ترجمة: حفصة جودة
قضى نبيل 14 عامًا مغتربًا في المملكة العربية السعودية، لكن حياته تغيرت بشكل كبير عندما بدأت المملكة في فرض القيود على العمال الأجانب بما في ذلك فرض رسوم على عوائلهم، ما اضطره إلى إرسال أسرته لبلاده.
ظل نبيل – وعمره 41 عامًا – في السعودية بمفرده عاملًا في متجر لبيع منتجات “اصنعها بنفسك”، لكن بعد فترة وجيزة لم يعد يستطيع دفع المال الذي يدين به للسلطات السعودية وكفيله، يقول نبيل: “هناك الكثير من القيود والرسوم، لقد ازدادت الرسوم بينما قلّت الرواتب، لم يعد هناك مالًا كافيًا نرسله لأسرنا في اليمن”.
في السنوات الأخيرة فرضت السلطات السعودية قيودًا ورسومًا جديدة على العمال المغتربين كجزء من جهود السعودة ومن بينهم اليمنيون، ما دفع الآلاف منهم للعودة إلى بلادهم، عند عودتهم إلى اليمن وجد الكثير منهم بلادهم مدمرة بعد سنوات من الصراع، ولا توجد فرص عمل تساعدهم على الحياة.
حينها بدأ العديد منهم التوجه إلى القرن الإفريقي خاصة جيبوتي كأفضل ثاني خيار بعد السعودية، تقع جيبوتي عند خليج عدن جنوب غرب اليمن، ما يجعل الوصول إليها سهلًا، كما تتوافر فيها العديد من فرص العمل.
يقول نبيل: “جيبوتي بلد صغير وسكانها ليسوا أغنياءً، ومع ذلك فإن الدخل يكفينا ولا نحتاج لأن ندفع أي رسوم كأجانب”
وبينما كانت الرياض الوجهة المفضلة دائمًا، إلا أن عددًا كبيرًا من اليمنيين يعيشون في جيبوتي حتى قبل بدء عدوان التحالف السعودي على اليمن في 2015.
السعودة تترك اليمنيين في مأزق
يبدو أن الرأي العام عن السعودية قد تغير في اليمن، يقول نبيل إن موقفه الصعب سببه السعودة، تلك السياسة الاقتصادية التي تطلب من الشركات السعودية توظيف قوى عاملة أغلبها من السعوديين.
كما يعتقد أن هذه القيود والرسوم الجديدة مجرد محاولة لإجبار المهاجرين على ترك البلاد، فرضت السعودية رسومًا في يوليو/تموز 2017، إذ يجب على العمال الأجانب دفع 100 ريال سعودي (27 دولارًا) كل شهر عن كل فرد من الأسرة يعيش داخل البلاد، تضاعفت الرسوم لتصبح 200 ريال (53 دولارًا) شهريًا في 2018 ثم 300 ريال (80 دولارًا) في 2019، ومن المقرر أن تصل إلى 400 ريال (106 دولارات) في 2021.
في يناير/كانون الثاني 2018 بدأت المملكة في فرض رسوم شهرية على الشركات وذلك بدفع 400 ريال سعودي عن كل عامل أجنبي في الشركة، أما الشركات التي توظف عدد سعوديين أكبر أو مساو للأجانب فتدفع 300 ريال فقط.
ازدادت تلك الرسوم لتصبح 500 و600 ريال عن كل عامل ومن المقرر أن تصل إلى 700 و800 ريال في 2021، غادر نبيل السعودية إلى اليمن في بداية 2021 وحاول البحث عن عمل في بلاده دون فائدة، لذا قرر السفر إلى أي مكان آخر ليجد مصدرًا للدخل لإعالة أسرته.
وفقًا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، هناك نحو 5129 يمنيًا في جيبوتي يعيش نصفهم في مخيم مركزي للاجئين شمال مدينة أوبوك الساحلية
يقول نبيل: “اختار بعض الأصدقاء جيبوتي وبدأوا بالفعل عملهم هناك لأنهم يعرفون بعض اليمنيين الذين يعملون فيها منذ عقود، في الحقيقة لم تكن جيبوتي خيارًا مطروحًا بالنسبة لي في الماضي، فبنيتها التحتية والبيئة بأكملها ليست جيدة مثل السعودية لذا لم أحلم بالذهاب هناك”.
لكن أفكار نبيل تغيرت وأدرك أن البديل الوحيد هو البقاء عاطلًا عن العمل، لذا في أبريل/نيسان قرر الرحيل إلى جيبوتي مع بعض أصدقائه ممن قرروا مغادرة السعودية أيضًا، يقول نبيل: “لقد بدأنا عملًا جديدًا مثلما فعلنا من قبل في السعودية”.
بلد منفتحة
كان العمل في جيبوتي أفضل مما توقعه نبيل، فقد قابل العديد من زملائه اليمنيين وساعدوه على الانتقال، يقول نبيل: “جيبوتي بلد صغير وسكانها ليسوا أغنياءً، ومع ذلك فإن الدخل يكفينا ولا نحتاج لأن ندفع أي رسوم كأجانب”.
لكن هناك عقبة كبيرة واجهتهم وهي تعلم اللغة المحلية، فرغم أن العربية والفرنسية اللغتان الرسميتان في جيبوتي، فإن الصومالية والعفرية هما الأكثر شيوعًا في الحديث بين الناس.
يقول نبيل: “كنت أعتقد أنني سأتواصل مع الناس بالعربية، لكن القليلين يفهمونني، لذا ما زلت أعاني في ذلك وأبذل كل جهدي لتعلم اللغة المحلية”، وأضاف أنه يخطط لبدء عمله الخاص في جيبوتي، فمن السهل أن تبدأ عملًا خاصًا مقارنة بالسعودية.
“أنصح كل شخص عاطل في اليمن سواء كان عاملًا في السعودية أم غيرهم أن يحاولوا السفر خارج اليمن، وجيبوتي خيار جيد جدًا”.
يقول خالد فاضل وهو يمني آخر قضى 8 سنوات في السعودية وعاد إلى اليمن العام الماضي إن جيبوتي قد لا تكون وجهته المفضلة، لكنها أكثر خيار متاح.
للوصول إلى جيبوتي يحتاج المسافرون اليمنيون نحو 300 دولار من أجل رسوم التأشيرة والتنقل، ومع ذلك يقول فاضل محذرًا أنهم يحتاجون إلى شخص مقيم هناك يساعدهم في العثور على عمل، وإلا سيعانون عند وصولهم.
رغم ذلك فليس كل اليمنيين في جيبوتي يسافرون إليها للبحث عن عمل، فوفقًا لوكالة الأمم المتحدة للاجئين، هناك نحو 5129 يمنيًا في جيبوتي يعيش نصفهم في مخيم مركزي للاجئين شمال مدينة أوبوك الساحلية، يعيش في المخيم الفئات الأكثر ضعفًا مثل كبار السن وذوي الإعاقة وفقًا لمركز مراقبة النزوح الداخلي “IDMC“.
يقول فاضل: “لا يعيش كل اليمنيين بشكل مريح في جيبوتي، فمن لا يعلم أحدًا هناك ينتهي به الأمر في مخيم مدينة أوبوك أو يعاني ليجد مكانًا في المدينة”، وأوضح أنه تمكن من الاستقرار بسهولة لأن لديه معارف وبسبب سنوات الخبرة من عمله ككهربائي في اليمن والسعودية.
قبل 2015 اعتاد اليمنيون دخول السعودية بشكل غير قانوني بمساعدة المهربين، لكن منذ بداية الحرب بين المتمردين الحوثيين والتحالف بقيادة السعودية، أصبحت الحدود بين اليمن والسعودية مغلقة بإحكام.
يقول القرشي: “الكل يفكر من وجهة نظره، لقد سمعنا عن لاجئين إفريقيين في اليمن، وسمعنا عن لاجئين يمنيين في إفريقيا”.
الآن يسعى المزيد من اليمنيين إلى السفر لجيبوتي بعبور مضيق باب المندب الضيق، وفي أبريل/نيسان 2021 مات عشرات اليمنيين بالبحر في أثناء محاولة العبور إلى جيبوتي.
جيبوتي تغيرت
يعيش المغترب اليمني أحمد القرشي – في الستينيات من عمره – في جيبوتي منذ أكثر من 20 عامًا، ويقول إن جيبوتي اليوم تختلف عن جيبوتي قبل 2015، ويضيف: “قبل الحرب كان اليمنيون يفضلون السفر إلى السعودية، القليل منهم فكر في جيبوتي لأن لديهم أقارب يعملون هناك وأنا كنت واحدًا من هؤلاء”.
يعمل والد القرشي والعديد من أقاربه في التجارة بجيبوتي منذ عقود، لقد تعلموا اللغة المطلوبة للتعامل مع الزبائن، ما سهل اندماجهم، يقول القرشي: “إننا تجار وعادة ما نصدر البضائع من اليمن إلى جيبوتي، ونحن نملك متجرًا ناجحًا للأقمشة”.
أضاف القرشي أن العديد من اليمنيين سمعوا عن التجار في جيبوتي وأعتقدوا أنهم سيصبحون أغنياءً بمجرد وصولهم، خلال الخمس سنوات الأخيرة دخل الكثير من اليمنيين جيبوتي لكن لم يكن هناك فرص عمل للجميع وانتهى الأمر ببعضهم دون عمل.
يقول القرشي: “جيبوتي ليست مثل السعودية، في السعودية يمكنك العمل من أول يوم تصل فيه، لكنك هنا تحتاج إلى وقت تتعلم فيه اللغة وتفهم العمل جيدًا”.
إحدى المفارقات التي لاحظها المقيمون في جيبوتي منذ فترة أن اللاجئين يتدفقون من كلا اتجاهي مضيق باب المندب البالغ عرضه 30 مترًا، يقول القرشي “تضم جيبوتي لاجئين من اليمن والقرن الإفريقي، وقد سمعت من لاجئين إفريقيين أنهم يسعون للسفر إلى اليمن ومنه إلى السعودية، بينما يرغب اليمنيون في الذهاب إلى الاتجاه المقابل والسفر إلى إثيوبيا ومنها إلى دول أخرى”.
“الكل يفكر من وجهة نظره، لقد سمعنا عن لاجئين إفريقيين في اليمن، وسمعنا عن لاجئين يمنيين في إفريقيا”، يعتقد القرشي أن الحرب دفعت اليمنيين لمغادرة بلادهم كلاجئين وليس كمغتربين.
يقول القرشي: “قبل 2015 لم يكن اليمنيون يفضلون جيبوتي ولم تكن هناك بطالة بين اليمنيين في جيبوتي تقريبًا، لكن هذه الهجرة الجماعية الضخمة للبلاد جعلت العديد من اليمنيين يبقون بلا عمل”.
المصدر: ميدل إيست آي