الصورة: صورة تداولها المغردون على مواقع التواصل تظهر جنودا من الجيش المصري أثناء هدم منازل مواطني رفح وترحيلهم
التهجير القسري يعرفه القانون الدولي الإنساني بأنه “الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها”، وهي ممارسة مرتبطة بالحكومات أو المجموعات المتعصبة العرقية التي تقوم بإخلاء أرض معينة من ساكنيها لفرض واقع معين، ويعتبر نظام روما الأساسي التهجير القسري جريمة ترقى إلى جرائم الحرب، وفقًا للمواد 2، 7، 8.
فهو نوعٌ من الإبعاد خارج حدود الإقليم أو داخل حدود الإقليم ويتم عن طريق قوة مسلحة، تهدد بالإيذاء لدى كل من يمتنع عن الهجرة.
ويفرق القانون الدولي بين مفهوم النزوح الاضطراري للتجمعات السكانية من أرض ما نتيجة خطر ما يواجه الجميع بسبب الحروب أو الكوراث الطبيعية.
ولكن ما يحدث في شبه جزيرة سيناء كالآتي: تحديدًا في شمال سيناء قامت الحكومة المصرية بإصدار قرار يقضي بإخلاء 13.5 كيلو متر مربع بالقوة المسلحة من سكان الحدود في مدينة رفح من ساحل البحر وحتى معبر كرم أبو سالم بعمق يصل لأكثر من 500 متر.
ليس هناك أي رغبة من أهالي هذه المنطقة، على سبيل المثال، لترك منازلهم وإخلائها نتيجة أي تهديد “رغم وجود بعض المخاطر بالفعل”، ولكنهم يؤكدون أنهم تكيفوا مع الأمر وأن المخاطر بالأساس من طريقة تعامل القوات الأمنية مع الأحداث في المنطقة بالقصف العشوائي وغيره؛ إذن “التهديد من الدولة”.
هذا كله ينفي أي معنى لاعتبار هذا الأمر “نزوح”.
كذلك الأمر الذي يجرمه الدستور المصري في مادته (63) باعتبار التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط بالتقادم.
هو كدا الجيش بيخالف الدستور وبيهجر أهل #التهجير_مش_حل #سيناء !!! pic.twitter.com/66yZINB2IU
— Marwa kamel (@marwaxena) October 28, 2014
اعترفت الدولة على لسان محافظ شمال سيناء، بأن التهجير الذي شرعت فيه الدولة لأهالي المدن الحدودية في محافظته تهجير نهائي لا عودة فيه، وأنه سيتم تفجير المنازل في القرى والمدن المتاخمة للشريط الحدودي لإقامة منطقة عازلة وفق خطة لمكافة الإرهاب، حسب تصريحاته لإحدى الفضائيات المصرية.
في حين أكدت الإحصاءات الرسمية أن عدد المنازل التي ستشرع الدولة بداية في هدمها بلغ أكثر من 800 منزل لأكثر من 1000 أسرة، وبالفعل وصلت الإنذرات لأصحاب تلك المنازل بتحديد وقت للإخلاء.
كما يؤكد متابعون أن القرار ليس جديدًا وأنه مطلب إسرائيلي قديم الأزل، يقضي بإنشاء حزام أمني عازل على الحدود الدولية بين مصر وإسرائيل وتحديد الحدود الفاصلة بين مصر وقطاع غزة.
وقد كان مقررًا أن يحظر على المدنيين التواجد في هذه المنطقة، لأن قوات مصرية مشتركة مع قوات MFO الدولية المتواجدة في سيناء، ستقوم بالإشراف الأمني على هذه المنطقة وقد صمم هذا المشروع سلاح المهندسين بالجيش الأمريكي.
مما يثير شبهات في توقيت اتخاذ هذا القرار، وفي النوايا التي خلفه وهل هو تمرير لمشروع قديم طلب من إدارات مصرية متعاقبة أم هي الصدفة؟!
ومما يزيد المتابعين دهشة أن وسائل الإعلام المصرية قد روجت لحل التهجير كحل لمواجهة القصور الأمني في سيناء في وقتٍ واحدٍ، يأتي هذا بعد هجوم مسلح على كمين للجيش المصري أدى إلى مقتل 33 مجندًا وإصابة آخرين.
فأتى رد فعل الدولة سريعًا على هذا الحادث، بالشروع في المنطقة العازلة دون اتخاذ وقت لدراسة الأمر، فقد صدر القرار وتم البدء في تنفيذه في غضون يومين مما يجعل الأمر مضمورًا في نية مبيتة وتؤيد ذلك عدة شواهد قانونية أخرى.
في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، أصدر الفريق عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي آنذاك قبل عزل “مرسي” قرارًا يحظر تملك أو حق الانتفاع أو الإيجار أو إجراء أي نوع من التصرفات في الأراضي والعقارات الموجودة بالمناطق الاستراتيجية ذات الأهمية العسكرية والمناطق المتاخمة للحدود الشرقية لجمهورية مصر العربية بمسافة 5 كيلو متر غربًا، ماعدا مدينة رفح والمباني المقامة داخل الزمام وكردونات المدن فقط، مما عده البعض تحركات غريبة من المؤسسة العسكرية، روج الإعلام لها حينذاك أنها للحفاظ على سيناء من أي تملك أجنبي ولكن أتت خطوات التهجير تسبق أي تملك أجنبي.
وفي هذا الأمر يؤكد خبراء أمنيون يختلفون مع الرواية الرسمية للدولة بشأن أمر التهجير أن قضية إخلاء جزء من سيناء هو خطر أكبر على الأمن القومي المصري، وذلك لأن قضية تعمير سيناء هي الحل الوحيد لمواجهة مشاكل القصور الأمني، وأن الحسابات السياسية المعقدة للدولة المصري والتوازنات التي تصر مصر على خلقها مع عدوها في الحدود الشرقية، هو ما يجعل ذلك عائقًا أمام تنمية هذا الأقليم وأن كل أحاديث الحكومة السابقة عن سيناء، وتنميتها كان مجرد حبر على الورق ولم يتم منه شيء؛ وهو ما يجعل سيناء مكشوفة تمامًا أمام أي عدو محتمل قادم من الشرق بدون أي ظهير سكني شعبي مصري، وأن خطوة التهجير لن تصب في مصلحة لا الدولة ولا حربها في سيناء.
كما يؤكد خبراء علم الاجتماع أن ذلك سيخلق عداء في نفوس أهالي المناطق المهجرة، وذلك بسبب حالة الاغتراب التي ستصيبهم مع مخاطر فقدان الهوية واللغة والتراث، بالإضافة لعملية الإفقار التي تصاحب دائمًا عمليات التهجير، مع ضعف وإنعدام أمر التعويض الذي تحدث البعض عنه بأنه 300 جنية كإيجار لشقة بديلة للمنزل المهدوم.
وبالفعل هذا ما حذر منه الجنرال السيسي مسبقًا في أحد الفيديوهات التي أُذيعت له، لكن لا يعلم أحد لما خالف هذا الكلام عندما خلع بذته العسكرية على مشارف كرسي الحكم.
وفي الرؤية الديموجرافية لسيناء من قبل العدو ذكر “مناحم بيجين” رئيس الوزراء الإسرائيلي إبان معاهدة السلام التي أُبرمت مع مصر 1979، حين سُئل عن سبب التخلي عن سيناء فكانت إجابته أن الطاقة البشرية الإسرائيلية لا تستطيع ملئ الفراغ في سيناء للحفاظ عليها بسبب مساحتها المترامية الأطراف، ولكي تحتفظ إسرائيل بسيناء عليها جلب أكثر من ثلاثة ملايين يهودي لشغل تلك المساحة وهو من المستحيل الآن.
فهكذا ترى إسرائيل سيناء من حيث الديموجرافية، وهذا ما لا يراه الجيش المصري في هذه الآونة ويرى أنه بمفرده يستطيع الحفاظ على سيناء.
علمونا ان الكثافه السكانيه علي الحدود هي حائط الصد وخط الدفاع الاول للبلد ..
— Aseer El Senawy (@AseerMoh) October 28, 2014
للتهجير تاريخ في مصر
التهجير في مصر ليس مستحدثًا من قبل الجيش، حيث عرفت مصر عمليات التهجير عقب هزيمة يونيو عام 1967 عقب احتلال سيناء، اضطر الجيش المصري حينها لإخلاء مدن القناة “الإسماعيلية وبورسعيد والسويس”، وهذه العملية تمت بطريقة اختيارية وإجبارية أثناء سنوات تعرف باسم حرب “الاستنزاف”؛ مما شكل مجموعة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للمهجرين في ربوع مصر.
كذلك عانى النوبيون في مصر من عمليات التهجير القسري، بدأت في عام 1902 مع بناء خزان أسوان ومع التعليات المتكررة للخزان في أعوام 1912 و1932، كذلك تورط الجيش في عام 1964 في عمليات تهجير موسعة للنوبيين في أعمال للسد العالي؛ مما أثار قضية تعاني منها الدولة حتى الآن ولكن الإعلام لا يسلط الضوء عليها.
أما إذا انتقلنا إلى الحاضر فتشكل قضايا جزيرة القرصاية ونزلة السمان في مصر الآن، قضايا تهجير قصري متكاملة الأركان، حيث طلب الجيش من 5 آلاف مزارع في جزيرة القرصاية إخلاء أراضيهم التي يعيشون عليها منذ 80 عامًا لصالح الجيش وبعض رجال الأعمال، حيث شكلت هذه القضية أزمة كبيرة بين الأهالي وقوات من الجيش، تم تحويل على إثرها عدد من المواطنين المعترضين على هذا التهجير إلى القضاء العسكري بتهم التعدي على عناصر من الجيش وما زالت القضايا منظورة أمام القضاء إلى الآن.
لم يختلف الحال كثيرًا في نزلة السمان في هذه الأثناء التي تريد الدولة متمثلة في هيئة الآثار إزالتها وتهجير سكانها قسريًا لصالح مشروعات سياحية، حيث يواجه الأهالي خطر التشريد بنوع من العنف تجاه الدولة لمنع حدوث التهجير القسري.
فهل ستكون قضية تهجير مواطني المناطق الحدودية صفحة جديدة في دفتر التهجير القسري في مصر؟!
مع كل مشكلة تهجر الناس! هجرتوا النوبة وبعدها قرية الابطال في اسماعيلية ودلوقتي سكان رفح، كل الي بتعمله هجر اقتل بس متفكرش! #التهجير_مش_حل
— Mahmoud Salmani (@Mahmoud_salmani) October 28, 2014
فيما أثارت هذه القضية حفيظة الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي، كتب العديد من النشطاء استنكارهم لهذا الحل الأمني المنفرد دون المشاورة المجتمعية، فيما أبدى العديد من المغردين تعاطفهم مع أهالي المناطق المهجرة ضد الدولة وذلك في شكل تدشين لبعض الهاشتاجات الخاصة بقضية سيناء مثل “#سيناء_خارج_التغطية” لنقل جميع الأحداث من الداخل السيناوي كما تم تدشين هاشتاج رافض لفكرة التهجير كحل تحت عنوان “#التهجير_مش_حل” حيث وصل هذا الهاشتاج لرقم واحد في تغريدات موقع تويتر على مستوى مصر:
قبل ما تهجرونى
احمونى دافعوا عن كرامتى
احفظوا قيمتى اعترفوا بجنسيتى
ساعدونى اكون انسان
خلونى اعرف ازاى احب الوطن#التهجير_مش_حل— Hadeel Gelbana (@gelbanahadeel) October 29, 2014
معظم الاهالى اللى حتمشى من بيوتها فاتحه دكاكين بتسترزق منها واللى مزارع واللى عياله ف مدارس واللى شغالين ف رفح يروحوا فين؟ #التهجير_مش_حل
— Walid (@7amidovich) October 29, 2014
لو احنا ضد الارهاب عشان بيموت الناس وبيدمر حياتهم وبيوتهم، يبقى ازاي نقاومه باننا نعمل نفس الشيء؟ #التهجير_مش_حل
— salma said (@salmasaid) October 29, 2014
رفح المصريه المحتله #التهجير_مش_حل pic.twitter.com/culyEtEjx7
— khaled abood (@khaled74abood) October 29, 2014
لو في واحد من أنصارك ورميته هو وأهله بره بيته ومدينته اللي عاش فيها طول حياته، أكيد هيتحول لعدو وهينتقم منك. #التهجير_مش_حل
— كريم فريد (@KareemFarid) October 28, 2014
المادة 63 من دستوررمصر 2014:
يحظر التهجير القسري التعسفى للمواطنين بجميع صوره وأشكاله ، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم.#التهجير_مش_حل— Gamal Eid (@gamaleid) October 28, 2014