بعدم زواج مواطني الضفة المحتلة من عرب الداخل، تمّت خطوبتها، لكنها لم تأبه للقانون العنصري، وزُفت لزوجها بداية عام 2005 عن طريق إصدار تصريح لزيارة والدته المريضة ومدته يومَين فقط، وقد عقد زفافها في مدينة عكا بحضور والدتها فقط، ومنع أخوتها من الحضور.
وتحكي أنها لمدة سنة كاملة عاشت في متاهة تامة وخوف دائم وحياة صعبة، لانتقالها من عكا إلى جنين ومن جنين إلى عكا بتصاريح زيارة ليومَين أو ثلاثة فقط، مبينة أنها بعد سنة وبسبب الضغط على الحكومة تم إجراء تعديل على القانون، حصلت من خلاله على تصريح إقامة يجدد سنويًّا من الارتباط الإسرائيلي، لتقيم مع زوجها وأولادها لكن دون حقوق المواطنة.
تفتيت المجتمع الفلسطيني
وفي السياق ذاته، يصف الحقوقي أنس الجرجاوي، مسؤول العمليات في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بأن قانون “منع لم الشمل” تعسفي وغير شرعي وفق المعاهدات الدولية التي صادقت عليها “إسرائيل” نفسها.
ويوضح الجرجاوي لـ”نون بوست” أنه بموجب هذا القانون، تنقض “إسرائيل” التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ تشمل التزاماتها، بمقتضى المادة 2 من الإعلان، احترام الحظر المطلق المفروض على التمييز.
وبحسب متابعته، فإن القانون أيضًا يخالف التزامات “إسرائيل” وفق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وبالتحديد المادة 26 منه، والتي تنص على أن “الناس جميعًا سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساوٍ في التمتع بحمايته”.
من خلال تلك القوانين العنصرية يبدو واضحًا أن “إسرائيل” تسعى إلى خلق بيئة طاردة لهؤلاء الفلسطينيين، لتعظيم ثمن وجودهم.
ويقول الحقوقي: “يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيًّا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب”.
وذكر أن سلطات الاحتلال تخالف بقانون “منع لم الشمل”، المادة 1 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والمادة 2 من اتفاقية حقوق الطفل، والمادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مشيرًا إلى أن جميعها صادقت عليها، وبالتالي هي ملزمة بتطبيق أحكامها.
وعن الهدف الذي تسعى إليه “إسرائيل” من القانون، يرى الجرجاوي أنه واضح وهو تفتيت المجتمع الفلسطيني، وخلق عوائق لتثبيت وجود الأشخاص الفلسطينيين في أراضيهم، وحقهم في الحصول على حقوقهم، وتعقيد الأمور الحياتية لآلاف الفلسطينيين.
وأكد أن الاحتلال تعمّد خلق مشكلة لحرمان الأشخاص المستهدفين بالقانون من التمتع بحقوقهم المدنية المكفولة في القوانين الدولية، بهدف زعزعة استقرارهم المدني والاجتماعي.
ومن خلال تلك القوانين العنصرية، يبدو واضحًا أن “إسرائيل” تسعى إلى خلق بيئة طاردة لهؤلاء الفلسطينيين لتعظيم ثمن وجودهم، وبالتالي تحقق هدفها على المدى الطويل في تهجيرهم والسيطرة على مناطقهم، وكل هذا يندرج ضمن سياسة الفصل العنصري، وسياسة الاضطهاد التي تنتهجها ضد الفلسطينيين على اختلاف أماكن وجودهم.