ترجمة وتحرير: نون بوست
الوضع في أفغانستان متقلب للغاية. حتى قبل إخلاء قاعدة باغرام الجوية سيئة السمعة، كانت طالبان تطوق المدن الأفغانية الرئيسية. وعلى الرغم من أن القوات الأفغانية مدربة تدريبا جيدا وأفضل تسليحا، إلا أنها عادة ما تفضل الهروب بدلا من مقاومة هجمات طالبان.
قال الرئيس الأمريكي في مقابلة إنه قرر مغارة أفغانستان لأن هدف القضاء على أسامة بن لادن قد تحقق إلى جانب إضعاف القاعدة. كانت القوات الأوروبية قد غادرت أفغانستان قبل ذلك بهدوء. هكذا، تواجه الحكومة الأفغانية الآن التحدي الصعب المتمثل في مواجهة طالبان بحوالي 25 ألف جندي و650 من مشاة البحرية الأمريكية. الولايات المتحدة الآن مهتمة أكثر بإنقاذ حوالي 50 ألف متعاقد (من المترجمين والمخبرين وأمثالهم).
في تصريحاته الصحفية، تفاخر الرئيس الأمريكي بأن الولايات المتحدة حققت الهدف الأساسي المتمثل في القضاء على أسامة بن لادن وإضعاف نفوذ القاعدة. غير أن الأفغان الأغنياء، الذين يبحثون عن مستقبل أفضل، يشعرون بأنه تم خداعهم. كانوا يعتقدون أن الولايات المتحدة تتوق إلى محاربة الظلامية وتحويل المجتمع الأفغاني إلى نظام حكم مستنير نابض بالحياة.
إنهم يشككون الآن في تكاليف الحرب من حيث الأموال والخسائر البشرية. أنفقت الولايات المتحدة 2.261 تريليون دولار أمريكي على الحرب الأفغانية خلال الفترة من 2001 إلى نيسان/أبريل 2021. قتل حوالي 143868 شخصا؛ كان من بينهم 2442 من أفراد الجيش الأمريكي، 3846 من المتعاقدين، و1144 من القوات الأخرى والحلفاء، و69 ألفا من قوات الجيش والشرطة الأفغانية، و51191 من طالبان، و47245 من المدنيين الأفغان.
لم تلاحظ الحكومة الأفغانية أن حركة طالبان أصبحت مرنة خلال الحرب. لقد كانت تقدم تنازلات ليس فقط مع الأمريكيين، ولكن أيضا مع تحالف الشمال
السبب الحقيقي لقرار الخروج
لم تعد الأمهات الأمريكيات على استعداد لدفن أولادهن في صناديق الألمنيوم في مقبرة أرلينغتون بعد الآن. أصبحت الأمهات الأمريكيات منهكات من الحرب بعد تلقي 58200 جثة خلال حرب فيتنام. يعتقد غالبية الأمريكيين أن الولايات المتحدة فشلت في تحقيق أهدافها في أفغانستان (استطلاع مركز بيو للأبحاث). لقد سئموا الحروب التي أطلقها رؤساء الولايات المتحدة، وقد أثرت هذه القضية على الانتخابات الرئاسية أيضا.
سوء تقدير الحكومة الأفغانية
افترضت الحكومة الأفغانية أن الأمريكيين لن يغادروا أفغانستان أبدا، ولم يبرموا أي صفقة مع طالبان. لم تجهز الحكومة نفسها للاستفادة القصوى من التدريب والمعدات التي قدمها الأمريكيون، ولم تحاول قط أن تصبح قوة قابلة للحياة بعد الخروج الأمريكي.
لم تلاحظ الحكومة الأفغانية أن حركة طالبان أصبحت مرنة خلال الحرب. لقد كانت تقدم تنازلات ليس فقط مع الأمريكيين، ولكن أيضا مع تحالف الشمال. لم تعد طالبان تحت النفوذ الباكستاني بشكل كامل، وقد عقدت مفاوضات حتى مع الهند. من ناحية أخرى، قدم الأمريكيون العديد من التنازلات لطالبان، وبدؤوا بتجاهل نداءات الاستغاثة من القوات الحكومية تحت نيران طالبان. اعتادت طالبان الإطاحة بقرابة 20 إلى 40 ضحية من القوات الأفغانية كل يوم.
لماذا خسرت الولايات المتحدة؟
الكارثة الأفغانية هي النتيجة التراكمية لسوء الإدارة الشاملة للحكومة الأفغانية وتغيّر الأهداف الأمريكية.
لماذا تروق رواية طالبان لكثيرين
طالبان ترى الولايات المتحدة معتدية. إنهم يجدون الإلهام في سورة الحج الآية (29ـ30): “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴿٣٩﴾ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللهُ”.
يقول مقاتلو طالبان: “الأمريكيون لديهم الساعات، لكن لدينا الوقت”. في الواقع، يشبه تفكير طالبان تفكير فون نجوين جياب حين قال: “يمكن أن أخسر كل معركة وأن أفوز في الحرب. أدرك وزير الدفاع الأمريكي روبرت ماكنمارا أنني كنت أتحكم في تواتر وحجم الاشتباكات لزيادة خسائري إلى حد أدنى بقليل من معدل المواليد، بهذه الطريقة يمكن للفيتناميين أن يحاربوا إلى الأبد.” (نايجل كاوثورنر، “النصر: 100 قائد عسكري عظيم”، 2003، دار آركتوروس للنشر، لندن).
إلى متى يمكن أن تستمر حكومة أشرف غني؟
اعترف غني خلال برنامج “60 دقيقة” أنه “بدون دعم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي”، ستسقط حكومته في غضون ستة أشهر؛ وفي حوار آخر “ستسقط في غضون ستة أيام” (نيوزويك 24 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 6 كانون الأول/ ديسمبر 2018، صفحة 27). مع تسييج الحدود الأفغانية، قد يتعين نقل أكثر من 30 ألف “خائن” فار (إلى جانب القوات ومقاولي بلاك ووتر) جوا إلى عُمان وقطر والبحرين من خلال الألوية المحمولة جوا والأسطول الخامس للولايات المتحدة، إذا انتصرت طالبان. أكثر من 60 بالمئة من مساحة البلاد أصبحت بالفعل تحت تأثير طالبان.
دروس التاريخ
التاريخ إلى جانب طالبان. أثبتت القوات الأمريكية البالغ عددها 18 ألفا، بالإضافة إلى 27 ألف متعاقد (بلاك ووتر)، أنها فريسة سهلة. على الرغم من إغراء زعماء النخبة بالدولار، فإن غالبية الأفغان ينعمون بعقل مستقل ويكرهون الهيمنة الأجنبية. في سنة 1842، اختفى 16 ألف جندي بريطاني، وفي سنة 1942 (الحرب العالمية الثانية)، فشل البريطانيون مرة أخرى في إضفاء الطابع الحضاري على أفغانستان (باستعمال السلاح). عندها، أدركت بريطانيا أن “الخمول المتقن” هو أفضل سياسة تجاه أفغانستان.
بعد عقود من القتال، اتضح للولايات المتحدة أن التدخل في أفغانستان كان مغامرة لا طائل منها
تُعرف أفغانستان عموما باسم مقبرة الإمبراطوريات. حاول العديد من الحكام التغلب عليها لكنهم لم ينجحوا، بل عانوا من خسائر كبيرة. فقد جنكيز خان ابنا أثناء حصار باميان، وكان على الإسكندر الأكبر التراجع بسرعة. في القرن التاسع عشر، غزت “بريطانيا العظمى” أفغانستان في ذروة قوتها، لكنها تعرضت للإهانة ولم تهاجم أفغانستان مرة أخرى، بل احتمت في ظل استراتيجية “الخمول المتقن”.
من جهته، هرع الاتحاد السوفيتي السابق بقواته إلى أفغانستان لمساعدة الحكومة الأفغانية الضعيفة. ردا على ذلك، حشدت الولايات المتحدة وحلفاؤها المقاومة الأفغانية (المجاهدين) لمحاربة القوات السوفيتية، مما أدى إلى هزيمة الاتحاد السوفيتي وانسحابه من الأراضي الأفغانية. وفي الوقت نفسه، تمردت العديد من الدول الموالية للاتحاد السوفيتي، مما أدى انهيار العديد من الجمهوريات وحصر الاتحاد في روسيا. وبعد رحيل السوفييت، ظهرت حكومة طالبان على رأس القيادة.
هاجمت القوة العظمى الوحيدة، الولايات المتحدة، أفغانستان لإسقاط طالبان. كان السبب الظاهري هو أن طالبان قد آوت أسامة بن لادن، العقل المدبر لهجوم 11 أيلول/ سبتمبر على البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي في نيويورك. لم يكن لدى طالبان رد على القصف الجوي المتواصل، وانهارت حكومتهم في نهاية المطاف. لفترة، بدا الأمر كما لو أن القوة الأفغانية التي لا تقهر مجرد أسطورة. بعد عقود من القتال، اتضح للولايات المتحدة أن التدخل في أفغانستان كان مغامرة لا طائل منها.
كيف تم إضعاف الحكومة الأفغانية؟
كانت الحكومات الأفغانية الموالية للغرب مهتمة بجني الأموال أكثر من محاربة طالبان. على غرار الجنود الأمريكيين، أدرك المتدربون الأفغان أيضًا أنه من المفيد التواطؤ مع طالبان والسماح للمزارعين بزراعة الخشخاش. لقد أصبحت أفغانستان دولة كليبتوقراطية يعتمد فيها كل منصب حكومي على السلطة والمحسوبية.
تنتج أفغانستان 92 بالمائة من الخشخاش في العالم، مع تصدير ما يعادل 3500 طن على الأقل سنويا. تم تأمين هذه التجارة من قبل شخصيات متنفذة مثل أحمد ولي كرزاي، شقيق الرئيس السابق حامد كرزاي. وخلص ىمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى وجود علاقة سببية بين زراعة الخشخاش والجماعات المسلحة.
تختار الحكومة الأفغانية حكام مقاطعات غير صارمين، ويقدم هؤلاء الحكام تقارير وهمية لوكالات الأمم المتحدة حول إنجازاتهم في وقف زراعة الخشخاش في مراحلها المختلفة.
جناح البحث والتحليل الهندي
في الحقيقة، تزداد زراعة الخشخاش في أفغانستان ازدهارا من يوم إلى آخر. يخدم الحكام مصالحهم الذاتية أكثر من الأهداف الوطنية، وهذه التجارة منبع أموال من جميع الجهات، بما في ذلك وكالة الاستخبارات الهندية وجناح البحث والتحليل الهندي الذي يهتم بتوجيه الأفغان المؤثرين ضد باكستان، ودسّ الجماعات المسلحة في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان، أكثر من اهتمامه بوقف إنتاج الخشخاش، وهو يدرك أن هذه الغاية تبقى بعيدة المنال.
الخشخاش.. تجارة مربحة
بصرف النظر عن مكائد جناح البحث والتحليل الهندي، فإن مشكلة زراعة الخشخاش تتطلب نظرة فاحصة. يرتكز اقتصاد أفغانستان على الزراعة بالأساس، ويساهم إنتاج الخشخاش بنسبة 35 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان مقارنة بنسبة محاصيل الحبوب التي تبلغ حوالي 27 بالمائة فقط.
كيف سيكون رد فعل طالبان الباكستانية المتمردة والعناصر المتمردة في بلوشستان على انسحاب الولايات المتحدة؟ هل ستتقبل حكومة أشرف غني والعملاء الآخرين خروج الولايات المتحدة؟
لا يوجد مصانع يمكن ذكرها، ولم يتم إنشاء بنية تحتية صناعية ملموسة لتعزيز الاقتصاد الأفغاني. أفغانستان هي واحدة من أقل البلدان نموا في العالم وأفقرها في آسيا. فيما يتعلق بتسلسل ماسلو الهرمي للاحتياجات، فإن غالبية سكان البلد غير قادرين على توفير الاحتياجات المادية (الطعام والملبس والمأوى).
تعتبر زراعة الخشخاش بمثابة السبيل الرئيسي للأمن المادي. هناك علاقة تكافلية بين احتياجات الناس للأمن الاجتماعي والاقتصادي وزراعة الخشخاش. ينشغل غالبية السكان بكيفية البقاء على قيد الحياة وضمان الأمن الغذائي من خلال العمل في زراعة الخشخاش.
على الرغم من ذلك، فإنهم يجدون صعوبة في تغطية نفقاتهم. يعتمد نظام الإنتاج الزراعي في الغالب على هطول الأمطار الموسمية، لكن إدارة المياه سيئة للغاية. على هذا النحو، فإن الإنتاجية تنخفض في كل هكتار. في الواقع، يعيق نظام الزراعة التقليدي الذي يعود إلى قرون ماضية تقدم اقتصاد البلاد.
وحده الخشخاش المحصول المفضل الذي يضمن الأمن المادي وليس القمح أو الكمون الأسود أو بعض المحاصيل الأخرى. يمكن أن يطلق على الحكومة الأفغانية “نقابة الدفاع عن الخشخاش” بسبب عدم اهتمامها بوقف إنتاجه. ويبدو أن الحكام هم الأوصياء على أراضي زراعة الخشخاش، فكيف يمكن لهذه الفئة أن تضر بمصلحتها؟
ملاحظات ختامية
قد يظل السلام في أفغانستان بعيد المنال لبعض الوقت بسبب وضعها المعقد. هناك العديد من أصحاب المصلحة، فإلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، هناك باكستان وطالبان والهند (ميناء جابهار) وإيران والصين وتركيا. الاقتصاد الأفغاني في وضع متدهور ويحتاج إلى دعم اقتصادي.
هل تستطيع الولايات المتحدة إنفاق 43 مليار دولار من أجل تنمية أفغانستان؟ هل تستطيع الصين والهند وإيران وتركيا معًا (إلى جانب الولايات المتحدة) بدء مشروع مارشال جديد في أفغانستان التي مزقتها الحرب لتجنب تضارب المصالح؟ ماذا عن الجيش الأفغاني الذي يتكون من 250 ألف جندي بعد خروج طالبان؟ ألن يكون هناك أثر غير مباشر للشريعة التي تفرضها طالبان على باكستان الحداثية؟ كيف سيكون رد فعل طالبان الباكستانية المتمردة والعناصر المتمردة في بلوشستان على انسحاب الولايات المتحدة؟ هل ستتقبل حكومة أشرف غني والعملاء الآخرين خروج الولايات المتحدة؟
المصدر: مودرن ديبلوماسي