يتكرر المشهد من جديد في حي آخر من أحياء مدينة القدس، فبعد حي البستان يخوض حي بطن الهوى داخل قرية سلوان الواقعة جنوب المسجد الأقصى خارج أسوار البلدة القديمة في مدينة القدس، معركة تهجير عشرات العائلات الفلسطينية من منازلها ومنحها للمستوطنين.
كما أسلفنا في المقال الماضي حي البستان.. مخططات تهويدية لإنشاء حديقة قومية! أن قضية بيوت “حي البستان” المهددة بالهدم بحجة عدم الترخيص انتهت مهلتها مطلع الأسبوع الحاليّ، إلا أن قضية حي “بطن الهوى” يدعي فيها الاحتلال عدم ملكية الفلسطينيين لأراضيهم بحجة أن الأرض كانت تابعة فيما مضى إلى يهود اليمن، في تشابه كبير بينها وبين قضية حي الشيخ الجراح.
نتعرف في هذا المقال على حي “بطن الهوى” ضمن أحياء سلوان والمخاطر التهويدية التي يتعرض لها سكان الحي والخطط الإسرائيلية الرامية إلى إفراغ الأهالي من بيوتهم والمعارك القانونية والسياسية التي يخوضونها.
تعرضت 86 عائلةً تضم نحو 750 فردًا يعيشون في 15 بنايةً لخطر التهديد والتهجير القسري، وإذا نجحت الجهود الإسرائيلية والجمعيات الاستيطانية في تهجير أهالي حي بطن الهوى، سيؤدي ذلك لتحويله إلى مستوطنةٍ ضخمة تتصل مباشرةً بمستوطنة رأس العامود شرقًا وبالبؤر الاستيطانية في حي وادي حلوة غربًا، لذلك فالحي مكان إستراتيجي بالنسبة للمستوطنين.
عن حي بطن الهوى
يعتبر حي أو جبل بطن الهوى امتدادًا لجبل الزيتون، ويقع في الزاوية الشرقية للقدس فيفصله عنها وادي سلوان الذي يتصل بوادي قدرون في النقطة نفسها، وبعد احتلال قرية سلوان عام 1967 صادر الاحتلال ما يزيد على 73 ألف دونم من أراضيها لإقامة المستوطنات والطرق الالتفافية.
وبدأ الاستيطان في بلدة سلوان ببؤرتين في حي بطن الهوى عام 2004، عندما استولت جمعية “عطيرت كوهنيم” الاستيطانية، على منزل يعود لعائلة الرجبي، فوضعت الجمعية الاستيطانية أول موطئ قدمٍ لها في الحي، أضيف لها مركز شرطي للحراسة، ثم تصاعدت عام 2014 عدد البؤر الاستيطانية، لتبلغ 6 بؤر استيطانية تعيش فيها 23 عائلةً من المستوطنين، وفي غضون 3 سنوات ازدادت نسبة الاستيطان في الحي ليصل العدد إلى 30 عائلةً من المستوطنين.
تزعم جمعية “عطيرت كوهنيم” الاستيطانية أن ملكية المنازل في الحي تعود ليهود اليمن قبل عام 1948، وافتتحت عام 2018 في الحي “مركز تراث يهود اليمن” بادعاء أن كنيسًا يعود ليهود اليمن كان قائمًا بالمكان وحمل اسم “بيت العسل” قديمًا.
إن سكان حي بطن الهوى يمتلكون أوراقًا ثبوتية تؤكد أن اليهود اليمنيين غادروا الحي قبل قيام “إسرائيل” عام 1948، وأن الأرض التي بنيت عليها المنازل تعود ملكيتها للعائلات المقدسية منذ عام 1892، في زمن العهد العثماني، ولديهم ما يثبت ذلك.
أجرت منظمة بتسيلم دراسة للحي وعينت العمليات التي تجري في حي بطن الهوى، وتفيد نتائج الدراسة، أنه جرى تقسيم الحي إلى نحو 50 قسمًا، تسعة منها نقلت إلى “عطرت كوهنيم” وخمسة أخرى يسكنها المستوطنون بشكل فعلي، وحتى الآن، قدمت جمعية “عطرت كوهنيم” دعاوى إجلاء (معظمها عام 2015) ضد 81 أسرة، تعيش جميعها على المساحة الممتدة 2.6 دونم، في وسط الحي، هذا إضافة إلى عائلتين فلسطينيتين (الرجبي وبسبوس) فرضت البلدية عليهما غرامات مالية وأصدرت أوامر هدم لقسم من مساكنهما، بحجة دخول أراضٍ تملكها الجمعية الاستيطانية.
كيف يتعامل أهل الحي مع التهجير؟
يخوض سكان الحي المقدسي الذي يبعد عن المسجد الأقصى المبارك 400 متر، معركةً قانونيةً وسياسيةً مفتوحةً، داخل أروقة محاكم الاحتلال، ضد “عطيرت كوهنيم” التي تستهدف إجلاءهم وتهجيرهم من حيهم الأصلي الذي يقيمون فيه منذ عشرات السنين.
وبالتالي تقع مواجهات بين الشبان والمستوطنين، ومن ضمنها رشق الحجارة، إذ يترافق مجيئهم إلى الحي مع وجود قوات الاحتلال وحراس أمن خصوصيين تعينهم وزارة الإسكان الإسرائيلية، أقام الأهالي خيمة للتضامن في حي بطن الهوى، يذكر أن دعوات شبابية ومنظمات دولية حثت المقدسيين ومن يستطيع الحضور إلى الخيمة للتضامن مع أهالي الحي والمهددين بالتهجير، وتقام فعاليات عديدة منها: رسم الجداريات وفعاليات ترفيهية لأطفال الحي وصلاة الجمعة وغيرها.
يأمل أهالي حي بطن الهوى في حدوث ضجةٍ إعلامية ودولية على قضيتهم، فقد وضعت قضية الشيح جراح والتفات العالم للقضية الأمل نصب أعين الأهالي في بطن الهوى إلى حشد الرأي العالمي مع قضيتهم وإيصالها إلى المنابر الإعلامية الكبرى.
فمع أن المحكمة المركزية في القدس أجلت البت في قضية تهجير عائلات من حي بطن الهوى، هناك خشية لدى السكان أن تعمد الحكومة الإسرائيلية إطالة هذه القضايا من أجل تنفيذ خطة التهجير الخاصة بها دون إثارة غضب الرأي العام، ويهدد التأجيل بإضعاف الزخم الشعبي ودعم سكان الحي.
في حي بطن الهوى، الواقع في قلب سلوان، تحدث كبرى عمليات الترحيل التي يشهدها شرقي القدس في هذه الفترة، وحتى الآن تم تقديم دعاوى إجلاء ضد 81 أسرة فلسطينية تعيش في الحي منذ عشرات السنين، ووفقًا لمسح أجراه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ذلك يعني %45 من مجموع الأسر التي يتهددها خطر سلب بيوتها على أساس عرقي في المدينة.