أعلنت الرئاسة الجزائرية أمس تعيين وزير المالية السابق أيمن بن عبد الرحمان وزيرًا أول خلفًا لعبد العزيز جراد، وتكليفه من قبل الرئيس تبون بمواصلة المشاورات مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني لتشكيل الحكومة في “أقرب وقت ممكن”.
وقدّمت حكومة جراد، التي كانت تضم في صفوفها أيمن عبد الرحمان، استقالتها منذ أسبوع، عقب صدور النتائج النهائية للانتخابات التشريعية من قبل المجلس الدستوري، لكنها تواصل اليوم تصريف الأعمال وسط ترقُّب إن كان الجهاز التنفيذي الجديد سيكون ذا كفاءات أم بوزراء سياسيين، وكذا تساؤل إن كان الرئيس تبون قد أفلح في اختياره أم أخفق؟
تكنوقراطي
لا ينتمي الوزير الأول الجديد كسابقه عبد العزيز جراد إلى أي حزب سياسي، فهو من الشخصيات المستقلة، لكنه من الإطارات التي عملت لسنوات في الإدارة الجزائرية، كون أن أيمن بن عبد الرحمان، المولود عام 1966، من خرّيجي المدرسة الوطنية للإدارة عام 1989 بتخصُّص اقتصاد ومالية، وهي المؤسسة الجامعية التي درَس بها أغلب المسؤولين الجزائريين من جيل الاستقلال، ومنهم الرئيس الحالي عبد المجيد تبون.
ويحوز الوزير الأول الجديد على شهادة ماجستير في العلوم الاقتصادية والمالية، وعدة شهادات في إدارة الأعمال والتدقيق، ويقوم حاليًّا بتحضير شهادة الدكتوراه في العلوم الاقتصادية.
وسمحَ التعليم الاقتصادي لبن عبد الرحمان بتدرُّجه في عدة مناصب ذات علاقة بقطاع المالية، فقد تولّى منصب مفتِّش مالي على مستوى المفتشية العامة للمالية (1991-2000)، ثم صار مفتِّشًا عامًّا للمالية سنة 2004، فمفتِّشًا عامًّا رئيسًا للمالية سنة 2006.
الرئيس تبون قد يلجأ من جديد إلى اعتماد حكومة كفاءات.
وشغلَ الوزير الأول الجديد من ديسمبر/ كانون الأول 2001 إلى مارس/ آذار 2010 منصب نائب مدير للرقابة على مستوى المفتشية العامة للمالية، ليعيَّن بعدها حتى عام 2019 رئيس قسم رقيب لدى بنك الجزائر، ثم محافِظًا لبنك الجزائر، وهو أعلى مؤسسة مالية في البلاد، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وظلَّ فيه حتى يونيو/ حزيران 2020، حينما عيّنه الرئيس تبون وزيرًا للمالية.
وأعطى هذا المؤشر الانطباع أن الرئيس تبون قد يلجأ من جديد إلى اعتماد حكومة كفاءات، غير أن تضمُّن بيان الرئاسة أن بن عبد الرحمان سيواصل المشاورات مع الأحزاب، يدلّ على أنه ستتضمن الحكومة الجديدة مزاوجة بين الوزراء المستقلين والمتحزّبين، خاصة أن أغلب الأحزاب الفائزة بمقاعد في البرلمان أعلنت مشاركتها في الحكومة المقبلة، ما عدا حركة مجتمع السلم التي قرّرت مواصلة تشبُّثها بمقعد المعارضة، ولن تعود إلى حضن السلطة الذي غادرته خلال الولاية الثالثة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
الاقتصاد أولًا
مثلما جاء في مقال سابق لـ”نون بوست”، فإن بن عبد الرحمان كان من الأسماء المطروحة لتولّي الوزارة الأولى، وبالنظر إلى التحديات المالية والاقتصادية التي تنتظر البلاد، وكذا بالنظر إلى تكوينه العلمي وخبرته العملية، فإن إسداء هذه المهمة لتحقيق الأهداف الاقتصادية المطلوبة يعدّ قرارًا منطقيًّا.
وأكّد بن عبد الرحمان في تصريحه للصحافة، عقب تسلُّمه مهمّته الجديدة، على نزعته الاقتصادية، فقد قال إنه عازم على “العمل بكل ما أوتي من جهد وقوة للتكفُّل بالمهامّ الجسيمة” الموكلة إليه، من أجل “المضي قدمًا في تطوير بلدنا المفدى”.
وأضاف أنه سيعمل مع “كل الطاقم الحكومي كرجل واحد من أجل رفع كل التحديات التي تواجهنا، خاصة الاقتصاد الجزائري”.
واعتبر بن عبد الرحمان أن العمل على “التطبيق الفعّال” لبرنامج الرئيس تبون، الذي وصفه بـ”النهضوي”، سيسمح للجزائر باجتياز هذه المرحلة بـ”سلام” و”الانطلاق في التنمية الاقتصادية المرجوّة”.
وتعيين وزير أول دون رئيس حكومة، يؤكّد أن البرلمان لن يعرف تكتلات حزبية تتمكّن من تشكيل أغلبية برلمانية، إنما الاتجاه سيكون نحو تشكيل أغلبية رئاسية.
ويأمل الرئيس تبون أن تساهِم النزعة المالية والاقتصادية لبن عبد الرحمان في القيام بالإصلاحات البنكية والضريبية اللازمة، والتي بدأها حينما كان على رأس وزارة المالية.
فقد عملَ على إدخال إصلاحات تتعلّق بقانون الجباية وتنظيم الأسواق الموازية، وتسيير ورقمنة النظام البنكي، ودعم خدمات الصيرفة الإسلامية، كما وعد بولوج البنوك والمؤسسات المالية أسواق خارجية في أفريقيا، وفتح فروع لها في أوروبا، أين توجد أعداد معتبرة من الجالية الجزائرية كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا.
غير أن مشاكل الاقتصاد الجزائري لا تُختصَر بالجانب المالي، بل إن معضلاته عديدة وكثيرة أولها عدم استطاعة الحكومات المتعاقبة التخلُّص من التبعية لتقلُّبات أسعار برميل النفط، فعائدات المحروقات تبقى المتحكِّم الرئيسي في رسم موازنة البلاد السنوية، كما أن الفساد والمحسوبية اللذين ينخران المعاملات التجارية يبقيان حتى اليوم عائقًا أمام تحقيق أي أهداف ترسمها الحكومة.
أول تحدٍّ للوزير الأول ليس تشكيل الحكومة، إنما هو مراجعة قانون الاستثمار وإعادة تقييم ما يقدمه الاستثمار الأجنبي الموجود حاليًّا في الجزائر.
ورغم القرارات التي اتّخذتها الحكومة لتطوير قطاع المؤسسات الناشئة والمتوسطة، ودعم القطاع الفلاحي والصناعة التحويلية وقطاع المناجم، إلا أن الاستثمار الخاص الوطني والأجنبي يبقى ضعيفًا في الجزائر، حتى بعد إلغاء قاعدة 51/49 المتعلقة بالاستثمار الأجنبي، وحصرها في القطاعات الاستراتيجية فقط.
وحسب الخبراء، فإن نجاح أي إصلاح اقتصادي في الجزائر، لا يتعلق بالدرجة الأولى بمراجعة القوانين رغم أهميتها، إنما باقتلاع الذهنية المتخلِّفة الساكِنة في الإدارة الجزائرية، التي جعلت اتخاذ أي قرار يكون عبثيًّا وغير مفهوم وتغلب عليه الرؤية الفوضوية، ولعلّ أهم مثال على ذلك ما يحدث في قطاع تركيب واستيراد السيارات.
وقال الخبير الطاقوي مهماه بوزيان إن “أول تحدٍّ للوزير الأول ليس تشكيل الحكومة، إنما هو مراجعة قانون الاستثمار وإعادة تقييم ما يقدمه الاستثمار الأجنبي الموجود حاليًّا في الجزائر، في قطاع الصناعة على الخصوص”.
اختلاف
تباينَت الآراء بشأن تعيين أيمن بن عبد الرحمان وزيرًا أول، والإضافة التي يقدِّمها للبلاد، فقد عبّر حزب جبهة التحرير الوطني، صاحب أكبر مقاعد في البرلمان، عن ارتياحه لإسناد الحكومة لوزير المالية السابق، كونه “يتميز بكفاءة ونزاهة، ومقدرته في قيادة الجهاز التنفيذي وتحقيق الأهداف والحلول لبلوغ تنمية اقتصادية قوية وتنافسية، تضمن الاستمرار في نمطنا الاجتماعي المبني على العدالة والتضامن”.
وقال الدكتور سليمان ناصر، إنه من الذين يرون أن يكون الوزير الأول شخصية اقتصادية، لأن الوضع الاقتصادي الذي تمرُّ به البلاد صعب، مشيرًا في الوقت ذاته أن التحدي الأكبر أمام “أيمن بن عبد الرحمان هو تسيير فريق حكومي غير متجانِس، خاصة إذا كان المدرِّب يفكر بعقلية علمية اقتصادية واللاعب يفكر بعقلية حزبية سياسية، فالوضع لا يحتمل المزيد من تجريب الأشخاص والسياسات”.
هل سينجح الخبير الاقتصادي في تطويع المطلب السياسي أم هذا المطلب سيظلّ حجرة في طريق الاقتصاد؟
أما الكاتب الصحفي رياض هويلي، فيرى في منشور له على فيسبوك أن تعيين أيمن بن عبد الرحمان وزيرًا أول، معناه أن الرئيس تبون قد استقرَّ على القراءة التي مفادها إبعاد البُعد السياسي للأزمة من حسابات السلطة، وبالتالي اعتبار كل ما حدث ويحدث مجرد أعراض، لا تستوجب الإخضاع للاستشفاء، فـ”هل سينجح الخبير الاقتصادي في تطويع المطلب السياسي أم هذا المطلب سيظل حجرة في طريق الاقتصاد؟.. ننتظر، ونراقب”.
وعلّق الدكتور عبد العزيز على هذا التعليق، كاتبًا: “المسؤول عن نقص السيولة على رأس الوزارة الأولى”.
وإذا كان بن عبد الرحمان لا يلقى الإجماع حول أحقّيته هذا المنصب، فإنه على الأقل لا يواجه رفضًا واسعًا لتوليه الوزارة الأولى، لتكون بذلك الأيام القادمة كفيلةً بكشف إن كان اختيار الرئيس تبون لبن عبد الرحمان قرارًا صحيحًا وصائبًا، أو خطأ فادحًا كان من الواجب تفاديه.