ترجمة وتحرير: نون بوست
من المحتمل أن تظل الإمارات العربية المتحدة والبحرين الدولتين الخليجيتين الوحيدتين الموقّعتين على اتفاقيات إبراهيم، على الأقل في المستقبل المنظور، خاصة في أعقاب الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة وحملة القمع في القدس التي استحوذت على اهتمام العالم أجمع.
مع ذلك، فمن المرجح أن تستمر المزيد من الدول ذات الأغلبية المسلمة في تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، وقد تكون منطقة الساحل الإفريقي المحطة التالية لصفقات التطبيع.
منذ سنوات، يتكهن المسؤولون الحكوميون ووسائل الإعلام الإسرائيلية بأن تقوم النيجر بتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”. في شهر شباط/ فبراير 2019، عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في اجتماع مع قادة الجالية اليهودية في الولايات المتحدة خريطة لأفريقيا صنّف فيها دول القارة إلى أربع فئات بناءً على علاقاتها مع “إسرائيل”. كانت كل من النيجر ومالي في فئة “العلاقات المحتملة”.
لكن الغريب في الأمر أن وزير خارجية النيجر أعلن بعد أسابيع قليلة من ذلك الاجتماع أنه “لا مجال لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في ظل استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية”. وفي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بعد ثلاثة أسابيع من توقيع السودان على صفقة التطبيع، كشف مدير المخابرات الإسرائيلية عن مفاوضات ثنائية مع النيجر لإبرام اتفاق دبلوماسي محتمل، قائلا إن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تساعد على تحقيق الاستقرار الإقليمي.
في الوقت الراهن، وفي ظل وجود محمد بازوم على رأس السلطة، وهو أول رئيس عربي للبلاد، والذي أيّد في السابق تطبيع العلاقات بين نيامي وتل أبيب، هناك توقعات متزايدة بتوقيع اتفاقية بين البلدين.
السياق التاريخي
هناك سياق تاريخي مهم يجب العودة إليه لفهم هذه المسألة. في مقابلة مع موقع “ميدل إيست آي”، يقول الباحث المتخصص في شؤون شمال إفريقيا، جليل حرشاوي، إن التحرك نحو تطبيع العلاقات سيشكل “ببساطة استئنافا لحملة دبلوماسية ناجحة إلى حد ما”، بدأتها “إسرائيل” في الخمسينات والستينات.
أعادت النيجر تطبيع العلاقات مع تل أبيب. وفي 2002، عندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة لـ “إسرائيل” في خضم الانتفاضة الثانية، قطعت حكومة النيجر العلاقات الدبلوماسية مرة أخرى. من خلال تلك الخطوة
في الواقع، كانت النيجر واحدة من عدة دول أفريقية طبّعت العلاقات مع “إسرائيل” في الفترة ما بين تأسيسها سنة 1948 ومنتصف سبعينيات القرن الماضي. بالنسبة للإسرائيليين، كانت هذه المكاسب الدبلوماسية في إفريقيا مهمة للغاية. ويوضح حرشاوي أن “إسرائيل” كانت تعتمد “الواقعية السياسة: أن تبني دولة، وتظهر للعلن سنة 1948، وتبدأ الأمور في التحسن سنة 1967 لأنك حققت انتصارا مذهلا على أكبر دولة عربية، وهي مصر”.
يضيف حرشاوي أن “ما تبدأ بفعله في الأساس هو تفحّص محيطك، والسعي إلى بناء صداقة مع أي طرف كان، خاصة إذا لم يكن ينتمي إلى العالم العربي. في الوقت الذي تكتسب فيه تلك الصداقات، تضمن أساسا أن تلك الدول لن تُعاديك. لا تعد هذه الاستراتيجية تأسيسا لمنطقة نفوذ، ولكنها نوع من استجداء القبول الذي يشكل أهمية بالنسبة لبقاء إسرائيل وأمنها وصورتها”.
قطعت النيجر علاقاتها الدبلوماسية مع “إسرائيل” سنة 1973، وهي نفس السنة التي قطعت فيها 24 دولة أفريقية جنوب الصحراء علاقاتها الرسمية مع تل أبيب. يُذكر أن معمر القذافي، الذي تولى السلطة في ليبيا المجاورة سنة 1969، كان قد ضغط على الدول الأفريقية للقيام بذلك.
بحلول سنة 1996، أعادت النيجر تطبيع العلاقات مع تل أبيب. وفي 2002، عندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة لـ “إسرائيل” في خضم الانتفاضة الثانية، قطعت حكومة النيجر العلاقات الدبلوماسية مرة أخرى. من خلال تلك الخطوة، عبّرت نيامي عن تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني في نضاله لنيل حقوقه المشروعة.
المخاطر والمكاسب الأمنية
إذا قامت النيجر بتطبيع العلاقات مرة أخرى مع “إسرائيل”، فإن قضايا مكافحة الإرهاب ستكون هي المبرر الأساسي لهذه الخطوة. في مواجهة تهديدات تنظيم الدولة والجماعات المرتبطة بالقاعدة، قد ترى نيامي أن هناك بعض الفوائد من تطبيع العلاقات مع “إسرائيل” من وجهة نظر أمنية، وخاصة الاستفادة من الطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة الإسرائيلية.
ومع ذلك، حذّر بعض المحللين من أن اتفاقية التطبيع قد تجعل حكومة النيجر والبلاد ككل أكثر عرضة لهجمات الجهاديين. ويقول محمد عبد الرحماني، وهو طالب متحصل على درجة الدكتوراه في الجغرافيا من جامعة عبدو موموني، لموقع “ميدل إيست آي” بأن “النيجر دولة مسلمة تواجه تهديدات جهادية على أمنها. ومن شأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل أن يزيد من انعدام الأمن”.
في الوقت الذي تسعى فيه تل أبيب لتطبيع العلاقات مع المزيد من الدول الأفريقية، ستعمل القيادة الإسرائيلية على تشبيه ما تواجهه من تحديات من جماعات المقاومة الفلسطينية بتلك التي تواجهها النيجر والدول الأفريقية الأخرى من الجماعات المسلحة المحلية.
علاوة على ذلك، تعتبر التكنولوجيا الإسرائيلية جزءا من استراتيجية الإغراء. في مجالات مثل الزراعة والرعاية الصحية وتحلية المياه، يمكن للتكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة أن تساعد النيجر وغيرها من دول أفريقيا جنوب الصحراء على تنمية مواردها. وعندما يتعلق الأمر ببناء علاقات وطيدة مع واشنطن وعواصم غربية أخرى، فإن الحفاظ على روابط ودية مع “إسرائيل” من شأنه أن يساعد على تحقيق المطلوب.
لكن رغم أن تل أبيب ستكون حريصة على تحقيق بعض المكاسب بالقوة الناعمة في الدول الأفريقية ذات الأغلبية المسلمة مثل النيجر، يقول حرشاوي إنه من غير المرجح أن تكون “إسرائيل” في يوم من الأيام متعاونة عسكريًا مع هذه الدول: “لا تنوي إسرائيل أن تكون يوما ما ذلك الحليف العسكري الموثوق به، والذي يمكن أن ينقذك إذا واجهت مشكلة”.
المنظور الغربي
من المرجح أن تتعامل النيجر مع مسألة التطبيع بحذر أكبر بعد حرب غزة في مايو/ أيار الماضي. لم تصمت نيامي خلال اندلاع أعمال العنف التي راح ضحيتها عشرات الأطفال الفلسطينيين.
أرسل سفير النيجر لدى الأمم المتحدة، عبدو عباري، الذي يرأس أيضًا منظمة التعاون الإسلامي، إلى الأمم المتحدة مشروع قرار من منظمة المؤتمر الإسلامي يدين “الهجمات الإسرائيلية العنيفة والمتصاعدة” ضد الفلسطينيين. وتسعى إدارة بايدن إلى دعم اتفاقيات إبراهيم من خلال حث المزيد من الدول ذات الأغلبية المسلمة على توقيع صفقات تطبيع مع “إسرائيل”.
يتنافس عدد من دول الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران وتركيا، على النفوذ في النيجر
وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مؤخرًا إن اتفاقيات إبراهيم تشكل “إنجازًا مهمًا، لا ندعمه فحسب، بل إنه إنجاز نرغب في البناء عليه“، مضيفًا أن الإدارة الأمريكية “تبحث عن الدول التي قد ترغب في الانضمام إليه”.
يتنافس عدد من دول الشرق الأوسط، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران وتركيا، على النفوذ في النيجر. في هذا السياق، لدى “إسرائيل” مصلحة كبيرة في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع نيامي لتعزيز نفوذها في غرب إفريقيا، لا سيما من أجل مواجهة النفوذ الإيراني في جميع أنحاء المنطقة. مع ذلك، وبالنظر إلى المخاطر الحقيقية وردود الفعل المتوقعة محليا وإقليميا، فمن المؤكد أن النيجر ستتعامل مع الموضوع بحذر.
المصدر: ميدل إيست آي