ترجمة وتحرير: نون بوست
يشعر كثيرون بإعجاب شديد تجاه اللاعبين، ويعتقدون أنهم أبطال يمتازون بصفات تجعلهم قريبين من الكمال. ولكن الواقع بعيد عن ذلك، حيث أن تصرفات اللاعبين على أرض الميدان قد تتسم بالغرابة وحتى السذاجة، ويمكن تحليلها بواسطة علم النفس.
ويقول الكاتب بينس ناناي في هذا التقرير الذي نشرته مجلة “سايكولوجي توداي” الأمريكية، إن هنالك الكثير من الأشياء التي يمكن أن نتعلمها من الدورات الرياضية الكبرى، على غرار الألعاب الأولمبية وكأس العالم. وتستمتع الجماهير بمشاهدة الرياضيين وهم يظهرون مهاراتهم ويتحلون بالإصرار والعزيمة، إلى جانب ردود الأفعال العاطفية، والحضور الذهني الكبير أثناء المنافسة.
ولكن يضيف الكاتب أن دورة يورو 2020، التي تقام بشكل متأخر في الصيف الحالي، تقدم نظرة غير مسبوقة على دوافع اللاعبين وحالتهم الذهنية، من وجهة نظر علم النفس.
ويؤكد الكاتب أن كأس الامم الأوروبية تمتاز بأهمية كبرى، باعتبار أن ألقاب كأس العالم خلال 27 عام الماضية فازت بها كلها منتخبات أوروبية، باستثناء مرة واحدة. ولذلك فإن منافسات اليورو تكتسي أهمية تضاهي كأس العالم، وبدأت رقعة متابعيها تتسع شيئا فشيئا، حتى باتت تحظى باهتمام الجماهير في الولايات المتحدة.
ومن الأشياء الجديدة في اليورو 2020 هنالك استخدام تقنية التحكيم بالفيديو، والمسماة اختصارا الفار. في السابق كان الحكم يتحمل مسؤولية اتخاذ القرارات بشأن المخالفات وضربات الجزاء وإسناد الإنذارات والإقصاءات.
وكان الحكم مضطرا للركض في كافة أنحاء الملعب، بالاستعانة باثنين من حكام الخط، ولذلك كان منطقيا أن يرتكب بعض الأخطاء من وقت لآخر.
اللاعبين يعرفون بوجود هذه التقنية المتطورة، ولكنهم رغم ذلك يرتكبون بعض الحماقات
ولكن مع تطور التكنولوجيا وإدماجها في الرياضة، فإن يورو 2020 هو أول دورة رياضية كبرى يتم فيها تطوير نظام التحكيم باستخدام الفار. واليوم باتت هنالك مجموعة كبيرة من الحكام الخبراء، يجلسون داخل غرفة مغلقة ويشاهدون كل كبيرة وصغيرة، ويعيدون التثبت منها من زوايا مختلفة.
وإذا كان هنالك أي شك في وجود مخالفة، فلا بد أن إحدى الكاميرات قامت بتصوير الدليل على ذلك، وبالتالي يسهل اتخاذ القرار. حيث أن هذه التسجيلات تظهر بشكل فوري أمام التلفاز أمام الجماهير وحتى أمام المشجعين على الشاشات العملاقة داخل الملاعب.
ولكن بحسب الكاتب فإن الغريب في الأمر هو أن اللاعبين يعرفون بوجود هذه التقنية المتطورة، ولكنهم رغم ذلك يرتكبون بعض الحماقات. حيث أن اللاعبين أحيانا يسقطون على العشب ويتظاهرون بالتعرض لإصابة بليغة، في مشهد تمثيلي يرمي إلى التحصل على مخالفة والتسبب بطرد الخصم.
في المقابل فإن المدافعين بعد ارتكاب تدخلات عنيفة ضد خصومهم، دائما ما يعبرون عن استغرابهم من قرارات الحكم ويتمسكون بالبراءة. هذه السلوكات المضللة للحكم، كانت تنطلي عليه في الماضي، ولكن هذا لم يعد ممكنا مع وجود عشرات الخبراء الذين يتابعون كل التفاصيل ويهمسون للحكم في أذنه.
وإذا كان اللاعب قد ارتكب خطأ فلابد أن أحد زوايا الكاميرا سوف تظهر الأمر بشكل لا لبس فيه، والعالم كله سيرى ذلك، واللاعب سوف يبدو في موقف محرج.
ويتساءل الكاتب في ظل وجود هذه التقنيات المتطورة، لماذا يواصل اللاعبون إنكار الأمر عند القيام بتدخل عنيف، أو التظاهر بالسقوط والإصابة؟ وهنالك ثلاث تفسيرات محتملة لهذا السلوك غير العقلاني:
أولا قد يكون الأمر مجرد عادة أصبحت جزء من سلوك اللاعبين، حيث أنهم تعودوا منذ الصغر على القيام بهذه الخدع ومشاهدتها في المباريات، ولذلك من الصعب عليهم تغيير سلوكهم.
أن اللاعبين يقدمون على هذه السلوكات الغريبة ويمارسون التمثيل والإنكار، ليس من أجل خداع الحكم والمتفرجين، بل لأنهم لا يرغبون في تصديق أنهم مخطئون
ويقدم الكاتب تفسيرا ثانيا، يتعلق بالمحاولات اليائسة لتجنب اللوم، حيث أن اللاعب بعد ارتكاب خطأ أو محاولة تضليل الحكم، يقول في قرارة نفسه ربما لن تتمكن أي من الكاميرات من إظهار حقيقة ما حدث، بسبب وجود لاعب يحجب الرؤية على الكاميرا، أو بسبب قلة انتباه الحكام في غرفة الفار.
ولكن يضيف الكاتب، من وجهة نظر علم النفس، فإن التفسير الأكثر إثارة للاهتمام لا علاقة له بمظهر اللاعب أمام الآخرين، بل يتعلق بنظرته تجاه نفسه. حيث أن اللاعبين يقدمون على هذه السلوكات الغريبة ويمارسون التمثيل والإنكار، ليس من أجل خداع الحكم والمتفرجين، بل لأنهم لا يرغبون في تصديق أنهم مخطئون.
هذا النوع من الوهم العقلي، موجود لدى العديد من اللاعبين، حيث أنهم لا يريدون أن يتقبلوا فكرة تورطهم في ارتكاب تدخلات خشنة أو ممارسة الخداع، ولذلك يتمسكون بالإنكار ويقسمون بأغلظ الأيمان أنهم صادقون.
ويؤكد الكاتب على أنه من وجهة نظر علم النفس لا يمكن اعتبار هؤلاء اللاعبين أغبياء أو سذج، أو مبالغين في التفاؤل حول حدود تكنولوجيا الفار، بل كل ما في الأمر أنهم ينظرون لأنفسهم على أنهم لاعبون طيبون ويحترمون قواعد الروح الرياضية، تماما كما يحرص أي إنسان آخر على أن تكون نظرته تجاه نفسه إيجابية.
المصدر: سايكولوجي توداي