استكمالًا لـ سلسلة “أحياء القدس” نعرض مقالًا عن قريّة العيسويّة، التي تميّزت بتصدّي شبابها ومقاومتهم للاحتلال في القدس، فاشتهرت بالرّد السريع على كافة انتهاكات قوات الاحتلال ومنها؛ إصدار قراراتٍ لهدم البيوت، اقتحامات متكررة، ضرب قنابل الغاز على المواطنين، اعتقال الشبّان وغيرها، وهذا ما جعل الناس يطلقون عليها اسم “غزة الصغرى” لوصف المواجهات بين الشبّان وقوات الاحتلال.
عن العيسوية
تقع قريةُ العيسويّة بين تلالٍ ثلاث، أشهرها “رأس السلم” حيث معسكر الرادار (إذاعة الجيش الإسرائيلي، والجامعة العبرية) من الجهة الجنوبية الشرقية، ومن الغرب مستشفى “هداسا”، ومستوطنة التلة الفرنسية المعروفة بـ”كرم الويز”، وهذه المنطقة محاصرة بشكل طوق، و”رأس خميس” من أراضي بلدة شعفاط المجاورة. كما يحدها من الجهة الشمالية الغربية مخيم شعفاط، وضاحية السلام “قرية عناتا” من الجهة الشمالية الشرقية، أما شرقاً فشارع مستوطنة المرتفعات الحمراء “معاليه أدوميم” الموازي لجدار الفصل العنصري الذي يعزل أكثر من 80 في المائة من أراضي القرية، ومعسكر الجيش حيث منطقة “المكثاة”.
يقطن قريةَ العيسويّة نحو ثلاثين ألفَ فلسطينيّ معظمهم من أبناء القرية، وجزء كبير من مقدسيين دفعت بهم أزمة السكن الخانقة التي يعانونها من الانتقال إليها؛ سبب ملاحقتهم من قبل طواقم مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية.
وعن سبب تسمية العيسوية بهذا الاسم فتختلف الروايات التاريخية حول ذلك، فمنها من يذهب إلى أن ذلك نسبةً إلى عيسى العوام، القائد في جيش صلاح الدين الأيوبي، الذي سكن فيها، ومنها من يذهب إلى أنّ سبب التسمية يعود إلى أنّ نبي الله عيسى ابن مريم، اجتمع فيها مع حوارييه. ومن أشهر العائلات الموجودة في القريّة: عبيد، داري، درويش، محيسن، درباس، مصطفى، عطية، ناصر، أبو حمص.
يوجد في بلدة العيسويّة خمسة مساجد، هم: مسجد الأربعين، مسجد أحد، مسجد الصابرين، مسجد التوبة، مسجد الشهداء. كما يوجد القليل من الأماكن والمناطق الأثرية في البلدة، منها: البلدة القديمة التي يوجد فيها معصرة زيتون، وشجرة الخروب المعمرة التي يزيد عمرها على ألف سنة (المصدر: لجنة تطوير العيسوية، 2012).
مشروع E1 الاستيطاني يطوّق القريّة
مع بداية المشروع الإسرائيلي لعزل الضفة الغربية وتقطيع أوصالها من خلال بناء جدار العزل العنصري، حظيت منطقة تجمع “معاليه أدوميم” الاستيطاني باهتمام خاص من قبل اللجنة القائمة على مسار الجدار في الحكومة الإسرائيلية وذلك لخصوصية الموقع وتقاربه مع الجزء الشرقي من مدينة القدس، حيث تم وضع مخطط جديد تحت مسمى E1 عام 1999 يهدف لبناء تجمع استيطاني جديد تابع لمستوطنة معاليه أدوميم ويربط التجمع (تجمع معاليه أدوميم الاستيطاني) مع المستوطنات الإسرائيلية القائمة في مدينة القدس، في الوقت نفسه يقطع الطريق على التجمعات الفلسطينية الموجودة هناك (الزعيم، أبو ديس، العيزرية، الطور، العيسوية، عناتا) بالتوسع.
يخلق مخطط E1 الاستيطاني حزامًا عمرانيًا إسرائيليًا جديد يعيق عملية التواصل الجغرافي الطبيعي بين شمال وجنوب الضفة الغربية. ويشمل مخطط E1 بناء 3.900 وحدة استيطانية جديدة غرب وشمال مستوطنة معاليه أدوميم، على مساحة قدرها 13.213 دونم والتي هي جزء من المخطط الهيكلي لمستوطنة معاليه أدوميم الإسرائيلية. ومع استكمال مخطط E1 سيتم إغلاق الحزام الاستيطاني الإسرائيلي الدائري المحيط بالمدينة المقدسة بشكل محكم.
أما بلدة العيسوية فسيتم خنقها من الجهة الشرقية، وستفقد ما مساحته 3.282 دونمًا (35% من المساحة الكلية للبلدة) من أراضيها وبذلك ستتوزع المساحة غير المستخدمة للبناء في البلدة والتي تقع غالبيتها في الأراضي المفتوحة للبلدة ما بين المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية ومخطط الـ E1 من الجهة الشرقية ويتبقى للبلدة فقط المنطقة العمرانية التي ستكون محصورة من الشمال والشرق أيضًا بجدار العزل العنصري الإسرائيلي، وبالمستوطنات الإسرائيلية من الشرق والغرب والجنوب مما سيقضي على مستقبل القرية التنموي ويجعلها معزلا صغيرا مغلقا من كافة الجهات..
تضييق على البناء الفلسطيني
أكدت جمعية حقوق المواطن (منظمة إسرائيلية تنشط في مجال حقوق الفلسطينيين)، في بيان لها، أن سياسة التخطيط والبناء الإسرائيلية تجاه سكان القدس الفلسطينيين، لا تسمح بالبناء إلا على 14 في المائة من مساحة “القدس الشرقيّة”. تلك المساحة تعادل ما نسبته 7.8 في المائة من كل مساحة القدس، وقد جرى استغلال غالبيّة هذه المساحة للبناء (نِسَب البناء المسموح بها في الأحياء الفلسطينيّة تصل غالباً إلى ما بين 25 و50 في المائة، مقابل ما بين 75 و 125 في المائة في الأحياء اليهوديّة).
ولفتت المنظمة الإسرائيلية إلى أنه ومنذ العام 1967، صودر ثلث أراضي الفلسطينيّين في القدس، وبُنيت عليها آلاف الشقق للسكّان اليهود؛ بينما 35 في المائة من المساحات التي خضعت للتخطيط في الأحياء الفلسطينيّة، تندرج تحت التعريف “مساحات طبيعيّة مفتوحة”، والتي لا يُسمح بالبناء عليها، كما أن الخرائط الهيكلية للأحياء الفلسطينية لا تشمل معظم المساحات التي تقع تحت ملكية السكان.
تعاني العيسوية كغيرها من الأحياء المقدسيّة من خطر الهدم والتهجير لصالح بناء المستوطنات الإسرائيلية
في مقابل هذه السياسة الإسرائيلية والتي تُعدّ العيسوية واحدة من ضحاياها، شيدت سلطات الاحتلال نحو 60 ألف وحدة استيطانية منذ احتلالها للقدس عام 1967، بينما تخطط لبناء ذات العدد من الوحدات السكنية حتى نهاية العام 2025، وصولاً إلى أكثر من مليون مستوطن يسكنون في كامل القدس، وهو مشروع كان طرحه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون حين كان وزيراً لجيش الاحتلال، وعُرف في حينه بـ”مشروع النجوم”.
تعاني العيسوية كغيرها من الأحياء المقدسيّة من خطر الهدم والتهجير لصالح بناء المستوطنات الإسرائيلية فيما بات يعرف بتجمّع مستوطنة معاليه أدوميم، وهي المستوطنة الأكبر التي تطوق مدينة القدس وتعزلها عن جغرافيا الضفة الغربية، عرف عن أهالي القريّة التصدّي ضد اقتحامات الاحتلال، والذي يأتي كنوع من المقاومة لكل ما يخططه الاحتلال من مشاريع المصادرة والتهويد ابتداءً برفض المناهج التعليمية الإسرائيلية، ورفض الضرائب التي يحاول من خلالها إرهاق المقدسيين.