ترجمة وتحرير نون بوست
على مدار عدة سنوات، عمل الرئيس أوباما على تأكيد أن الولايات المتحدة يجب أن تُقلل من أهمية التزامها بحقوق الإنسان، في مقابل دعم الأنظمة القمعية التي توافق على استراتيجيات الولايات المتحدة وأمنها القومي، الحالة المصرية وحكومة عبد الفتاح السيسي تقدم لنا مثالاً عمليًا على عوار تلك النظرية.
فباسم هزيمة التطرف الإسلامي، أسس السيسي نظامه الأكثر قمعًا فيما عرفته مصر لأكثر من خمسة عقود منذ قيادته انقلابًا عسكريًا ضد الحكومة المنتخبة للرئيس محمد مرسي في يوليو عام 2013، وسجنه أكثر من 16 ألف شخص، وقتله أكثر من 1000، وحظره الاحتجاجات العامة، وقضائه على حرية الصحافة التي كانت قد بدأت في الازدهار، وحملته واسعة النطاق ضد منظمات المجتمع المدني، وسجنه عشرات المصريين الليبراليين الذين كانوا في طليعة الثورة المصرية بتهم ملفقة.
تهديدات الإرهاب تزداد سوءًا في ظل حكم السيسي، فقد شهد يوم الجمعة الماضي الاعتداء الأكثر فتكًا في البلاد منذ عقود حين تم تنفيذ هجوم انتحاري في شبه جزيرة سيناء أودى بحياة أكثر من 30 جنديًا، فضلا عن ذلك، فإن مئات الجنود وأفراد الشرطة قُتلوا في سيناء في الأشهر الخمسة عشر الماضية، كما أن التفجيرات في القاهرة، والتي لم يسمع بها أحد قبل الانقلاب، صارت معتادة الآن، تم استهداف وزارة الخارجية وجامعة القاهرة في الأسابيع الأخيرة.
رد السيد السيسي على آخر هجوم جسد ذلك النوع من رد الفعل الذي يهزم نفسه بنفسه، فقد أعلن عن عاصفة من التدابير لمواصلة قمع المعارضة السلمية وحرية التعبير، كما تم حث رؤساء تحرير الصحف الكبرى على إصدار بيان يوم الأحد تعهد بعدم انتقاد “مؤسسات الدولة” بما فيها الجيش والشرطة والقضاء، وفي اليوم نفسه حكم القاضي على 23 من النشطاء الليبراليين بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة انتهاك قانون حظر التظاهر.
في اليوم التالي، أصدر السيسي قرارًا بتوسيع نطاق المحاكمات العسكرية للمدنيين، ومن بين هؤلاء الذين سيخضعون للقضاء العسكري السري طلاب الجامعات وتلاميذ المدارس إذا تم اتهامهم “بتخريب المرافق التعليمية”، جميع تلك التدابير لا تؤثر بأي شكل على المنظمات الإرهابية الفعلية المستقرة في سيناء، ومنها واحدة قد أعلنت البيعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، المتشددون بطبيعتهم لا يشاركون في التظاهرات ولا ينشرون انتقاداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي ولا يحتجون في الجامعة!
بدلاً من ذلك، يقمع النظام ويحاول القضاء على الإسلاميين المعتدلين، ويُبعد حلفاءه السابقين من العلمانيين وكذلك معارضيه السلميين ويحولهم في النهاية إلى جهاديين، حركة 6 أبريل الليبرالية التي أصبحت محظورة من قبل نظام السيسي، قالت إن الإجراءات الجديدة “سوف تتسبب في زيادة الفوضى وتخلق بيئة أفضل للإرهاب”.
إدارة أوباما قاومت بعناد تلك النتيجة البديهية، فقد كان الأمريكيون يغازلون نظام السيسي ويقللون من قيمة انتهاكاته، وزير الخارجية جون كيري يصر بسذاجة أن السيسي يقود مصر نحو الديمقراطية، لحسن الحظ، فإن كيري مقيد من قبل الكونغرس، الذي مرر قانونًا يشترط شهادة رسمية لإثبات ذلك الادعاء قبل استئناف المساعدات العسكرية لمصر، وبدلاً من محاولة تحرير المساعدات العالقة والتي ستنفق على الدبابات والطائرات المقاتلة غير المجدية في مكافحة الإرهاب، يجب أن تدافع الإدارة الأمريكية عمن تبقى من المعارضة الديمقراطية المصرية والمجتمع المدني وأن تحميهم من عبد الفتاح السيسي.
المصدر: واشنطن بوست