ترجمة: حفصة جودة
لقد مرت 6 سنوات منذ أن قادت المملكة العربية السعودية تحالفها مع الدول العربية لمهاجمة اليمن، منذ ذلك الحين، توفي أكثر من 230 ألف شخص، بينما يحتاج 24 مليون لمساعدات إنسانية ويقع أكثر من 13 مليون على حافة المجاعة.
قالت الأمم المتحدة إن اليمن أصبح أكبر أزمة إنسانية في العالم، وبينما هناك عدة أسباب لتلك المعاناة فإن السبب الأكثر وضوحًا وتدميرًا هو القصف السعودي للمدن والقرى والبنية التحتية والمستشفيات والأسواق.
منذ البداية، كانت هذه الهجمات القاتلة مقبولة للحكومة البريطانية، فقد دعمت حكومة كاميرون الملك سلمان عندما أعلن الحرب في مارس/آذار 2015، وبعدها أعلن وزير الخارجية آنذاك فيليب هاموند أن بريطانيا ستدعم السعودية بكل الطرق الممكنة عدا المشاركة في القتال.
رغم وجود تلال من الأدلة على ارتكاب جرائم حرب، فإن بريطانيا أكدت أنه لا توجد أدلة جادة على انتهاك السعودية لقوانين حقوق الإنسان في اليمن، في الحقيقة كانت بريطانيا في طليعة الحماية الدبلوماسية الواسعة للسعودية، فقد عرقلت بشكل حاسم مبادرة كندية هولندية لإجراء تحقيق مستقل في جرائم الحرب التي ارتكبها جميع الأطراف.
حضور بانيغويان يظهر مدى مركزية مبيعات السلاح للسياسة البريطانية في الشرق الأوسط، وهو أمر مثير للقلق
لذا، لماذا كانت بريطانيا مستعدة لمواصلة هذا التدمير لمصداقيتها الدولية – رغم تفاخرها الدائم بدعمها لحقوق الإنسان – بدعمها غير المشروط للسعودية في صراعها المدمر؟ أقوى سبب لذلك هو مبيعات الأسلحة: الآن لدينا دليل جديد على كيفية اندماج تجار السلاح بشكل قوي في الآلة الدبلوماسية العسكرية البريطانية عندما يتعلق الأمر باليمن.
اجتماع سري
في الشهر الماضي نشر الموقع الإلكتروني المذهل الجديد “Declassified UK” تفاصيل اجتماع سري بين مدير شركة أسلحة كبيرة ووزيري الدفاع والخارجية في بريطانيا في يناير/كانون الثاني 2016 في ذروة القصف السعودي لليمن.
يبدو أنه لا يوجد سجل رسمي لما تم مناقشته في الاجتماع الذي حضره وزير مشتريات الدفاع آنذاك فيليب دون ووكيل وزير الخارجية آنذاك توبياس إلوود، وفقًا للموقع فلم يعلن أي من الوزراء عن الجلسة في سجلات الشفافية الإدارية للاجتماعات الخارجية حيث يُطلب من الوزراء تجسيل اتصالاتهم مع تجار السلاح.
جدير بالذكر أن هذا الاجتماع لم يكن ليخرج إلى النور أبدًا لولا نشر مذكرات آلان دونكان الوزير المحافظ السابق الذي سحب ترشيحه في الانتخابات الأخيرة هذا العام، قال دونكان إن هذا الاجتماع نظمته لجنة الاستشارات الخليجية في وزارة الدفاع، لمناقشة أسعار النفط والزيارات المستقبلية للسعودية من رئيس الوزراء آنذاك ديفيد كاميرون وآخرين.
قال موقع “Declassified” إن الوزراء أنكروا في البداية وجود اللجنة لكنهم اعترفوا لاحقًا بوجود لجنة الاستشارات الخليجية، ومع ذلك تؤكد الحكومة أنه لا توجد سجلات لمحضر اجتماع 2016.
اعترفت الحكومة أن ريتشارد بانيغويان الذي كان مديرًا حينها في شركة “Raytheon” الأمريكية للأسلحة دُعي للاجتماع لكنه لا يملك أي تسجيلات لمحضر الاجتماع ولا يمكنه أن يؤكد من حضروا الاجتماع.
يجب أن نسلم بكلام الوزراء بأنه لا توجد سجلات لهذا الاجتماع الوزاري، ومع ذلك فحضور بانيغويان يظهر مدى مركزية مبيعات السلاح للسياسة البريطانية في الشرق الأوسط، وهو أمر مثير للقلق.
انتهاك قوانين الحرب
بعد 6 أشهر من الاجتماع سافرت إلي اليمن نيابة عن موقع “ميدل إيست آي” واكتشفت أدلة داحضة تشير إلى أن التحالف بقيادة السعودية والمدعوم من المملكة المتحدة يستهدف المدنيين في اليمن في انتهاك صارخ لقوانين الحرب.
لقد شهدت أيضًا التدمير القاسي للمنازل اليمنية، بينما أخبرني الأطباء أن الحصار الذي تفرضه الأمم المتحدة على اليمن يمنع وصول الأدوية الحيوية والمعدات الطبية للبلاد.
تم التسامح مع هذا الموقع في أثناء إدارة ترامب، لكن هناك أدلةً قويةً بأن المزاج الدولي قد تغير مؤخرًا، فمن أولى الخطوات التي اتخذها جو بايدن كرئيس لأمريكا بعد تنصيبه قطع مبيعات جميع أنواع السلاح للسعودية التي يمكن أن تستخدمها في عمليات عدوانية، قامت دول أخرى بالعمل نفسه مثل إيطاليا وألمانيا، لكن حتى الآن ما زالت الحكومة البريطانية تصدر الأسلحة وتدعم السعودية.
هناك تناقض في الأمر، فعندما وقعت بريطانيا على معاهدة تجارة السلاح في 2014، أصرت على أن الأسلحة لا يجب أن تُباع للدول في حالة وجود خطر أساسي من أنها قد تُستخدم بما يتعارض مع القانون الإنساني الدولي، ومع ذلك فهناك أدلة كثيرة على وقوع ذلك في السعودية واليمن، مثلما أظهر قرار إدارة بايدن حتى لو لم تعترف بريطانيا بذلك.
تناقض مثير للقلق
في الوقت نفسه، تستمر الحرب مسببة شقاءً لا يعد ولا يحصى، ومع تصاعد معدل سوء التغذية الشديد وسط جائحة عالمية، فإن توقعات الأمم المتحدة لليمن عام 2021 تبدو مروعة، فأكثر من 400 ألف طفل تحت عمر 5 سنوات يعانون من خطر الموت جوعًا، بينما من المتوقع أن تواجه 1.2 مليون امرأة حامل أو مرضعة و2.3 مليون طفل تحت 5 سنوات سوء تغذية حاد.
حان الوقت لإرسال رسالة إلى بريطانيا: إما التوقف عن بيع السلاح للسعودية وإما التخلي عن دور حامل القلم لليمن
مع ذلك أعلنت بريطانيا أنها ستقطع المساعدات الإنسانية لليمن في 2021-2022 لأكثر من النصف، مع استمرار مبيعات السلاح بمليارات الجنيهات، اتهمت منظمة أوكسفام الحكومة البريطانية مؤخرًا بإطالة أمد حرب اليمن بالسماح بتصدير معدات التزود بالوقود جوًا، ما يساعد السعودية على مواصلة قصفها العشوائي.
هناك تناقض مقلق للغاية هنا، منذ بداية حرب اليمن لعبت بريطانيا دور حامل القلم (عضو مجلس الأمن الذي يترأس عملية الصياغة غير الرسمية لقرار المجلس) عن اليمن في مجلس الأمن بالأمم المتحدة.
تفاخر وزير الشرق الأوسط جيمس كليفرلي مؤخرًا بذلك في البرلمان قائلًا إن بريطانيا قامت بهذا الدور للمساعدة في تحريك عملية السلام في اليمن للأمام، والعمل مع شركائهم وحلفائهم بالأمم المتحدة لضمان أن يكون اليمن أولوية لدى المجتمع الدولي.
لكن بريطانيا تواجه تضاربًا كبيرًا في المصالح، فمن ناحية تستفيد تجارة السلاح من الحرب وكما أظهرت وثائق “Declassified” فإنها تلعب دورًا في بناء السياسة، ومن ناحية أخرى – كحامل للقلم – تلعب بريطانيا دورًا رئيسيًا في الأمم المتحدة بالدفع نحو تقدم عملية السلام.
إذا كان المجتمع الدولي يرغب حقًا في تحقيق السلام باليمن، فقد حان الوقت لإرسال رسالة إلى بريطانيا: إما التوقف عن بيع السلاح للسعودية وإما التخلي عن دور حامل القلم لليمن، فالجمع بين الدورين أمر غير أخلاقي وخيانة لكل ما تدعي بريطانيا أنها تمثله أمام المسرح الدولي.
المصدر: ميدل إيست آي