صادق البرلمان التونسي، الأسبوع الماضي، بالأغلبية على استحداث مقر لصندوق قطر للتنمية بموجب اتفاقية شراكة بين البلدين، ما أثار جدلًا كبيرًا في البلاد بين رافض لها واصفًا الاتفاقية بالاستعمارية، ومؤيد بقوة لها بحكم قدرة الصندوق على الدفع بالاقتصاد التضامني في تونس، وإيجاد فرص استثمار جديدة، فما الذي يمكن أن يقدمه الصندوق القطري لتونس؟
جدل كبير
بدأ الجدل خلال الجلسات العامة التي خصصت للمصادقة على الاتفاقية يومي الثلاثاء والأربعاء، إذ حاول العديد من النواب تعطيل الجلسات عبر الاعتصامات وممارسة العنف اللفظي ضد زملائهم واتهامهم بالعمالة لقطر، حتى إن بعض النواب سيطروا على منصة رئاسة البرلمان، ما حال دون عقد الجلسة في موقعها الأصلي، حيث نُقلت الجلسة إلى المبنى الفرعي.
كما شهد البرلمان في أثناء التصويت على فصول الاتفاقية إقدام نواب كتلة الدستوري الحر بقيادة عبير موسي على احتجاز معدات التصوير التابعة لمؤسسة التلفزة التونسية وتعطيل نقل الصورة المباشرة لردهات الجلسة العامة.
يرى العديد من التونسيين أن هذه الاتفاقية بمثابة جرعة أكسجين لاقتصاد بلادهم المتعثر
صادق البرلمان على الاتفاقية بـ122 صوتًا وتحفظ وحيد و12 رفضًا، لتبدأ التصريحات والبيانات الرافضة في الصدور، إذ وصف بعض النواب الاتفاقية بأنها “تمس السيادة الوطنية” وتفتح الطريق أمام استعمار البلاد، فيما قال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري إن الاتفاقية تأتي في سياق التمكين وتبييض الأموال وتجارة ”الشنطة وبسط الهيمنة”.
ويعتبر مكتب تونس أول مكتب لصندوق قطر للتنمية خارج الدوحة، ويأتي إطلاق المكتب وفق مذكرة تفاهم تم إبرامها بين الصندوق والحكومة التونسية على هامش المؤتمر الدولي “تونس 2020” الذي انتظم عام 2016.
جرعة أكسجين للاقتصاد
في مقابل ذلك، يرى العديد من التونسيين أن هذه الاتفاقية بمثابة جرعة أكسجين لاقتصاد بلادهم المتعثر، إذ ستمنح الاتفاقية الاقتصاد التونسي امتيازات كبرى ستمكنه من معالجة بعض الأزمات التي يعاني منها منذ سنوات عدة.
ويعرف الاقتصاد التونسي مشاكل كبرى، تؤكدها العديد من المؤشرات، أبرزها نسبة الانكماش التي وصلت 3% في الربع الأول من عام 2021 بالموازنة مع العام السابق، وغلقه السنة الماضية بنسبة انكماش فاقت 8%.
?المصادقة على مشروع قانون أساســـي يتعلق بالموافقة على اتفاقية مقر بين حكومة الجمهورية التونسية وصندوق قطر للتنمية حول فتح مكتب لصندوق قطر للتنمية بتونس بـرمته بـ 122 نعم 01 احتفاظ و12 رفض
— مجلس نواب الشعب – تونس ?? (@ARPtn) June 30, 2021
فضلًا عن ارتفاع نسبة البطالة إلى 17.8% خلال الثلاثي الأول من السنة الحاليّة بعد أن كانت في حدود 17.4% خلال الثلاثي الرابع من السنة الماضية، إلى جانب تراجع تصنيف البلاد الائتماني، ففي آخر تقرير لوكالة موديز (Moody’s) الأمريكية، تم تخفيض تصنيف تونس الائتماني من “بي2” (B2) إلى “بي3” (B3)، مع نظرة مستقبلية سلبية.
التراجع يُفهم أيضًا من خلال عجز تونس عن دفع أقساط القروض والفوائد المترتبة عليها دون الحصول على قروض جديدة من السوق العالمية، إذ بلغ حجم المديونية قرابة 92% دون اعتبار مديونية المؤسسات العمومية التي باحتسابها تفوق نسبة المديونية 100% من الناتج الداخلي الخام.
وتعول تونس على ما سيقدمه الصندوق القطري للتنمية، حتى يتحسن اقتصادها المتعثر، نتيجة أسباب عدة منها تواصل انتشار فيروس كورونا في البلاد وتواصل إجراءات الغلق مع ضعف التلقيح، دون أن ننسى الأسباب الهيكلية والإجراءات البيروقراطية واللوبيات المسيطرة على الاقتصاد.
مشاريع متعددة في تونس
هذا الأمل في إنعاش الاقتصاد التونسي، ناتج عن سمعة الصندوق القطري والاستثمارات المنجزة في تونس إلى حد الآن، إذ بلغت القيمة الإجمالية لتمويلات صندوق قطر للتنمية منذ مباشرته نشاطه في تونس ما يقارب 100 مليون دولار، ويعمل مكتب صندوق قطر للتنمية بتونس منذ عام 2016 بمقتضى مذكرة تفاهم.
من أبرز المشاريع قيد الإنجاز لصندوق قطر للتنمية بتونس مدينة عمر المختار السكنية بمنطقة السيجومي بقيمة 29 مليون دولار، ويتمثل المشروع في بناء 810 مساكن اجتماعية في منطقة السيجومي التابعة لولاية تونس، موزعة على 10 عمارات بمساحة 70054 مترًا مربعًا.
كما تعهدت المؤسسة القطرية بتمويل مشروع منصة الإنتاج الفلاحي بسيدي بوزيد، بقيمة 15 مليون دولار (أي ما يعادل 41 مليون دينار)، وهي منصة تهم 15 ألف فلاح، فضلًا عن تمويل جزء من مشروع المدينة الصحية “الأغالبة” بالقيروان.
تعول تونس على فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي مع قطر بعد قطع أشواط مهمة خلال السنوات الماضية في هذا المسار
إلى جانب ذلك، تعهد صندوق قطر للتنمية ببناء وتجهيز مستشفى للأطفال متعدد الاختصاصات بمحافظة منوبة بقيمة 82 مليون دولار، دون أن ننسى إنجاز الصندوق العديد من المشاريع المهمة في مجال البنية التحتية والتمكين الاقتصادي ضمن خطة التمويل المقدرة بنحو 250 مليون دولار، كما وفر استثمارات مهمة لتمويل مشاريع جديدة للشباب وبلغ عدد المستفيدين 39 ألفًا بين مواطن شغل مباشرة وغير مباشرة.
كما وقع صندوق قطر للتنمية أواخر سنة 2018، على 5 اتفاقيات شراكة بقيمة 15 مليون دولار، مع مؤسسات بنكية ومالية تونسية وهي الزيتونة تمكين وإيندا تمويل وأسد تمويل وميكروكراد، وبنك تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة سيستفيد منها أكثر من 100 ألف شاب وشابة.
قطر الأولى عربيًا
آمال التونسيين كبيرة، بخصوص التعاون مع صندوق قطر للتنمية ومع دولة قطر ككل، إذ تعتبر دولة قطر من أبرز الداعمين لتونس منذ ثورة يناير 2011، فقد قدمت لها مساعدات كبيرة وعملت على الاستثمار في تونس وتنمية اقتصاد هذه الدولة العربية.
تعتبر قطر من أهم المستثمرين في تونس وأبرز المساهمين في المشاريع التنموية والاجتماعية، حيث يبلغ حجم الاستثمارات القطرية المباشرة إلى نهاية 2018 أكثر من مليار دولار في مجالات الاتصالات والبنوك والسياحة والعقارات.
وتحافظ قطر على ريادتها في تونس، فهي الدولة العربية الأولى والثانية عالميًا من حيث حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في تونس، إذ تستحوذ استثماراتها على نحو 43% من مجموع الاستثمارات الخارجية في البلاد، وتتوزع الاستثمارات القطرية في تونس بين قطاعات السياحة والخدمات والاتصالات إلى جانب استثمارات في المحافظ المالية والبنوك.
إلى جانب ذلك، قفزت الصادرات القطرية إلى تونس 6 مرات بين 2011 و2019، فيما عرفت صادرت تونس نحو قطر في نفس الفترة تطورًا كبيرًا، فتضاعفت 10 مرات وأصبحت البضائع والسلع التونسية أكثر حضورًا في الأسواق القطرية، وتستقبل قطر 25 ألف تونسي، ومن المنتظر أن يتضاعف هذا العدد.
وتجمع بين تونس وقطر أكثر من 80 اتفاقية تعاون اقتصادي من بينها 10 اتفاقيات تم توقيعها سنة 2019، كما تم التوقيع على العديد من الاتفاقات عام 2016 بمناسبة الندوة الدولية للاستثمار 2020 التي جرت في تونس برعاية قطرية، فيما يعود تاريخ أول اتفاقية بين البلدين إلى عام 1982.
تعول تونس على فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي مع قطر بعد قطع أشواط مهمة خلال السنوات الماضية في هذا المسار، خاصة أن تونس تحتاج إلى دعم مالي من شركائها الخارجيين لإنقاذ اقتصادها المتهالك.