كيف استفادت إيران من التحالف الأمريكي العربي ضد داعش؟

kerry-arab

لم يتوان ناتنياهو عن لفت نظر حليفه الأكبر في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ ففي وجهة نظره تحييد الخطر الداعشي ونسيان البرنامج النووي الإيراني هو كسب لمعركة وهزيمة في الحرب، وهنا يجب النظر إلى الدلالات وراء مصطلح البرنامج النووي الإيراني، فبغض النظر عن واقعية الحديث عن تمكن إيران من التسلح النووي، فإن المهم في هذه الحالة هو وصول جهازي الدولة والدفاع في الجمهورية الإسلامية إلى حالة من النضج السياسي والعسكري والتكنولوجي التي يصبح من الممكن الحديث عندها عن تسلح نووي.

فعلى عكس الكثير من الجيوش وأجهزة الاستخبارات العربية، لم تتوان أجهزة الأمن الإيرانية عن المشاركة في الصراعات في المنطقة بشكل غير معلن منذ انتهت الحرب الإيرانية العراقية، ينتج عن هذه المشاركة تراكم في الخبرات الميدانية الاستراتيجية بالإضافة لشبكة شديدة التعقيد من العلاقات ونقاط النفوذ، ووصول الجمهورية الإيرانية لهذه الكتلة الحرجة من التراكم وبدء استخدامها في سياسية إقليمية وخارجية تطمح إلى إعادة رسم حدود المنطقة هو الخطر الحقيقي على إسرائيل.

من الواضح كذلك أن ما تتعامل معه الولايات المتحدة في المنطقة هو مزيج من تركة ومخلفات السياسات الاستعمارية على مدار القرن الماضي وبين التغيرات الحادثة على الساحة السياسية والاقتصادية الدولية، فسياسة الوكالة التي اعتمدها البريطانيون ومن بعدهم الأمريكيون في المنطقة قد أثبتت أن صلاحيتها قد أوشكت على الانتهاء بأحداث الربيع العربي وما تبعها، فبالرغم من أنها قد تمكنت من تأمين خطوط إمداد النفط إلا أنها قد تركت ميراثًا ضخمًا من القهر واللاعدالة والتنمية المثبطة.

مثل هذا المناخ يمثل تربة خصبة للغاية لنمو الشقاق الطائفي والأهلي خصوصًا في مجتمعات ودول يمتاز تراتب السلطة فيها بالقبلية الواضحة غالبًا، والنمو المتصاعد للخطر الصيني يجعل من المحتم على الولايات المتحدة أن تنقل ثقل تركيزها إلى الشرق أكثر بما لا يدع مجال لها للاهتمام برعاية خلافات وكلائها في الشرق الأوسط على كون أيهم المفضل لديها، فالتطاحن الحادث في مصر وليبيا في العام الماضي لا يخلو من شبهة دفع للوكلاء القدامى في الخليج للإخوان المسلمين الذين حاولوا الاستئثار بالوكالة في المنطقة بعد الربيع العربي.

هنا تبزغ إيران كنصل ذو حدين، إذا تم استيعابه بالشكل المناسب أن يصبح الشريك القوي الناضج الوحيد بالمنطقة، أما إذا لم يتم ذلك كما يجب فقد يكون شوكة شديدة الإيلام في جانب الشريك الأمريكي الأهم في المنطقة؛ إسرائيل. وبينما تتواتر التقراير عن مفاوضات التقارب الأمريكي الإيراني مؤخرًا، يبدو على إسرائيل الرفض التام لأي تفكير في مثل الاستراتيجية السابق ذكرها.

وعلى الأرض في آخر المحاولات لجلب الوكلاء القدامى المتطاحنين معًا وضمهم لمحاربة الخطر المشترك المتمثل في داعش؛ أصبح من الواضح أكثر فأكثر للولايات المتحدة صعوبة استدامة الاعتماد على هؤلاء الوكلاء، وتحول التنسيق والتعاون الغير مطروح – على حد قول وزير الخارجية الأمريكي – بين الولايات المتحدة وإيران في التحالف إلى ضمان لعدم الخلاف – على حد قول جون كيري نفسه أيضًا -، ويرى عدد من المحللين مثل الصهيوني مايكل دوران بمعهد بروكينجز أن الإدارة الأمريكية قد قامرت بحملة التحالف في غير موضعها، فبدلاً من أن يصبح هدفها الوحيد هو تحييد خطر تنظيم الدولة، استخدمت الإدارة الأمريكية الحملة في زيادة التقارب بينها وبين النظام الإيراني؛ وهذا بدوره أعطى الجمهورية الإسلامية الفرصة لتدعيم موقفها على الأرض وخصوصًا فيما يخص خلافاتها مع الأعضاء البارزين في التحالف مثل المملكة العربية السعودية، ولا ريب في ذلك فقد أظهرت إيران قابلية للاعتماد عليها ونضج أكبر بكثير من أمثال المملكة وتركيا.

خطورة المراهنة السابقة تكمن في أن نتائج مباحثات التوافق الإيراني الأمريكي مازالت في عداد الغيب، وبينما تؤمل الإدارة الأمريكية على نتائج ليست في اليد بعد؛ تزداد المكاسب الفعلية لإيران على الأرض يومًا بعد يوم، إذ تصبح إيران لاعبًا معترفًا به في الساحة الدولية باعتراف أندادها أنفسهم، ويحكم حلفاؤها قبضتهم على الشرايين الاستراتيجية الرئيسية للمنطقة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وهذه الحقيقة تحديدًا هي ما دفعت المملكة السعودية إلى نبذ محاولات التقارب بينها وبين إيران التي استمرت قرابة النصف عام، فحقيقة أنه بينما يجلس وزير الخارجية السعودي على الطاولة مع قرينه الإيراني تزداد في مكان آخر قوة الاستحكامات الاستراتيجية لإيران لا تعني سوى أن أي مفاوضات هي فقط في صالح إيران، وأن المملكة لن تستطيع الاستفادة من هذه المفاوضات سوى بورقة ضغط لا تملكها حاليًا.

من كل ما سبق يمكننا استنتاج أن الرابح الحقيقي الوحيد من غارات التحالف هو الجمهورية الإسلامية، فعلى الصعيد العسكري فإن الفت في عضد تنظيم الدولة هو بالأساس في مصلحة حلفائها في سوريا والعراق، وعلى الصعيد السياسي وهو الأهم يبزغ الدور الإيراني كالدور الوحيد المتسم بالرزانة السياسية، وما قامت به الولايات المتحدة من دفع حلفائها بالأساس إلى التركيز على خطر تنظيم الدولة قد وفر لإيران حرية حركة أكبر لبسط نفوذها على الإقليم خصوصًا خارج إقليم الشام الملتهب؛ كل هذا يصب في النهاية في مؤهلات إيران للتحول إلى شريك استراتيجي للولايات المتحدة في المنطقة، وحتى وإن لم يحدث هذا فإن هذا التراكم سيسمح للجمهورية بمواجهة تحديات خصومها بشكل أكثر كفاءة.