ترجمة وتحرير: نون بوست
فلسطين قضية نسوية: هذه العبارة حقيقة بديهية ولا تحتاج إلى تفصيل. مع ذلك، كما هو الحال مع الكثير مما يتعلق بفلسطين، فقد تطلب الأمر مناقشات طويلة وتوضيحات وتحليلات وتوثيقا وافرا مرارا وتكرارا.
يبدو أن هناك بعض الإجماع على أن الاستعمار نفسه دائما ما يكون مبنيا على النوع الاجتماعي، وهي ملاحظة جادلها العديد من العلماء بشكل مقنع على مدى العقود القليلة الماضية، حيث قاموا بتحليل الطرق العديدة التي تصبح فيها أجساد النساء ساحات معارك للسلطة، إما كدليل على الغزو أو كأهداف رئيسية لرغبة المستوطن في “إقصاء المواطن”. بالإضافة إلى ذاك، يعدّ تعبير “الاغتصاب والنهب والسلب” للأسف وصفا مناسبا للفتوحات من أفريقيا إلى الأمريكتين وأستراليا وأوروبا وآسيا.
بالإضافة إلى عنف الاعتداء الجنسي، يتّخذ العنف القائم على النوع الاجتماعي أشكالا محددة اعتمادا على السياق السياسي والاجتماعي والثقافي للاعتداء الاستعماري. ففي الهند، على سبيل المثال، اتخذ الاستعمار شكل “الرجال البيض ينقذون النساء السمراوات من الرجال السمر”. ففي الجزائر، كان المستعمرون الفرنسيون يعتقلون النساء المسلمات ويجرّدونهن من أغطية الرأس بشكل علني في عرض لكيفية جعل المجتمع الجزائري “حداثيا”.
كان يُنظر إلى الحجاب على أنه مظهر من مظاهر القمع، وهو اتجاه استمر في أوروبا الحديثة، حيث تُمنع النساء المسلمات في الكثير من الأحيان من ارتداء الحجاب في الأماكن الرسمية والعامة، وهو ما يمثل إلزاما ثقافيا لا يحترم إيمانهنّ من أجل “تحريرهنّ”. لم يكن حال المرأة الفلسطينية أفضل في ظل الاستعمار الإسرائيلي. مع ذلك، لم تجعل الصهيونية النساء غريبات عن ثقافتهنّ أبدا حيث لم تطمح أبدا إلى “إنقاذهنّ” أو جعلهن أكثر “حداثة” أو “تحريرهنّ”. ولطالما أرادت الصهيونية موتهنّ.
التهديد الديموغرافي
تنظر الصهيونيّة إلى النساء الفلسطينيات على أنهنّ تهديد ديموغرافي، وهنّ أسلاف الإرهابيين المستقبليّين، ويربّين “ثعابين صغيرة“، كما قالت وزيرة الداخلية الإسرائيلية وعضو حزب يمينا اليميني المتطرف، أيليت شاكيد، ذات مرة. في منشور بالعبريّة، تمّت ترجمته منذ ذلك الحين إلى اللغة الإنجليزية، دعت شاكيد أساسا إلى الإبادة الجماعية، وكتبت: “خلف كل إرهابي، يقف عشرات الرجال والنساء، الذين لا يستطيع من دونهم الانخراط في الإرهاب… إنهم جميعا مقاتلون أعداء، وسيكونون مسؤولين على سفك دمائهم”.
وتابعت شاكيد حديثها قائلة: “علاوة على ذلك، يشمل ذلك أمّهات الشهداء اللاتي يرسلونهنّ إلى الجحيم بالزهور والقبلات. وينبغي عليهنّ أن يتّبعن أبنائهنّ، حيث أن لا شيء أكثر عدلا من ذلك. لذلك، يجب التخلص منهنّ، ومن المنازل المادية التي قمن بتربية الثعابين فيها. وإلا، فسيتم تربية المزيد من الثعابين الصغيرة هناك”.
أشار صهاينة آخرون إلى اغتصاب النساء الفلسطينيات كسلاح حرب. وقال محاضر ومسؤول عسكري سابق إن إحدى الطرق لإكراه مقاتلي حماس على إنهاء مقاومتهم تتمثل في اغتصاب أمهاتهم وأخواتهم: “الشيء الوحيد الذي يمكن أن يردع الإرهابيين، مثل أولئك الذين خطفوا الأطفال وقتلوهم، هو معرفة أنه سيقع اغتصاب شقيقتهم أو والدتهم”.
بالإضافة إلى ذلك، لدى “إسرائيل” ممارسة طويلة الأمد ومتعددة الأوجه للتلاعب بالبنى الأبوية الفلسطينية المعادية للمثليين، وخاصة التصورات المحافظة عن “الشرف”، لتجنيد المتعاونين وتشتيت المجتمع الفلسطيني. في هذا الصدد، وردت تقارير عن قيام الشرطة الإسرائيلية بالتقاط صور لشابات يلتقين سرا بأحبائهنّ، وتهديدهن بإبلاغ والديهن بذلك؛ أو تخدير النساء وتصويرهن في أوضاع مخلة، ثم ابتزازهنّ لكشف معلومات حيوية عن المقاومة.
فضلا عن ذلك، هدّد المحققون بالاعتداء الجنسي على النساء ما لم يقدّمن معلومات عن مبادرات المقاومة. كان شعار “الأرض قبل العرض”، الذي اشتهر لأول مرة بعد سنة 1967، يهدف إلى تشجيع النساء الفلسطينيات على عدم التعاون مع الاحتلال بسبب الشعور “بالخزي” الذي تخلقه مثل هذه التهديدات والابتزاز.
خيانة وطنية
كثيرا ما تصبح الثقافات المعرضة للهجوم رجعية. ويمكن أن يأتي هذا الاتجاه من دافع “الحفاظ” على عادات ما قبل الغزو، مما يؤدي إلى تجميد الوقت وعرقلة ما يمكن أن يكون التقدم الطبيعي للمجتمع. وكلما أعلنت “إسرائيل” نفسها على أنها “ديمقراطية ليبرالية” – مؤيدة للمرأة ومناصرة للمثليين – كلما سجلت العناصر الأكثر رجعية داخل المجتمع الفلسطيني العدالة الجندرية والجنسية على أنها استعمارية.
على مدار الأسبوع الماضي، اعتقل بلطجية السلطة الفلسطينية النساء الفلسطينيات وسرقة هواتفهن المحمولة والتهديد بنشر رسائل وصور خاصة بهن
إلى جانب البيئة الاستعمارية والعسكرية الذكورية التي يعيش فيها الفلسطينيون، تُعتبر العواقب وخيمة. وفي الواقع، تُرجم تكثيف الأعراف الأبوية الناتج عن الاستعمار الصهيوني إلى حالات مروّعة لقتل الإناث، حيث قُتلت الشابات لمجرد رؤيتهنّ مع رجل غير مرتبط بالأسرة. في الوقت الراهن، نرى بلطجية السلطة الفلسطينية يهاجمون النساء الفلسطينيات بسبب معارضتهنّ لاغتيال السلطة الفلسطينية لنزار بنات، يجب أن نفهم أن السلطة الفلسطينية، المكلفة أساسا بالتعاقد الفرعي مع الاحتلال، تتعاقد من الباطن أيضا مع أسلحة الاحتلال ضد التحرير، التي تشمل جمع المعلومات الاستخبارية التي تعتمد على استغلال تفاصيل الحياة الخاصة كطعم لإسكات المعارضة.
على مدار الأسبوع الماضي، اعتقل بلطجية السلطة الفلسطينية النساء الفلسطينيات وسرقة هواتفهن المحمولة والتهديد بنشر رسائل وصور خاصة بهن إذا فشلن في الامتثال للمطالب الأمنية للسلطة الفلسطينية. ويعدّ ذلك تكرارا للتكتيكات الاستعمارية، وهو شكل فظيع من الخيانة الوطنية، وتذكير آخر بأن فلسطين لن تكون حرّة حتى تتحرّر النساء الفلسطينيات والأفراد غير المطابقين للنوع الاجتماعي، ليس فقط من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، ولكن أيضا من القيود التي تفرضها الذكورية العنيفة والتي وقعت عسكرتها داخل المجتمع الفلسطيني.
المصدر: ميدل إيست آي