قبل أشهر قليلة، كان رئيس حركة مشروع تونس محسن مرزوق يعتبر الرئيس قيس سعيد “خطرًا شعبويًا على تونس”، وجب التصدي لمشروعه الغامض حتى لا تتضرر صورة البلاد أكثر، لكن مرت الأيام وها هو مرزوق يقود جبهة تسعى للضغط لإجراء استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي، وهو نفس الهدف الذي يسعى له سعيد.
اختلفت الرؤى في البداية، لكن اتحدت الأهداف الآن، ما جعل العديد من التونسيين يتساءلون عن الخيط الرابط بين الطرفين، مرجحين وجود أيادٍ خارجية وراء الأمر، خاصة أن الأطراف الداعمة لكل من سعيد ومرزوق نفسها والمتمثلة في الحلف الفرنسي الإماراتي المصري.
جبهة يسارية
أمس الإثنين، أعلنت منظمات وجمعيات وأحزاب وشخصيات تونسية – أغلبها يسارية – تشكيل جبهة وطنية تتولى الدعوة لإجراء استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي والقانون الانتخابي، وذلك عبر إطلاق عريضة توجه للشعب لجمع التواقيع باعتباره “صاحب السيادة الأصلية”، في محاولة لإنقاذ البلاد من الوضع الذي تمر به، وفق قولهم.
يقود هذه المبادرة حزب “حركة مشروع تونس”، لصاحبه محسن مرزوق، فضلًا عن حزب “بني وطني” الذي يقوده سعيد العايدي، وعدة شخصيات وطنية بينها شوقي الطبيب الرئيس السابق لهيئة مكافحة الفساد وكمال الجندوبي الرئيس السابق لهيئة الانتخابات والصادق بالعيد أستاذ القانون الدستوري والمنجي الحامدي وزير الخارجية السابق ومنظمات، من بينها “ائتلاف صمود” و”الرابطة التونسية للمواطنة” و”المبادرة التونسية من أجل جبهة موحدة لكافة القوى الديمقراطية والمدنية”.
يعلم حلفاء قيس سعيد، أن الرئيس وحده لن يتمكن من فرض توجهاته وأجنداته التي تخدم مصالحهم في تونس، لذلك كان عليهم أن يتدخلوا ويُعاضدوا مجهوداته
يقول القائمون على هذه الجبهة إن هدفهم الأساسي إصلاح المنظومة السياسية بعد استيفاء كل محاولات الإصلاح من داخل المنظومة سواء عن طريق البرلمان أم ممثلي السلطة التنفيذية، وذلك من أجل إرجاع السلطة للشعب.
ويرى هؤلاء أن النظام السياسي الحاليّ أثبت فشله وخلق أزمات عديدة في مؤسسات الدولة وعطل دواليبها، ومن المنتظر أن تتوزع المبادرة على أكثر من نشاط، منه ما يتعلق بتجهيز عريضة لجمع الإمضاءات بشأن تغيير النظام السياسي، وأخرى تشمل تحركات ميدانية للتعريف بأهمية الذهاب نحو إجراء الاستفتاء.
التماهي مع تصورات الرئيس
بغض النظر عن مدى دستورية الاستفتاء على فصول الدستور التي تحدد النظام السياسي للبلاد، نرى أن هذه المبادرة تتماشى مع الأفكار التي يطرحها رئيس الجمهورية قيس سعيد، الذي سبق أن كشف في أكثر من مرة تبنيه فكرة تغيير النظام السياسي والقانون الانتخابي، إلى جانب تنقيح الدستور الذي قال إنه “قام على وضع الأقفال في كل مكان”.
وفق الدستور، فإن النظام السياسي الحاليّ، هو نظام برلماني معدل، يمنح البرلمان صلاحيات واسعة في مراقبة الحكومة واختيار رئيسها، ويوزع السلطة التنفيذية بين رئيس دولة منتخب مباشرة من الشعب، لكنه لا يتمتع بصلاحيات واسعة، ورئيس حكومة منتخب من الأغلبية داخل البرلمان وله أغلب الصلاحيات.
يعتبر الرئيس سعيد أن النظام السياسي الحاليّ “قائم على التعطيل، أنا أعطلك وأنت تعطلني، ونحن غير مستعدين أن نجعل حق الشعب التونسي محل مقايضة أو مساومة”، ومؤخرًا دعا قيس سعيد إلى حوار وطني يقود إلى الاتفاق على نظام سياسي جديد وتعديل دستور 2014.
ويسعى سعيد إلى تغيير النظام السياسي من برلماني معدل إلى رئاسي كما كان معمول به في دستور 1959، وذلك للاستحواذ على كل صلاحيات الحكم في تونس والمسك بزمام الأمور، وقد أسر بذلك للأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورد الدين الطبوبي مؤخرًا.
وبمتابعة تحركات الرئيس وتصريحاته، يظهر أنه طامع في السلطة ومستأثرًا بها، زاهدًا في الثورة التونسية وما أفرزته، حتى إنه لم يحتفل بعيد الثورة مع التونسيين ولا بعيد الاستقلال ولا الجمهورية دون توضيح سبب ذلك.
من يقف بالخلف؟
كما قلنا في الأعلى إن محسن مرزوق كثيرًا ما وجه نقده للرئيس قيس سعيد خاصة في بداية مشواره بقصر قرطاج، لكن ها هو الآن يدافع عن نفس الفكرة التي يسعى سعيد لتطبيقها على أرض الواقع لو وجد مجالًا لذلك.
تعتبر هذه المبادرة التي يقودها سعيد وبعض رفاقه اليساريين، متنفسًا للرئيس سعيد بعد الضغط الكبير الذي تمارسه ضده أحزاب عديدة – على رأسها النهضة – والإجماع شبه الكلي على اتهامه بتعطيل دواليب الدولة وضرب صورة البلاد في الخارج.
يأمل محسن مرزوق في معاضدة جهود قيس سعيد تنفيذًا لمخطط الإمارات الخبيث في تونس
يعلم حلفاء قيس سعيد، أن الرئيس وحده لن يتمكن من فرض توجهاته وأجنداته التي تخدم مصالحهم في تونس، لذلك كان عليهم أن يتدخلوا ويُعاضدوا مجهوداته الرامية لضرب الثورة التونسية والتشكيكك بها مهما كلفهم الأمر، لذلك أوكلوا المهمة لمحسن مرزوق.
وسبق أن كشفنا في “نون بوست“، تحالف محسن مرزوق مع الإمارات بعد فشل رهان هذه الأخيرة على الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي الذي كان أذكى منهم وأشد دهاءً، فقد أدار لهم ظهره حتى لا تشهد بلاده إعادة إنتاج المشهد المصري، فاختار التوافق مع حركة النهضة عوض إقصائها وزج قياداتها في السجون كما تسعى الإمارات.
سبق أن شكل مرزوق جبهات عديدة، بهدف العمل على إقصاء حركة النهضة من المشهد السياسي في البلاد والانقلاب على إرادة الناخبين الذين مكنوا هذه الحركة الإسلامية من تصدر المشهد العام في البلاد عقب 3 استحقاقات انتخابية متتالية، إلا أنه فشل في ذلك.
ويأمل محسن مرزوق في معاضدة جهود قيس سعيد تنفيذًا لمخطط الإمارات الخبيث في تونس – مستعينا بشبكة علاقاته الدولية والمحلية القوية والمتشعبة التي تحاط بسرية تامة – رغم فشله في تنفيذ معظم المخططات التي مُنحت له منذ بداية عمله مع الإمارات وحلفها المصري الفرنسي.
ويرتبط قيس سعيد، بعلاقات كبيرة مع فرنسا والإمارات ومصر، إذ زار مصر وفرنسا واستقبل مسؤولين إماراتيين كبار في قصر قرطاج، فضلًا عن مسؤولين مصريين وفرنسيين، ودائما ما يبين تماهيه مع أهداف هذا الحلف في المنطقة ككل وليس في تونس فقط.
يعني هذا أن ما جمع مرزوق بسعيد هم حلفاء الخارج الذين يتمثلون في الحلف الفرنسي المصري الإماراتي، فهذا الحلف يسعى لتغيير النظام في تونس لما يمثله من خطر عليهم وعلى مصالحهم في تونس، فهذا النظام يمنع تغول طرف على حساب آخر ويجعل كل السلطات مراقبة.