عكس توقعات استطلاعات الرأي، صعد نجم اليمين في العديد من المناطق الفرنسية خلال الانتخابات الإقليمية الأخيرة، فيما تلقى اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان وحزب الرئيس إيمانويل ماكرون انتكاسة كبرى، ما يؤشر لتغيير حاصل في الخريطة السياسية الفرنسية، لكن هل لنسبة المقاطعة أثر على هذه النتائج؟
نتائج عكس التوقعات
نجحت الأحزاب “التقليدية” في تحقيق انتصار مهم في عدة مناطق أبرزها المنطقة الباريسية و”أو دو فرانس” بشمال البلاد وبروفانس-ألب كوت دازور (جنوب شرق)، فيما فشل أقصى اليمين في الفوز برئاسة أي إقليم أو منطقة، وهو الأمر نفسه بالنسبة لحزب ماكرون، إذ أصيب بخيبة أمل كبرى بسبب خسارته في كل الأقاليم، وفق نتائج أولية للانتخابات الإقليمية بفرنسا.
النتائج الأولية للانتخابات أشارت إلى تقدم مرشح اليمين رونو موزولييه على مرشح حزب “التجمع الوطني” تييري مارياني في منطقة بروفانس-ألب كوت دازور (جنوب شرق)، وهي المنطقة الوحيدة التي كان اليمين المتطرف مؤهلًا للفوز بها.
أما في منطقة أوت دو فرانس الشمالية، فقد أظهرت النتائج الأولية أن بطاقة يمين الوسط برئاسة المحافظ كزافييه برتران، فازت بنسبة 52%، على حساب مرشح اليمين المتطرف، يذكر أن كزافييه برتران هو مرشح آخر للانتخابات الرئاسية لعام 2022.
اليسار الذي بينت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات أنه لم يتعاف بعد من هزيمته اللاذعة عام 2017، يبدو أنه خالف التوقعات وحقق استفاقة كبرى
إلى جانب ذلك، مكنت تحالفات بين دعاة حماية البيئة والاشتراكيين وحزب فرنسا الأبية (أقصى اليسار) لليسار بالفوز في عدد من المناطق، على عكس استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات وأظهرت صعوبة المهمة لليسار في هذه الانتخابات.
في مقابل ذلك، أظهرت النتائج الأولية للانتخابات فشل اليمين المتطرف في الفوز برئاسة أي إقليم أو منطقة، وهو الأمر نفسه بالنسبة لحزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إذ أصيب هو الآخر بخيبة أمل بسبب خسارته في الأقاليم الـ13.
تغيير في الخريطة السياسية
قبل الانتخابات، قيل إن اليمين التقليدي وبدرجة أقل اليسار، اختفوا من الساحة السياسية وفقدوا وجودهم في المشهد العام بفرنسا، خاصة بعد الانتخاب المفاجئ لإيمانويل ماكرون في الاقتراع الرئاسي في 2017، إذ انتزع ماكرون ناخبي اليمين واليسار على حد سواء، لكن الانتخابات الإقليمية الأخيرة أظهرت عكس ذلك.
أسفرت هذه الانتخابات عن خاسرين كبيرين، كانا إلى حين إجراء الانتخابات يعتبران المتنافسين الرئيسيين على الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد أقل من عام – الرئيس إيمانويل ماكرون ورئيسة التجمع الوطني مارين لوبان – إذ خرجا من هذه الانتخابات دون الفوز بمنطقة واحدة.
هذا يعني وجود تغيير حاصل في الخريطة السياسية الفرنسية عكس ما كانت تروج له معظم استطلاعات الرأي التي توقعت ارتفاعًا قويًا لحزب مارين لوبان المتطرف، الذي عمل طيلة السنوات الماضية على استغلال كل الفرص لذلك، استعدادًا للانتخابات الرئاسية القادمة، فضلًا عن تحقيق حزب ماكرون نتائج مهمة رغم عدم امتلاكه قاعدة شعبية محلية.
هذه النتائج، أعادت الأمل بقوى اليمين للعودة بقوة للمشهد السياسي في فرنسا، إذ يرى اليميني كزافييه برتران والوزير السابق في عهدي ساركوزي وشيراك، أن فوزه بنسبة 52.37% من الأصوات في منطقة أوت دو فرانس الشمالية قد تنمي طموحه لقيادة اليمين في الفوز خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة.
عقب إعلان النتائج الأولية قال برتران: “هذه النتيجة تعطيني القوة لمقابلة كل الفرنسيين”، وأوضح أن أولويته ستكون “الطبقات الوسطى والفئات الشعبية، أولئك الذين تم الترحيب بهم خلال فترة الانتخابات الأولى قبل نسيانهم مرة أخرى”.
إلى جانب ذلك، فإن إعادة انتخاب العديد من رؤساء الأقاليم اليساريين، يمنح الحزب الاشتراكي بعض الأمل في ترميم بيته بعد انتكاسة انتخابات 2017 الرئاسية والتشريعية، وتم إعادة انتخاب الاشتراكية كارول ديلجا في أوكسيتاني بحصولها على 57.77% من الأصوات، كما أعيد انتخاب ماري غيت دوفاي بسهولة في إقليم بورجون-فرانش-كونتيه.
اليسار الذي بينت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات أنه لم يتعاف بعد من هزيمته اللاذعة عام 2017، يبدو أنه خالف التوقعات وحقق استفاقة كبرى مكنته من الفوز بأقاليم عديدة في الوقت الذي فشلت فيه كبرى الأحزاب في الفوز بأي إقليم.
معظم استطلاعات الرأي أثبتت أن الغالبية العظمى من الناخبين الذين خرجوا للتصويت خلال يومي الأحد الماضيين كانوا من المتقاعدين
إلى وقت قريب كان الحزب الاشتراكي الذي يعد واحدًا من أكبر وأقدم الأحزاب السياسية في فرنسا، خارج المعادلة السياسية، لكن يبدو أنه يعمل للعودة للحكم بعدما أمسك السلطة خمس سنوات في عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند.
وتعد نتائج الانتخابات الأخيرة بحق نفحة أوكسجين للاشتراكيين الفرنسيين الذين كانوا قاطرة اليسار لعقود، وبالنسبة لليمينيين أيضًا رغم أن هذه الأحزاب تبدو اليوم مفتتة وضعيفة وغير قادرة على التجمع في إطار يسمح لها بالفوز في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستجري عام 2022، لكن كلاهما يعول كثيرًا على نتائج الانتخابات الإقليمية للبناء عليها.
ضعف التصويت يصعب التنبؤ
نتائج الانتخابات الإقليمية، أثبتت أن جميع الاحتمالات قابلة للتحقق خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة بعيدًا عن استطلاعات الرأي التي رجحت كفة لوبان وماكرون دون أن تعطي اعتبارًا لمرشح اليمين الممثل للجمهوريين، والاشتراكي الممثل لمعظم قوى اليسار، لكن وجب النظر أيضًا لنسبة المشاركين وتأثير ذلك على النتائج.
وسجلت الدورة الثانية من انتخابات المناطق في فرنسا نسبة امتناع كبيرة، إذ بلغت نسبة الامتناع عن التصويت عند الساعة 17.00 بتوقيت غرينيتش أي قبل ساعة واحدة من إغلاق مراكز الاقتراع 66.3%، بزيادة كبيرة مقارنة بانتخابات المناطق في ديسمبر/كانون الأول 2015 حين كانت نسبة الامتناع أقل من 50%، والبلديات في مارس/آذار 2015 التي لم تتجاوز فيها نسبة الامتناع 60%.
دعي نحو 48 مليون ناخب للإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات وسط إجراءات صحية صارمة مفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا، وسجلت الدورة الأولى نسبة امتناع كبيرة، فقد امتنع أكثر من ثلثي الناخبين عن التصويت في نسبة قياسية منذ قيام الجمهورية الخامسة في 1958.
هذه النسبة المرتفعة للامتناع عن التصويت، تجعل التنبؤ بنتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة وربط ما حصل في هذه الانتخابات بقادم الاستحقاقات الانتخابية صعب جدًا، خاصة إذا علمنا أن معظم استطلاعات الرأي أثبتت أن الغالبية العظمى من الناخبين الذين خرجوا للتصويت خلال يومي الأحد الماضيين كانوا من المتقاعدين.
معروف أن المتقاعدين هم ناخبون أوفياء للأحزاب التقليدية لا سيما الجمهوريين، ما يعني أن الناخبين الشباب الذين انتخبوا ماكرون ومارين لوبان في الانتخابات الرئاسية السابقة لم يخرجوا للمشاركة في هذه الانتخابات وفي حال مشاركتهم في الانتخابات القادمة ستتغير النتائج مقارنة بما حصل في الانتخابات الإقليمية.