يعتمد الملايين في إدلب وريفها بالإضافة إلى مناطق بريف حلب على المساعدات الخارجية التي تدخل عبر معبر باب الهوى الحدودي.
ومع قرب انتهاء التفويض الأممي لإرسال المساعدات مع تهديد موسكو بفيتو روسي يمنع تجديد التفويض، تزايدت التحذيرات من وقوع كارثة إنسانية حال إغلاق المعبر، الذي بات شريان حياة الملايين الوحيد.
وتعيش مئات آلاف العائلات النازحة منذ سنوات تحت وطأة ظروف إنسانية ومعيشية غاية في الصعوبة، وخلال العام الماضي أسفرت المفاوضات الشاقّة عن تسوية تقضي بإغلاق كافة المعابر، ما عدا معبر باب الهوى، حيث بات آخر معبر حدودي متبقٍٍّ مع تركيا باتجاه مناطق سيطرة المعارضة شمال سوريا، ومن المقرر أن ينتهي هذا التفويض في 10 يوليو/ تموز المقبل.
وفقًا للأمم المتحدة، تمرّ شهريًّا قرابة ألف شاحنة محمَّلة بالمساعدات عبر معبر باب الهوى الحدودي، فيما تقدِّر منظمة هيومن رايتس ووتش أن ثلاثة أرباع سكان إدلب البالغ عددهم 4 ملايين شخص، يعتمدون على المساعدات الإنسانية.
حول هذا الموضوع أجرينا في “نون بوست” حوارًا مع السيّد رائد الصالح، رئيس منظمة “الدفاع المدني السوري”، المعروفة أيضًا بـ”الخوذ البيضاء”.
في البداية، نريد منكم توضيحًا حول مشكلة المعابر في سوريا، والتي تتجدد في كل فترة.
منحَ مجلس الأمن، من خلال اعتماد القرار رقم 2156 لعام 2014، وتمديداته اللاحقة، الإذن لوكالات الأمم المتحدة وشركائها باستخدام الطُّرُق عبر خطوط النزاع، و4 معابر حدودية هي باب السلام، باب الهوى، الرمثا واليعربية، بهدف إيصال المساعدات الإنسانية، ومن ضمنها المستلزمات الطبية والجراحية، إلى الأشخاص المحتاجين في سوريا.
وفي 11 يناير/ كانون الثاني 2020، اعتمد مجلس الأمن القرار 2504 الذي يقضي بتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا عبر معبرَين فقط من تركيا، وهما باب الهوى وباب السلام، لمدة 6 أشهر، وإغلاق معبرَي اليعربية في العراق والرمثا في الأردن.
وبعد انتهاء الـ 6 أشهر في 11 يوليو/ تموز من العام الماضي، وبعد 4 محاولات فاشلة، صوّت مجلس الأمن على تبنّي مشروع قرار ألماني-بلجيكي، جُدِّد بموجبه عمل آلية المساعدة الإنسانية عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية لمدة عام واحد، وسمح القرار الأممي بإيصال المساعدات الإنسانية لسكان شمال غربي سوريا عبر معبر واحد فقط، هو باب الهوى.
والآن مع اقترب انتهاء التفويض، بدأت تلوح في الأفق كارثة إنسانية. ففي الوقت الذي تزداد فيه حاجة المدنيين في شمال غربي سوريا، الذين يزيد عددهم عن 4 ملايين مدني، إلى المساعدات الإنسانية والدوائية، وبدل أن يكون هناك فتح لمعابر جديدة لتلبية الاحتياجات، تسعى روسيا لمنع تمديد آلية تفويض إدخالها عبر الحدود.
إن ما تقوم به روسيا يُعتبَر جريمة حرب، فالمساعدات الإنسانية والدوائية هي حقّ غير قابل للمساومة والابتزاز، وإن عدم تمديد تفويض آلية دخول المساعدات عبر الحدود هو تشريع لجريمة التجويع والحصار، وهو السلاح الذي لطالما استخدمته روسيا ونظام الأسد لسنوات في حمص والغوطة وحلب وغيرها من المناطق، واليوم تعود لاستخدامه.
ويهدف النظام من إغلاق المعابر الحدودية إلى التحكُّم بملف المساعدات، واللُّجوء إلى فتح معابر داخلية لإيصالها، واستخدام هذه المساعدات وسيلةَ انتقام وتجويع وحصار للسوريين، أو لأغراض تجارية في ظل واقع اقتصادي هشّ تعيشه المناطق التي يسيطر عليها.
في حال عدم الموافقة على التجديد للقرار الأممي القاضي بإدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى دون موافقة النظام، ما هي المشاكل المتوقّعة في المناطق المحرَّرة؟
الوضع المأساوي في شمال غربي سوريا بعد حرب مستمرة منذ 10 سنوات، لا يمكن وصفه، فكيف لنا أن نتخيّل حياة أكثر من 4 ملايين إنسان، نصفهم مهجّر بينهم مليون شخص في المخيمات، يعيشون في منطقة محاصرة انقطع عنها شريان الحياة الوحيد عبر معبر باب الهوى، حقيقة لا يمكنني تخيُّل ذلك، ومجرد التفكير فيه هو أمر محزن.
إلّا إنني لا أستغرب أبدًا من روسيا، وهي التي دمّرت المشافي والمدارس، وارتكبت المجازر، وقدّمت الدعم العسكري والسياسي لنظام الأسد وكانت حليفته في قتل السوريين، أن تقوم بهذا الدور حاليًّا ولكن بطريقة مختلفة.
إذا أُغلق بالفعل معبر باب الهوى، فهذا يعني كارثة إنسانية لسكان شمال غربي سوريا، والذين هم أصلًا في حاجة إلى فتح معابر أخرى، كما سيُنهي خطط الأمم المتحدة لتوزيع اللقاحات المضادة لكوفيد-19 لملايين السكان، ويقلِّل إلى حد كبير من العمليات الإنسانية الأساسية.
كما ستتوقف شحنات الأغذية والمساعدات الإنسانية الأخرى للأمم المتحدة فورًا، في وقت يمرّ فيه المدنيون بأزمة اقتصادية خانقة وفقدان لموارد الرزق بعد أن هجّرهم النظام وروسيا، وارتفاع الأسعار وانتشار للبطالة.
ولا بدَّ من الإشارة إلى أن المساعدات الإنسانية لا تقتصر فقط على المساعدات الإغاثية، بل هناك مساعدات طبية منقِذة لحياة المدنيين، وسيكون وضع القطاع الطبّي كارثيًّا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، لا سيما أنه تعرّض للاستهداف المباشر من قِبل النظام وروسيا، ومع انتشار فيروس كورونا.
هل لدى “الخوذ البيضاء” والمنظمات الإنسانية الأخرى خطة بديلة، في حال لم يتم التجديد للقرار؟
حقيقة لا يوجد أي خطط بديلة لدى “الخوذ البيضاء” وباقي المنظمات الإنسانية، ولا وكالات الأمم المتحدة، إذ إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أكّد “أن الفشل في تمديد تفويض المجلس سيكون له عواقب وخيمة”، مشدِّدًا على أن المساعدة عبر الخطوط “في المستويات الحالية” لا يمكن أن تحل محل الكميات التي تمّ تسليمها عبر الحدود.
كما قال القائم بأعمال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، ومنسِّق الإغاثة الطارئة، رامش راجاسينغهام، إن الآلية عبر الحدود هي أيضًا “واحدة من أكثر عمليات المساعدة التي تخضع للتدقيق والمراقبة في العالم”، مؤكدًا ما جاء على لسان الأمين العام بأن الفشل في تمديد التفويض سيكون له عواقب وخيمة، لأن المنظمات غير الحكومية لن تكون قادرة على تلبية الاحتياجات الهائلة.
وأوضح أنه فيما يحتاج “90% من الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة من أجل بقائهم على قيد الحياة، فإنهم سيواجهون وضعًا كارثيًّا حقيقيًّا، وببساطة لا يوجد بديل للعملية عبر الحدود”.
إن أكثر من 4 ملايين مدني في شمال غربي سوريا يواجهون عقابًا جماعيًّا من قبل نظام الأسد وحليفه الروسي، ويكافحون من أجل البقاء في المنطقة، وأملهم الوحيد في البقاء هو المساعدات التي تقدِّمها الأمم المتحدة، ولا يمكن أن يكون هناك أي بديل لتلك المساعدات.
ما هي أدوات الضغط التي تعملون بها أمام المنظمات الأممية لصالح تجديد القرار؟
نحن كمنظمة “الخوذ البيضاء” نعمل على عدة مستويات، أولها عبر الاجتماع بالمسؤولين الغربيين، حيث اجتمع فريق من متطوِّعي “الدفاع المدني السوري” مع السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، والسفير الأميركي لدى أنقرة ديفيد ساترفيلد، يوم الخميس 3 يونيو/ حزيران، خلال زيارتهما للحدود التركية-السورية.
وناقشوا معهما الأوضاع الإنسانية وحماية المدنيين في شمال غربي سوريا، وخطر إغلاق معبر باب الهوى، شريان الحياة لأكثر من 4 ملايين مدني، بعد أن لوّحت روسيا باستخدام حق النقض ضد تمديد إمدادات الأمم المتحدة المرسلة عبر الحدود.
كما اجتمعتُ شخصيًّا أمس الأربعاء مع المبعوث البريطاني إلى سوريا جوناثان هارغريفز، على الحدود التركية-السورية، وناقشتُ معه ضرورة تمديد تفويض آلية دخول المساعدات الإنسانية لسوريا، والتحديات التي تواجه العمّال الإنسانيين بسبب استهدافهم المباشر من قبل نظام الأسد وروسيا، وتطورات كوفيد-19 وسُبُل الاستجابة له بأفضل طريقة، ونحاول في أكثر من لقاء شرح الوضع الإنساني وأهمية دخول هذه المساعدات عبر الحدود.
وحول الجهود التي نقوم بها في إطار الحشد والمناصرة إلى جانب منظمات المجتمع المدني، فشاركنا مؤخرًا بحملة “شريان الحياة” التي تنادي وتسعى لإبقاء معبر باب الهوى مفتوحًا، باعتباره شريان حياة يغذي شمال غربي سوريا.
وشاركنا نحن وأكثر من 120 منظمة إنسانية وطبية بالتوقيع على بيان يطالِب دول مجلس الأمن بتجديد التزامها بحياد المساعدات، وتمديد تفويض إدخالها عبر الحدود، وذلك في مؤتمر عُقد في إدلب في 23 يونيو/ حزيران، كما شاركنا في مؤتمر رديف عُقد في إسطنبول في الـ 28 من الشهر نفسه.
كما شاركت متطوِّعات من الدفاع المدني السوري، وكوادر نسائية من منظمات إنسانية أخرى يوم الأربعاء 30 يونيو/ حزيران، بوقفة احتجاجية في معبر باب السلامة بريف حلب الشمالي، مطالبات بتمديد آلية تفويض إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود، وتجنيب أكثر من 4 ملايين مدني في شمال غربي سوريا كارثة إنسانية.
ويوم الجمعة شاركنا بنشاط السلسلة البشرية، لإيصال صوت المدنيين في شمال غربي سوريا إلى العالم بضرورة بقاء المعابر مفتوحة.
هل يوجد تواصُل مع تركيا بخصوص هذا الأمر من قبلكم ومن قبل المنظمات الإنسانية الأخرى، وهل يوجد أية وعود من أنقرة لكم؟
حقيقةً هذا الأمر لا يخضع للجانب التركي، باعتبار أن هذه التفويض أممي، فتركيا تتعامل مع المسألة وفق القانون الدولي، وهي بالتأكيد تلتزم بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
لنتحدث بلُغة الأرقام، في حال لم يتم الموافقة ولم يتم التجديد للقرار، ما هي كمية المساعدات التي ستُمنع عن الشمال السوري، وما هو أعداد الناس المتضرِّرة؟
وفقًا لأرقام برنامج الغذاء العالمي، يعتمد 2.4 مليون شخص في شمال غرب سوريا على المساعدة عبر الحدود لتلبية احتياجاتهم الأساسية، بما في ذلك الغذاء.
وإن أكثر من 80% من المساعدات التي تصل إلى شمال غربي سوريا تعتمد على معابر تستخدمها الأمم المتحدة، يشمل ذلك الخدمات والرواتب ودعم المنظمات المحلية الإنسانية، وأن إغلاق المعابر يعني انهيار منظومة مساعدات الأمم المتحدة في شمال غربي سوريا بالكامل، وإن تعثُّر وصول المساعدات سيُعرقِل ويجمِّد النشاط الإغاثي، ويجعله محصورًا بما يصل من مساعدات عن طريق النظام، ما يعني وضع السكان تحت الحصار.
ويشكّل القطاع الطبّي والصحّي القسم الأكبر من المساعدات الإنسانية خلال العام الحالي، بسبب تزايد الاهتمام بالوضع الصحّي عمومًا بالتزامن مع تفشي فيروس كورونا في العالم.
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن عواقب وخيمة محتملة على سكان إدلب الضعفاء أصلًا، إذا لم يتم تجديد التفويض عبر الحدود، حيث قالت: “لن يكون من الممكن تقديم لقاحات موثوقة ضد فيروس كورونا إلى السكان والقيام بحملات أخرى لتطعيم الأطفال. فضلًا عن الأنشطة الصحية الأساسية الأخرى، بما في ذلك الرعاية المنقِذة للحياة للأمراض المزمنة غير المعدية”.
حيث تعتمد استجابة كوفيد-19 بشكل كبير على الأمم المتحدة، بما في ذلك بدء التطعيم. آلية كوفاكس المدعومة من الأمم المتحدة هي الخيار الوحيد للحصول على اللقاحات في المنطقة، ومع ذلك تلقّى أقلّ من 0.58% فقط من السكّان جرعة واحدة.
ولنتكلم بواقعية، إن عدد المتضررين هو كل المدنيين في شمال غربي سوريا..
في أي مجال سيتضرّر عمل “الخوذ البيضاء” في حال لم يتم التجديد للقرار؟
باعتبار أن “الخوذ البيضاء” لا تحصل على تمويل من وكالات الأمم المتحدة، فعملها لن يتأثّر بشكل مباشر في حال توقُّف آلية دخول المساعدات، ولكن من سيتأثر هي المجتمعات التي تعمل فيها “الخوذ البيضاء”، فالحاجة ستتضاعف والإمدادات الطبية ستتوقف، باختصار شديد سيكون هناك كارثة.
هل ترون أن الأزمة السياسية بين روسيا وأميركا تؤثِّر سلبًا على موضوع المساعدات في الشمال السوري؟ وهل ترون أن روسيا تتجه في حصر القضية السوريّة بمسألة المساعدات؟
لا يمكن الحديث عن سوريا بمعزل عمّا يجري في العالم من تجاذبات وتوازنات، وهذا أمر طبيعي. وأكرِّر أن ما تقوم به روسيا يُعتبَر جريمة حرب، فالمساعدات الإنسانية والدوائية هي حقّ غير قابل للمساومة والابتزاز، وإن عدم تمديد تفويض آلية دخول المساعدات عبر الحدود هو تشريع لجريمة التجويع والحصار بغضّ النظر عن أي دور آخر، ولا مبرِّر له تحت أي ظرف.
وفعلًا روسيا تسعى لحصر القضية السورية في دخول المساعدات من عدمها، وحقيقةً هذا اختزالٌ لمأساة شعب هُجِّر وقُتِل وشُرِّد. القضية السورية أعمق من ذلك بكثير، وهذه المحاولات الروسية مرفوضة لحصر المسألة بالمساعدات.
ما ينتظره السوريون بعد أكثر من 10 سنوات من القتل والتهجير والاعتقال والتعذيب، ليس فتح معابر إنسانية، فهذا حقّ لهم ولا مِنّة لأحد فيه.
ما معنى أن يمدَّد القرار بإدخال المساعدات الإنسانية بينما نظام الأسد وروسيا كل يوم يقصفان شمال غربي سوريا؟ ما معنى أن يمدَّد القرار وهناك في سجون نظام الأسد عشرات آلاف المعتقلين لا أحد يسمع صرخاتهم؟ ما معنى أن يمدَّد القرار وهناك ملايين المهجرين قسرًا بعيدون عن منازلهم؟ السوريون اليوم ينتظرون تحرُّكًا حقيقيًّا ينهي مأساتهم، لا تحرُّكًا يكتفي بإبقائهم على قيد الحياة ليموتوا كل يوم ألف مرة، بينما قاتلهم أمامهم دون محاسبة أو مُساءلة.
برأيك، هل سيكون هناك اتفاق روسي-أميركي بشأن المعابر؟
مع اقتراب انتهاء تفويض مجلس الأمن لإيصال المساعدات إلى سوريا عبر الحدود، لا يخفى على أحد النيّة الروسية لمحاولة إغلاق معبر باب الهوى، المعبر الأخير الذي يشكِّل الشريان الوحيد لتغذية الشمال السوري، لا سيما أن روسيا منذ عدة أشهر وهي تحاول تكريس أمر واقع عبر تهديدها المعبر واستهدافه بالقصف، وهي رسائل مبطَنة بأن معركة سياسية مؤجَّلة من العام الماضي ستكون في أروقة مجلس الأمن هذا العام، في محاولة منها لمنع تمديد قرار إدخال المساعدات عبر الحدود.
وعلى النقيض من الرسائل الروسية، بدا أن هناك موقفًا غربيًّا بقيادة أميركية، وهذه الموقف واضح دون أي لُبس، ليس فقط لتمديد آلية إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى، بل سعيهم لإعادة فتح معبرَين حدوديَّين آخرَين مغلقَين في شمال شرق سوريا، وهذا الأمر أكّدته لنا السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، والسفير الأميركي لدى أنقرة ديفيد ساترفيلد، يوم الخميس 3 يونيو/ حزيران، خلال زيارتهما الحدود التركية-السورية واجتماع فريق من “الدفاع المدني السوري” معهما.
كما إن الدول المشاركة ببيان روما، شدَّدت في الاجتماع الوزاري حول سوريا على أهمية تقديم المساعدة الإنسانية المنِقذة للحياة للشعب السوري، من خلال إعادة تفويض وتوسيع آلية الأمم المتحدة عبر الحدود.
ولا أظن أن الأمر سيكون سهلًا، فالضغط على الجانب الإنساني من قبل النظام وروسيا هو جزء من سياستهما ضد السوريين، وهو استكمال لحربهما التي يشنّانها منذ 10 سنوات، ففي الوقت الذي تدعم فيه روسيا النظام عسكريًّا على الأرض ومن الجوّ، جاعلةً من سوريا ومن أجساد السوريين مختبرات لتجريب أسلحتها، كان هناك سياسة موازية للضغط على الجانب الإنساني، حيث اعترضت روسيا في مجلس الأمن الدولي على الاستمرار بتفويض آلية المساعدة الإنسانية عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية لـ 3 مرات قبل الآن.
وبعد ما جرى العام الماضي من ابتزاز روسي، وبعد 4 محاولات فاشلة، صوّت مجلس الأمن على تبنّي مشروع قرار ألماني-بلجيكي جُدِّد بموجبه عمل آلية المساعدة الإنسانية عبر خطوط النزاع والمعابر الحدودية لمدة عام واحد، كما سمح القرار الأممي بإيصال المساعدات الإنسانية لسكان شمال غرب سوريا عبر معبر واحد فقط هو باب الهوى، ونتج عنه أيضًا إغلاق معابر أخرى كمعبر اليعربية، وهو دليل واضح على أن محاربة المدنيين بالجانب الإنساني هي عملية ممنهَجة ومتعمَّدة، وليست مجرد نتاج طبيعي للحرب والنزوح.
وما سيجري في مجلس الأمن في 11 يوليو/ تموز القادم لن يختلف بكثير عمّا جرى العام الماضي، فالابتزاز الروسي للمساعدات الإنسانية قائم ولن يتوقف، لتحصيل مكاسب سياسية لصالح النظام، واقتصادية عبر الحصول على المساعدات، لا سيما أن تاريخ نظام الأسد خلال السنوات العشر السابقة مليء بالتدخلات بعمل المنظمات الدولية، وتسييس وإساءة توزيع المساعدات الإنسانية.
وباعتقادي روسيا هي من سيرضخ بالنهاية للإرادة الدولية، وأستطيع أن أقول إن التصريحات الأخيرة لوزير خارجيتها توحي، إن لم أقل إنها تؤكّد رضوخهم للإرادة الدولية، ولو على مضض، لتمديد آلية دخول المساعدات عبر الحدود.
إلى متى سيظلُّ سكان الشمال المحرّر تحت رحمة تجديد القرار كل 6 أشهر؟ ألا يوجد تصوّر للحل خارج إطار هذا القرار؟
سؤال مهم، من يعتبر أن حلَّ الأزمة الإنسانية في سوريا هو حل إنساني عبر المساعدات فهو مخطئ، وعلى الرغم من أهمية تمديد قرار إدخال المساعدات وفتح معابر جديدة، لكنه يبقى حلًّا آنيًّا، ولا يمكن أن يكون هناك استجابة طويلة الأمد لأكثر من 4 ملايين مدني في شمال غربي سوريا بينهم مليونان فقدوا مصدر رزقهم، ووجدوا أنفسهم في العراء، إلا بإنهاء جذري لسبب مشاكلهم لا بمعالجة النتائج، ولا يجب الاكتفاء بالاستجابة الإنسانية الطارئة.
ويبقى الحل طويل الأمد للأزمة الإنسانية في سوريا هو الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، ويبدأ بوقف هجمات النظام وروسيا على المدنيين في شمال غربي سوريا، وعودة المهجّرين قسرًا إلى منازلهم، وبمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومنها جريمة التجويع كسلاحٍ، أمام محكمة الجنايات الدولية.