في الجزء الغربي من المسجد الأقصى المبارك، لا تزال حارة المغاربة محتفظة باسمها كأحد الشواهد على التهجير والتشريد الذي مارسه الاحتلال، لفرض الوجود اليهودي مكان السكان الأصليين، إذ تُعتبر من أشهر أحياء القدس المحتلة، ويُجاورها حائط البراق.
في سلسلة “أحياء القدس”، نسلّط الضوء على حارة المغاربة، وعلى كيفية هدمها وتسويته على الأرض، كأول إزالة للوجود الفلسطيني في القدس المحتلة وعلى بُعد أمتار قليلة من المسجد الأقصى.
كان الهدف من تدمير الحيّ توسعة المكان لإظهار الأجزاء المخفية من حائط البراق، وإقامة ساحة لاستقبال مئات الآلاف من اليهود الذين يأتون لأداء الصلاة.
عن حارة المغاربة
تضمُّ حارة المغاربة، التي أوقفها الملك الأفضل (ابن صلاح الدين الأيوبي) للمجاهدين المغاربة (مسلمو شمال أفريقيا)، بعد تحرير القدس من الصليبيين، تقديرًا لدورهم في فتح المدينة؛ آثارًا كثيرة تعود للعصر الأيوبي والمملوكي والعثماني، وتراثًا مغربيًّا وأندلسيًّا مميزًا.
ومنذ ذلك التاريخ أصبحت حارة المغاربة من المعالم الإسلامية التاريخية الواضحة في مدينة القدس، تشكّل ما نسبته 5% من مساحة القدس القديمة.
كما ترجع أهمية الحارة في التراث الإسلامي، لكونها الموقع الذي نزل فيه البراق الذي أسرى بالنبي محمد (ص) ليلة الإسراء والمعراج من مكة إلى القدس.
أقيمت داخل الحارة مدرسة تُدعى “المدرسة الأفضلية”، نسبةً إلى الملك الفضل، وكانت وقفًا على فقهاء المالكية في القدس الشريف، وأُطلق عليها كذلك مدرسة القُبّة لوجود قبّة كبيرة تميّز بناء المدرسة من الأعلى، ما جعل هذا الجزء من المدينة هدفًا مبكّرًا للصهيونية، منذ فترة الانتداب البريطاني على فلسطين.
وتبيِّن خارطةٌ أفقية للقدس تعود إلى النصف الأول من القرن العشرين، يظهر فيها تقسيمات مباني وطُرُق حارة المغاربة بأرقام نُشرت بعد العام 1967، عددَ المنشآت التي هدمتها جرّافات الاحتلال في حارة المغاربة.
كيف حدث الهدم؟
في 8 يونيو/ حزيران 1967، أي بعد يوم واحد من احتلال القدس، زار دافيد بن غوريون حائط البراق مع مجموعة من أصحاب القرار السياسيين في “إسرائيل”، من ضمنهم يعكوف يناي الذي كان حينها مديرًا لسلطة الحدائق القومية.
في تلك الزيارة، قال بن غوريون ليناي بلهجة قاسية: “ألا تخجل من نفسك؟ انظر هنا، حمّام بالقرب من المبكى؟”، فدافع يناي عن نفسه وقال: “فقط البارحة وصلنا هنا”، إلّا إن بن غوريون استمرَّ في توبيخه قائلًا: “مع ذلك، لا يمكن تحمُّل هذا”.
أخبر يناي لاحقًا تيدي كوليك (رئيس بلدية القدس حينها)، الذي كان واقفًا بقربهما، عن المحادثة مع بن غوريون، وختمَ: “يجب تنظيف المكان، يجب أن نعطي للمبكى صورة مناسبة له”، فأجاب كوليك فورًا: “سأقوم بذلك، يجب الحديث مع الجيش”.
ليلة السبت، 10 يونيو/ حزيران 1967، وقع الحدثُ الأكثر تأثيرًا في تشكيل البلدة القديمة في القدس، إذ شرعت جرّافات الاحتلال في هدم حارة المغاربة، وتشير بعض التقارير إلى أن رئيس بلدية الاحتلال في القدس سارع في ذلك الوقت إلى دعوة عدد من المقاولين الإسرائيليين لبيته، وأعطاهم مخطط المساحة المنوي تدميرها، ليباشروا باسم نقابة المقاولين والبنّائين عمليات الهدم في اليوم التالي.
وعن سبب توكيل سلطات الاحتلال مهمة الهدم للمقاولين الإسرائيليين، حتى لا يكون القرار صادرٌ عن جهة رسمية تتحمّل نتائج أفعالها، إضافةً إلى ذلك لإشراك المجتمع المدني وإسناد المهمة لجمعيات أهلية غير حكومية، وبالتالي يصعب مساءلتهم أمام الرأي العام، ومع مرور الوقت أصبح المقاولون الذين هدموا حارة المغاربة أبطالًا في أعيُن المجتمع الإسرائيلي.
نتائج الهدم
بعد عمليات هدم استمرَّت 4 أيام متواصلة، كانت النتيجة تسوية الحارة التي تبلغ مساحتها 116 دونمًا بالأرض. دمّر الاحتلال 136 منزلًا و4 مساجد ومدرسة الأفضلية وزاوية المغاربة ومقام الشيخ، إضافة إلى طرد نحو 3700 فلسطيني من حارة الشرف المجاورة.
وقد نتج عن هذا الهدم أيضًا طمس وإزالة معالم الأوقاف المغربية الإسلامية، التي ترتبط بتاريخ المغرب الإسلامي ببيت المقدس، والتي دامت قرابة 7 قرون.
ولا تزال المساعي الإسرائيلية لتهويد حارة المغاربة وغيره من أحياء القدس القديمة مستمرّة، إذ رصدت السلطات الإسرائيلية قبل نحو عامَين ما يقارب 50 مليون دولار لتنفيذ مشاريع استيطانية في ساحة البراق المقام على أنقاض الحيّ، إلى جانب أحياء أخرى.
هدمت جرّافات الاحتلال في السابق حيًّا بأكمله، حتى توسِّع ساحة حائط البراق، كي يتسنّى لليهود الصهاينة أداء صلواتهم عليه، حينها أُجبر المواطنون على ترك منازلهم أو هدم البيوت فوق رؤوسهم، وقد استشهد عدد من المواطنين أثناء عملية الهدم، ولم يستطع أهاليهم انتشال جثثهم من تحت الركام.
يستذكر المقدسيون دائمًا هذه النكبة التي ألمَّت بهم، ويدافعون بكل قوّة حتى لا يتكرر المشهد منذ ذلك الحين إلى اليوم، لأنّ الاحتلال ما زال يهدِّد بتهجير أهالي الشيخ جراح، وهم نحو 500 فرد ضمن 28 عائلة، وكذلك عائلات ببطن الهوى في سلوان بالقدس المحتلة وأماكن أخرى بالمدينة المقدسة.