ترجمة حفصة جودة
انطفأت الأضواء في لبنان الشهر الماضي عندما أُغلق برجان عملاقان كانا يعززان شبكتها الكهربائية، أدى ذلك إلى انخفاض الطاقة 6 ساعات في اليوم بمعظم المنازل، وازدادت الحاجة إلى المولدات التي تعمل بالوقود لمن يستطيع تحمل هذه التكلفة.
ومع ذلك فقد أصبح هناك أيضًا أزمة ضربت الأمة وهي إمدادات الوقود، أصبحت الطوابير العملاقة تغلق الشوارع بالقرب من محطات الوقود ولم يعد بإمكانك التزود بأكثر من 20 لترًا من الوقود، ما يجعل الرحلة إلى هناك غير آمنة.
بنهاية الأسبوع انتشرت القوات في شمال مدينة طرابلس وأحاطت مؤسسات رئيسية للدولة بعد ليلة من التظاهرات وأعمال الشغب ضد سوء الأحوال المعيشية، تسببت في جرح عدة متظاهرين و10 جنود، كما أصبحت الأدوية والإمدادات الطبية شحيحة للغاية أيضًا حتى الخاصة ببعض الأمراض الشديدة.
وفقًا للعديد من اللبنانيين فإن الأوضاع تشمل الآن هذا العفن في قلب الدولة التي ظلت قوية بعد 18 شهرًا من ظهور أول علامات الأزمة الاقتصادية، ومع تفتت لبنان، يفكر الدبلوماسيون ومسؤولو الإغاثة والموظفون العالميون وحتى القادة المحليين في مدى قابلية هذه الدولة للحياة وهي ترفض الإصلاح وإنقاذ نفسها.
بعد نحو 11 شهرًا من انفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب الماضي، لم يعد هناك أي تطورات في محاولات تشكيل الحكومة، حتى التضخم وإفلاس النظام البنكي وتدميره للمدخرات وزيادة انعدام الأمن الغذائي وتسارع هجرة العقول.
تقول نجاة رشدي المنسق الإنساني والمقيم للأمم المتحدة في لبنان: “بالطبع تسبب الانفجار في تسارع العديد من الأشياء، لكن أزمة الاقتصاد وانخفاض قيمة العملة والفراغ الإداري تسببوا في انهيار الخدمات العامة في وقت تشتد الحاجة إليهم”.
في لبنان، ارتفع الفقر المدقع ثلاثة أضعاف منذ أولى علامات اقتراب الاقتصاد من حافة الحاوية قبل عامين، بالنسبة للعديد من الأسر فإن الخدمات الأساسية مثل الصحة والكهرباء والماء والإنترنت والتعليم أصبحوا بعيدي المنال، لكن ذلك لم يؤثر إلا قليلًا على نية السياسية حماية نظام المحسوبية الذي يسير وفق أساس طائفي ويقوض تأسيس أي حكومة ذات كفاءة منذ عقود.
ما زال السياسيون غير قادرين على التفاوض بشأن الحقيبة الوزارية والأنصبة، هذا العناد يوضح لنا الحقيقة الواقعة بشأن الآمال المتعلقة بإمكانية إدارة الوزارات في المستقبل كمؤسسات وليس إقطاعيات.
لكن بينما كانت الهيئات العالمية والحكومات الدولية أكثر أو أقل استعدادًا لدعم لبنان في الماضي خلال أزمات أقل حدة، فإنهم يرون أن الأزمة الحاليّة كان من الممكن تجنبها بشكل كبير وأنها قضية إدارية أكثر منها إنسانية.
تقول رشدي: “نمو لبنان مسؤولية اللبنانيين، وليس مسؤولية المجتمع الدولي”، هذه الفظاظة كان من الصعب استيعابها بالنسبة لقادة الحرب الأهلية ومؤيديهم الذين ما زالوا يسيطرون على مقاليد البلاد، فحتى فرنسا التي كانت متبرعًا دائمًا للبنان أخبرت المسؤولين أن المساعدات ستبدأ فقط في التدفق بعد الإصلاحات مثل الشفافية وتدقيق حسابات البنك المركزي.
قال وزير لبناني بالإنابة: “ما زالوا يعتقدون أن هناك مساعدةً قادمةً، فهم يرون أن المجتمع الدولي يهتم بالإنسانيات ولن يتركنا نغرق، لكن ماذا لو كانوا مخطئين؟ هل سنغرق جميعًا في السفينة بينما يأخذ الأوغاد طوق النجاة إلى فرنسا”.
حتى ذلك لم يعد مرجحًا بشكل متزايد، فقد وصلت الليرة اللبناني لمستويات قياسية بمعدل 16 ألف ليرة لكل دولار، وقد كانت قيمته 1500 ليرة مقابل الدولار قبل 18 شهرًا، أما الاحتياطي الموجود في البنك المركزي للبلاد فقد انخفض لمستويات شبه حرجة، هناك المزيد من الاستعداد في لبنان وخارجه لفحص النظام الذي مهد الطريق لمثل هذه الفوضى.
أصبح هناك المزيد من الاهتمام بالمخططات التي تملأ جيوب الطبقة السياسية بالأموال غير المشروعة وكذلك بعض الشخصيات الحساسة مثل رؤساء الأمن، تعد بعض العقود الأساسية من أكبر مصادر الفساد في لبنان مثل استيراد الوقود وتوليد الكهرباء والاتصالات والقياسات الحيوية وجوازات السفر.
يقول الوزير: “مؤخرًا، أصحبت البضائع التي يدعمها البنك المركزي تُباع إلى سوريا خاصة الوقود والمواد الطبية، وكل ذلك يحدث على مرأى الجميع”، وصف أحد الدبلوماسيين الأوروبيين أزمة الوقود بعملية احتيال.
إذ يقول: “لا يوجد نقص في الوقود، بل يحتفظ الموردون المحليون به في السفن كطريقة لزيادة هامش الربح، كما أنه يُشحن إلى سوريا حيث يباع بسعر أعلى مما يمكنهم تحقيقه في السوق المحلية، ويتم تقسيم هامش الربح على جيوب جميع اللاعبين”.
“هذا النظام وهؤلاء الأشخاص أنفسهم الذين تسببوا في هذا الانهيار، يجب عليهم إخراجنا منه، لكنهم لن يرغبوا في ذلك، وهكذا لن تستطيع حل مشكلة ترفض الإصلاح”.
دعا بعض السياسيين اللبنانيين ومن بينهم سامي الجميل – الذي استقال من البرلمان بعد انفجار المرفأ – إلى لامركزية الإدارة في لبنان وإصلاح النظام البرلماني وقانون الانتخاب في البلاد، وقال: “إذا تمسكنا بالماضي ولم نتعلم الدرس من التاريخ فإننا هالكون لا محالة، إننا نعاني من تحديات هائلة في جميع المجالات وقد حان الوقت لمواجهتها”.
بينما لم يحدث أي تغيير في المستنقع السياسي، فهناك إشارات إلى أن قادة البلاد بدأوا يشعرون بالغضب، فقد فرضت أمريكا العقوبات على وزير الخارجية السابق جبران باسيل المرشح المحتمل لخلافة والد زوجته العجوز – ميشيل عون – في الرئاسة، كما ألمحت فرنسا والاتحاد الأوروبي إلى احتمال قيامهم بالمثل مع قادة آخرين ومن بينهم رئيس البنك المركزي رياض سلامة.
يقول الوزير: “إنهم يقومون حتى الآن بستر بعضهم البعض، فجميعهم يعرفون أي الصفقات الفاسدة عززت من أي عشيرة وكذلك يعرفون نقاط ضعف بعضهم البعض، إنهم يتبعون مبدأ الصمت حتى الآن”.
ومع ذلك ففي شهر مايو/أيار اقتحم قاضٍ موالٍ لباسيل باقتحام بيت مالي يعمل لصالح سلامة، المقرب من رئيس البرلمان اللبناني القوي نبيه بري، بعد عدة أسابيع فتح قاضٍ موالٍ لبري تحقيق فساد في عقد بين شركة تركية مسؤولة عن أبراج الطاقة ووزارة الطاقة التي كان يديرها باسيل.
انقطعت الأنوار لاحقًا بعد أن ادعت الشركة أنهم يدينون لها بنحو 200 مليون دولار، بينما قال المدعي العام المالي وجود مخالفات واسعة النطاق عبر السنين.
يقول صهيب الزغبي، تاجر من بيروت: “في الكثير من الأوقات اعتدنا نحن اللبنانيين أن نقول طالما أن البلاد مستمرة في عملها، فإننا سننظر للجهة الأخرى، لكن هذه هي نهاية الزمان، وإذا كان هناك ما يمكن أن يحدث الآن، فيجب أن يكون نهاية الإفلات من العقاب”.
المصدر: الغارديان