يحتفل النظام المصري وأنصاره هذه الأيام بالذكرى الثامنة لما يسمونه “ثورة 30 يونيو” هذا اليوم الذي خرج فيه عدد ليس بالقليل من المصريين للمطالبة برحيل أول رئيس مدني منتخب وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، آملين أن تحقق هذه الخطوة أحلامهم في قيام دولة ديمقراطية مدنية بعيدًا عن ثنائية الدين والعسكر.
وبصرف النظر عن الدوافع المتباينة وراء خروج المصريين في هذا اليوم والجهات التي حرضت على ذلك، داخلية كانت أو خارجية، مسخرة كل ما لديها من نفوذ مالي وسياسي، لوأد التجربة الثورية التي كانت على أعتاب جني الحصاد، لكن السنوات اللاحقة كشفت أن ما تم الخروج لأجله لم يفارق مخيلة الذكريات الوردية ودرج الأحلام المغلق.
8 سنوات مضت على تلك المشاهد السينمائية التي صدرتها الآلة الإعلامية المدعومة من المؤسسة العسكرية للعالم على أنها ثورة مليونية جماهيرية، وبينما يعزف “إعلاميو السامسونج” ومريدوهم على أوتار الإنجازات التي تحققت والانتقال من دولة على مشارف السقوط إلى أخرى تناطح سحائب التقدم والنهوض والنمو، يقبع السواد الأعظم من الشعب فوق فوهة بركان الفقر والجوع وغياب الحد الأدنى من الحقوق والحريات.
الجمهورية الجديدة
تحت هذا الشعار يحيي النظام المصري الذكرى الثامنة لتظاهرات “30 يونيو”، في إشارة إلى المشروعات البنيوية التي وضع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حجر أساسها قبل عدة سنوات ويفترض أن تدخل حيز التنفيذ هذا العام، وفي المقدمة منها “العاصمة الإدارية الجديدة”.
على بعد 60 كيلومترًا من العاصمة المصرية القاهرة، وفوق مساحة إجمالية تقدر بنحو 170 ألف فدان، تقع العاصمة الجديدة، المحاطة بسياج طويل من الأسوار العالية، التي من المفترض أن ينتقل إليها الرئيس وحكومته ووزارته وكبريات المؤسسات والشركات.
هذا المشروع المعلن على هامش مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري يوم 13 من مارس/آذار 2015 يضم “منطقتي تجمع محمد بن زايد الشمالي ومركز المؤتمرات ومدينة المعارض والحي الحكومي (يتضمن 18 مبنى وزاري ومبنى للبرلمان ومبنى لمؤسسة الرئاسة ومبنى لمجلس الوزراء) والحي السكني والمدينة الطبية والمدينة الرياضية والحديقة المركزية على مساحة 8 كيلومترات مربعة والمدينة الذكية والمدينة الترفيهية”.
وبجانب هذا المشروع الذي تكلف في مرحلته الأولى 25 مليار دولار بحسب “رويترز”، هناك مشروعات عقارية أخرى في منطقة العلمين والساحل الشمالي، وبعض المدن الساحلية، بخلاف شبكة الطرق والكباري التي باتت سمة مميزة لتلك المرحلة.
اللافت للنظر أن تلك المشروعات التي أطلق عليها الإعلام الموالي للنظام “الجمهورية الجديدة” لا تخدم إلا حفنة قليلة جدًا من النخبة ورجال الأعمال وكبار الساسة، أما السواد الأعظم من الشعب فلا علاقة له بتلك الإنجازات التي يحتفل بها سماعًا من الإعلام دون أي انعكاس مباشر على حياته المعيشية، مع العلم أنه من يتحمل فاتورة سداد تلك المشروعات التي في الغالب تم الحصول عليها من خلال القروض الخارجية.
تكبيل البلاد بالديون
“مصر الغارقة في الديون”.. هذا هو العنوان الأبرز لدولة 30 يونيو إن جاز تسميتها هكذا، حيث الانفتاح غير المسبوق في تاريخ مصر على الاقتراض الخارجي، إلى الحد الذي بات فيه إذاعة أو نشر خبر “الموافقة على قرض أجنبي” وردًا يوميًا على صدر كل الصحف والمواقع.
وبينما يتغنى أنصار السيسي بدولة الإنجازات والجمهورية الجديدة والطفرة الهائلة في البنية التحتية في كثير من المناطق، يغضون الطرف عن مصادر تمويل تلك المشروعات، وما إذا كانت من نتاج سياسة التطوير والتنمية التي تبناها النظام أم مجرد قروض خارجية بفوائد هائلة ستكبل مصر على مدار عقود طويلة مضت.
وفقًا لبيانات البنك المركزى، فقد قفز الدين الخارجي خلال الربع الثانى من العام المالي الحالي (2020 – 2021)، بنسبة 3.07%، ليصل إلى 129.195 مليار دولار، مقابل 125.337 مليار دولار في الربع الأول، فيما زاد الدين طويل الأجل بنحو 3.7% ليسجل 117.2 مليار دولار، مقارنة بـ113.014 مليار دولار في الربع الأول، أما الدين الداخلي فقد وصل بنهاية سبتمبر/أيلول الماضي إلى 4.5 تريليون جنيه بنسبة 74.9% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي المجمل يبلغ حجم الدين العام في مصر 84% من الناتج المحلي، الأمر الذي فرغ الموازنة العامة للدولة من مضمونها، وحول الجانب الأكبر منها لسداد تلك الديون وفوائدها بدلًا من تحويلها للمشروعات التنموية، وهو ما يمكن قراءته في الموازنة الحاليّة التي يناقشها مجلس النواب “البرلمان”.
الكاتب الصحفي عماد الدين حسين، وهو أحد المقربين من نظام السيسي، وصف الارتفاع الجنوني في حجم الدين الخارجي بـ”الأمر المفزع” الذي يحتاج إلى دق كل أنواع الأجراس في كل مراكز اتخاذ القرار، مضيفًا “أتمنى أن نعيد النظر فى السياسة المتبعة للاقتراض، بغض النظر عن المبررات التى دفعتنا للاستدانة”، لا سيما بعدما صارت اعتمادات الفوائد تمثل 33% من إجمالى المصروفات فى مشروع الموازنة، البالغة 1.7 تريليون جنيه، كما تمثل مدفوعات الفوائد أكبر باب على جانب المصروفات منذ عام 2015 – 2016.
هنا تساؤل: ماذا عن بيانات الحكومة المتعلقة بالأداء الاقتصادي (معدلات النمو والإنتاج المحلي) التي في الغالب تأتي إيجابية؟ يجيب الباحث الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي بأن تلك البيانات “مجرد أرقام على ورق، لأنها لم تنعكس على التعليم أو مجال الرعاية الصحية أو الحماية الاجتماعية، كما لم يرتفع دخل المواطن أو يتحسن مستوى معيشته”، مضيفًا “الحديث عن تراجع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي هو محاولة للهروب من الحلول الحقيقية لأزمة الديون في مصر، مشددًا على أن هذا المؤشر لا يعطي دلالات إيجابية في كل الأحوال، إذ كانت نتائجه توضح انخفاض نسبة الدين العام للناتج”، حسب تصريحاته لـ”الجزيرة“.
ازدياد معدلات الفقر
رغم مرور 8 سنوات على وعود القضاء على الفقر وتحسين المستوى المعيشي للمواطن مقارنة بما كان عليه في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي الذي لم يكمل إلا عام واحد فقط، فإن تلك الوعود لم تفارق مكانها، حيث لا تزال في ركن “التعهدات” بعيدًا تمامًا عن أرض الواقع المناقض لها بصورة واضحة.
العام الماضي وفي تقرير أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن معدلات الفقر في مصر خلال الـ21 عامًا الماضية، كشف أن تلك المعدلات زادت بصورة كبيرة خلال السنوات الثمانية الأخيرة، فقفزت من 16.7% من إجمالي عدد المصريين إلى 25.2% عام الثورة 2011، مرورًا بـ26.3% عام 2013 وصولًا إلى 29.7% عام 2020.
الأمر ذاته مع معدلات البطالة التي عاودت الارتفاع مرة أخرى خلال الأشهر القليلة الماضية، فبلغت 7.4% من إجمالي قوة العمل مقابل 7.2% في الربع الرابع من عام 2020، بارتفاع قدره 0.2%، بحسب نتائج القوى العاملة والجهاز المركزي للربع الأول (يناير/كانون الثاني – مارس/آذار) 2020.
جدير بالذكر أن معدلات البطالة الرسمية لا تعكس المؤشر الحقيقي لهذه الظاهرة على أرض الواقع، إذ يقبع أضعاف هذا الرقم دون عمل ثابت أو مصدر دخل كافٍ، وهو ما تكشفه معدلات الفقر السابقة، وعدد العمالة غير المنتظمة التي تتجاوز 12.5 مليون مواطن، التي تواجه شبح البطالة المقنعة.
ورغم ارتفاع هذا الرقم وانخراط شريحة كبيرة من المصريين في مستنقع الفقر لا سيما في ظل جائحة كورونا، فإن التوجه العام للدولة يبدو أنه سيستمر على ذات المنهجية دون أي تغيير، وهو ما تكشفه الموازنة السنورية التي تعكس جزءًا كبيرًا من رؤية الدولة للواقع المعاش وفرضياته من جانب، وملامح أجندة أولوياتها المستقبلية، على الأقل خلال عام كامل، من جانب آخر.
الموازنة الجديدة شهدت تراجعًا واضحًا في مخصصات الدعم الاجتماعي للعام القادم المقدرة بـ321.3 مليار جنيه، بنسبة 17.5% من إجمالي مصروفات الموازنة العامة للدولة، مقارنة بـ326.2 مليار جنيه العام الحاليّ، بانخفاض قدره 5 مليارات جنيه عن موازنة العام الماضي 2020/2021.
انزلاق حقوقي مستمر
من بين الشعارات التي رفعها المتظاهرون في 30 يونيو/حزيران 2013 “الحرية والكرامة الإنسانية” وهي ذات شعارات ثورة 25 يناير/كانون الثاني، لكن هل حققت دولة الـ3 من يوليو/تموز تلك الشعارات؟ وهل انتصرت فعلًا لمبادئ الحريات والحقوق التي كان يطالب بها قادة جبهة الإنقاذ (عدد من الشخصيات العامة والأحزاب السياسية لمناهضة حكم مرسي) في ذلك الوقت.
منذ عزل مرسي في يوليو/تموز 2013 والسلطات المصرية تمارس واحدة من أقذر حملات القمع والترهيب على مر التاريخ، فقد زُج بأكثر من 50 ألف مصري داخل السجون والمعتقلات بسبب آرائهم السياسية أو انتماءاتهم الأيديولوجية، لعل آخرها الحكم بالإعدام على 12 قياديًا إخوانيًا في القضية المعروفة باسم “اعتصام رابعة” وهي الممارسات التي فضحتها المنظمات الحقوقية الدولية من خلال عشرات التقارير.
لم يسلم أي فصيل من الاستهداف القمعي للنظام، صحفيون وأطباء ومهندسون ورجال أعمال وأحزاب سياسية وإسلاميون وأكاديميون وفلاحون ومستثمرون أجانب ومصريين، كل هؤلاء سقطوا في براثن الانتهاكات الحقوقية المصرية على مدار السنوات الماضية.
مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بهي الدين حسين، علق على هذه الوضعية قائلًا: “الناس في مصر عاشوا في الماضي في ظل حكومات مستبدة، لكن المستويات الحاليّة من الاستبداد غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث، والعواقب ربما تكون مرعبة على حقوق الإنسان وعلى الاستقرار الإقليمي”.
في مارس/آذار الماضي أصدرت 31 دولة بيانًا مشتركًا أمام مجلس حقوق الإنسان الأممي، يطالب مصر بالتوقف عن استغلال قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وحبسهم، وذلك في خطوة أشادت بها المنظمات الحقوقية.
البيان المشترك طالب القاهرة “بإنهاء استخدام تهم الإرهاب لإبقاء المدافعين عن حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني في الحبس الاحتياطي المطوّل”، فيما قالت سفيرة فنلندا لدى الأمم المتحدة في جنيف، كريستي كوبي “إننا نشعر بقلق بالغ إزاء تطبيق قانون الإرهاب ضد نشطاء حقوق الإنسان والمثليين والصحافيين والسياسيين والمحامين”.
وقبل ذلك بشهر واحد فقط حذرت أكثر من 100 منظمة حقوقية بارزة من شتى أنحاء العالم من أن مجتمع حقوق الإنسان المصري يواجه “إفناء” من حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، إذ طالبت تلك المنظمات في بيان لها حكومات العالم “بأن تقود وتدعم إنشاء آلية رصد وإبلاغ حول حالة حقوق الإنسان الآخذة في التدهور في مصر”.
مدير مكتب جنيف في “هيومن رايتس ووتش”، جون فيشر، قال حينها: “على الحكومات في مجلس حقوق الإنسان أن توجه رسالة تأخرت كثيرًا إلى الحكومة المصرية، بأن الانتهاكات تخضع وستخضع للرصد والإبلاغ، وأن المصريين الشجعان الذين يواجهون الاضطهاد كل يوم ليسوا وحدهم في نضالهم”.
هذا بخلاف تضييق الخناق على الأحزاب السياسية الداخلية وإجهاض تحركات المعارضة بعد تقليم أظافرها، هذا بخلاف خنق الحريات وإغلاق المواقع (500 موقع محجوب في مصر) والتنكيل بالصحفيين وحبسهم وتشديد الرقابة على الإعلام من خلال حزمة من القوانين المكبلة.
يفصلهم عن حبل المشنقة توقيع واحد.. حملات شعبية للتصدي لأحكام الإعدام الجائرة بحق رموز ثورة يناير، هل سينصفهم أحد؟
#StopEgyExecutions#اوقفوا_الاعدامات pic.twitter.com/xeyRZB9vNv
— نون بوست (@NoonPost) June 29, 2021
النيل.. الضحية الكبرى
“بعد أن مرت ثمانية أعوام كاملة، ها هو نهر النيل يتصدر قائمة ضحايا تلك الجريمة، التي وقعت في الـ30 من يونيو/ حزيران 2013 بعد أن قدمه عبد الفتاح السيسي ثمنًا لاعتراف إفريقي، من بوابة إثيوبيا، بشرعية انقلابه، وإنهاء تعليق عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي، الرافض لمنطق الانقلابات العسكرية”.. بهذه الكلمات استهل الكاتب الصحفي وائل قنديل حديثه عن ضحايا 30 يونيو/حزيران.
الصحفي المصري في مقال له ربط بين زيارة السيسي لإثيوبيا في مارس/آذار 2015 لتوقيع اتفاقية إعلان المبادئ وزيارة أنور السادات لتل أبيب في نوفمبر/تشرين الثاني 1977 للاتفاق على توقيع معاهدة كامب ديفيد، فيما يتعلق بالدوافع وراءها، مضيفًا “كلتاهما تراجيديا مؤلمة، أفسدت المستقبل، من أجل لحظة نشوة فردية عابرة، وكلاهما عينه على لجنة تحكيم مهرجان الانسلاخ من استحقاقات التاريخ، وبديهيات الجغرافيا”.
السيسي كان يبحث في زيارته لإثيوبيا عن مجد شخصي كما فعل السادات، فالأخير كان مفعمًا بلقب “رجل الحرب والسلام” أما الأول فكان يسعى لتكريس نظامه الذي كان يعاني من فقدان الشرعية الإفريقية والدولية، ولو كان ذلك على حساب مصدر المياه الوحيد لملايين المصريين.
واختتم قنديل مقاله بأن شعور النشوة الزائفة الذي تملك الرئيس المصري وقتها كان الباب الأكبر للتوقيع على تلك الاتفاقية دون دراسة أبعادها، في ظل آلة إعلامية مضللة سوقت لها على أنها إنجاز يحسب للرئيس، منوهًا أن الإثيوبيين استغلوا تلك الرغبة الجامحة للسيسي في تحقيق مآربهم حيث صوروه “قائدًا جسورًا ينسف ألغام التاريخ الشائك، ليتلقفه الإثيوبيون، ويسمعونه ما يدركون أنه مفتون به، فيباغته رئيس الوزراء، في ذلك الوقت، هاي ﻻميريام ديسالين بجملة في منطقته الحساسة “في بلادنا نتفاءل بالزعماء الذين تهطل اﻷمطار عند حضورهم، وأن السيسي حضر وهطلت اﻷمطار في وقت غير معتاد من العام”.
يذكر أنه بعد 10 سنوات من المفاوضات المتعثرة، حاول السيسي كثيرًا خلال سنوات حكمه طمأنة الشعب بأن حقوق مصر المائية خط أحمر، تصر أديس أبابا على الملء الثاني للسد، المقرر له بداية الشهر القادم، ما يضع مستقبل الأمن المائي لملايين المصريين على المحك، استنادًا إلى اتفاق المبادئ الذي تعتبره إثيوبيا صك اعتراف رسمي من مصر بحقها في بناء هذا المشروع.
التحالفات الخارجية.. ضجيج بلا طحين
نجحت السياسة الخارجية للنظام المصري في تحقيق نجاحات عدة على أكثر من مسار، واستطاعت أن تستيعد قوتها في بعض الملفات التي كانت غائبة عنها لسنوات، أبرزها الملف الليبي، والفلسطيني مؤخرًا، ويعود جزء كبير من هذا الحضور للاستفادة من المستجدات الإقليمية والدولية الأخيرة بجانب الدعم الذي تلقته القاهرة عبر حلفائها.
وعن خريطة الحلفاء التي كانت دومًا الحاضنة السياسية والاقتصادية لدولة الـ30 من يونيو/حزيران فقد تعرضت لشروخات عدة، لا سيما مع الإمارات التي باتت تغرد خارج سرب الأمن القومي المصري، الأمر الذي انعكس على الموقف المصري حيالها وإن لم يظهر ذلك للعلن، كذلك الوضع مع السعودية تحت ولاية الملك سلمان بن عبد العزيز ونجله، وإن كان بصورة أقل نسبيًا.
إقليميًا ودوليًا.. فتحت القاهرة نوافذ عدة مع بعض القوى على رأسها روسيا والصين واليونان وقبرص بجانب الحليف الأبرز، “إسرائيل”، واستطاعت من خلال تلك النوافذ أن تكرس نظام الحكم بها بصورة كبيرة، سمحت لها بارتكاب الموبقات الحقوقية دون مساءلات دولية.
لكن السؤال الآن: بعيدًا عن تكريس نظام الحكم والمكاسب الشخصية.. هل استفاد المصريون من هذه الخريطة الجديدة في التحالفات؟ الواقع يشير إلى أن تلك التحركات لم تصب في صالح الشعب المصري لا من قريب أو من بعيد، والمؤشرات تذهب بصورة كبيرة في هذا الاتجاه، خاصة لو قسنا ذلك على الملف الأكثر خطورة بالنسبة للقاهرة وهو “سد النهضة”.
رغم العلاقات القوية التي تربط بين القاهرة وبكين، لكنها لم تكن مؤهلة لأن تضغط على الأخيرة لإعادة النظر في دعمها الكامل لأديس أبابا في بناء السد، الأمر(الصين من أكبر المستثمرين في هذا المشروع) كذلك مع كندا والولايات المتحدة، حتى روسيا التي كان يتغزل البعض في العلاقات القوية التي تجمع بين السيسي وبوتين، لم تتحرك لدعم الحليف المصري في هذا الملف، حتى قرار تعليق السياحة الروسية لمصر لم يتم التراجع عنه إلا منذ أيام قليلة بعد 6 سنوات من القطيعة.
الموقف ذاته مع السلطات الإسرائيلية التي كان لها دورها المحوري في تثبت أركان حكم السيسي ودعمه في مواجهة أي ضغوطات خارجية، ورغم ذلك لم تتحرك للزود عن حليفها في معركته الحساسة، وعلى النقيض من ذلك كان الإسرائيليون والإماراتيون أكثر المشاركين في “تورتة السد” دون أي اعتبار لتداعيات ذلك على مستقبل حليفهم القاهري.
وفيما يتعلق بالتقارب الواضح مع اليونان وقبرص وإيطاليا مؤخرًا في ملف “غاز شرق المتوسط” فكل التحليلات تذهب إلى أن الدافع الأول وراء هذا التوجه هو مكايدة أنقرة ومحاولة عرقلة التمدد التركي في المنطقة الذي تراه القاهرة تهديدًا لها في ظل حالة التوتر في العلاقات بين البلدين منذ 2013، قياسًا بالمكاسب الاقتصادية المتوقعة من خلال التقارب مع تلك الدول التي تعاني معظمها من أوضاع اقتصادية متردية.
ونتاجًا لكل ذلك تبقى النار تحت الرماد، لم تنطفئ بعد رغم كل المحاولات، فما يتعرض له المواطنون من ضربات موجعة ورسوم وضرائب غير مسبوقة في التاريخ وتهاوي مقلق لمعدلات الدخول وزيادة نسب البطالة وانهيار لمنظومة الحقوق والحريات والعدالة، يحمل الكثير من المؤشرات المقلقة.. لتأتي الذكرى الثامنة لـ30 يونيو/حزيران حاملة تساؤلًا كبيرًا في انتظار الإجابة عنه: هل حققت تلك الثورة أهداف من شاركوا بها أو دعموها؟