ترجمة وتحرير: نون بوست
ربما تكون قد سمعت عن وصف شخص ما بأنه مدمن عمل، أي أنه شخص مهووس بالعمل فوق طاقته. في هذا السياق، قالت إيلينا ويلش، الأخصائية النفسية السريرية المرخّصة والمتحصّلة على درجة الدكتوراه، إن الإنتاجية السامة تأخذ هذا الهوس إلى مستوى آخر. بعبارة أخرى، تجعل الإنتاجية السامة الشخص يسعى دائما إلى حسن استغلال وقته إلى أقصى حد حيث لا يقتصر ذلك على العمل فحسب، بل يشمل أيضا مجالات أخرى من حياته.
من جانبها، أشارت إريكا فرست، وهي أخصائية نفسية تنظيمية في لندن والمختصة في الإنتاجية السامة ومؤسسة “مودالي”، وهو برنامج لإدارة الحالة المزاجية في مكان العمل، إلى أن “الإنتاجية السامة تجعل الهدف من القيام بكل شيء هو إنجاز شيء ما بحيث يجب أن يكون لجميع الإجراءات دائما غاية أو هدف يؤدي إلى التنمية الشخصية أو الإنجازية”. ويتسبب الأشخاص الذين يعانون من هذا الهوس في الإضرار بصحتهم من خلال التركيز على الإنتاجية وتجاهل كل شيء آخر في حياتهم.
قالت الدكتورة ويلش إنه “قد يكون من الصعب تحديد علامات الإنتاجية السامة بسبب القيمة العالية التي يفرضها المجتمع على الإنتاج المهني والاجتماعي والثقافي، ولأن الناس غالبا ما يكافؤون خارجيا على الإنتاجية”. وعندما يحاول كل من حولك أن يكون أكثر إنتاجية ويشجّعونك على أن تكون مثلهم، يمكن أن تشعر بأنك طبيعي أو حتى متوقعا. في المقابل، يمكن أن تكون عواقب الإنتاجية السامة مدمّرة.
الإنتاجية تسبب الإدمان
قد يكون من الصعب تحديد علامات الإنتاجية السامة، وتتحاشى التعرف عليها بنفسك وذلك لأن الاندفاع الذي تحصل عليه من تحقيق الإنجازات يسبب الإدمان من الناحية النفسية، وذلك على حد تعبير فرست، المتحصلة على شهادة عليا في علم الأعصاب للصحة العقلية.
عندما تنجز شيئًا ما، سيفرز جسمك جرعة من الدوبامين، مما يجعلك تشعر بالسعادة والمتعة. وعندما تركّز باستمرار على تحقيق الإنجازات، فسيجعل ذلك مستويات الأدرينالين مرتفعة دائما. ومع مرور الوقت، سيطوّر جسمك قدرة تحمّل وسيصبح بحاجة إلى المزيد من الدوبامين والأدرينالين لمواصلة الاندفاع الأولي.
في هذا الصدد، قالت فرست إنه “نتيجة للطريقة التي يعمل بها الدماغ، يمكن أن تصبح الإنتاجية السامة مثل الإدمان بحيث يمكن أن تتعوّد على العيش دون الأحاسيس التي من المفترض أن توفّرها الإنجازيّة والإنتاجيّة”.
الآثار الجانبية للإنتاجية السامة
سيستنزف العمل الجاد لفترات طويلة من الوقت طاقتك، ويعرّض جسمك لضغط كبير، مما يؤدي إلى الإرهاق العقلي والجسدي. والجدير بالذكر أن الإجهاد المزمن يرتبط بارتفاع معدلات الاكتئاب والقلق وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والسرطان والسكري من النوع الثاني وأمراض أخرى تتعلّق “بنمط الحياة”.
من الممكن أن تكون بعض العواقب غير متوقعة. فعلى سبيل المثال، تسبّبت الإنتاجية السامة في إصابة مدير إعلانات بالعمى المؤقت بعد 22 سنة من العمل عالي الأداء. في هذا السياق، قال المدير: “لقد أُصبت بنوبة إرهاق وانتهى بي الأمر في المستشفى بسبب فقدان البصر المرتبط بالتوتر، وهو ما جعلني أعيد التفكير في كل شيء في حياتي وأولويّاتي”. ومن أجل مساعدتك على تحديد هذا النمط من السلوك في نفسك أو في أحبائك، طلبنا من خبرائنا مشاركة أهم علامات هذه العقلية الإشكالية.
الوقت الضائع يجعلك قلقا
سواء كان الأمر يتعلق بالجلوس على الأريكة ومشاهدة فيلم أو المشي في الغابة، يعدّ الوقت الذي تقضيه في الراحة والاسترخاء، أمرا بالغ الأهمية. وفي حال وجدت نفسك غير قادر على أخذ قسط من الراحة أو في حال لم تتمكن من الاسترخاء خلال وقت غير محدد، فذلك يشكّل مشكلة.
أنت تتساءل “ما الهدف من ذلك؟”
إذا ما طلب منك صديقك مرافقته في نزهة وكان رد فعلك الفوري هو التساؤل عن سبب حاجتك لذلك، فيُعدّ ذلك بمثابة إشارة سيئة. بعبارة أخرى، يرغب الأشخاص الذين يتعاملون مع الإنتاجية السامة في القيام بالأشياء من أجل تحقيق هدف معيّن. فعلى سبيل المثال، لا ترغب هذه الفئة في المشي فحسب، وإنما يريدون المشي 10 كيلومترات يوميا للتدرّب على المشي لمسافات طويلة في درب الآبالاش. في هذا الشأن، أفادت فرست قائلة إنه “ليس من الضروري أن يكون كل شيء تفعله ذو مغزى”.
شعورك في حالة يُرثى لها وتعاني من ترهلات تحت عينيك
لا يترك لك التركيز على الإنتاجية قبل كل شيء مجالا للرعاية الذاتية. ونتيجة لذلك، ستهمل نفسك وتمتنع عن القيام بأشياء مثل الاستحمام بالماء الساخن أو أخذ قيلولة أو حتى تصفيف شعرك. كما قد تكون هناك أجزاء مهمة أخرى تتعلق بالرعاية الذاتية مثل دفع الفواتير في الوقت المحدد وشراء البقالة والوفاء بالالتزامات.
الاندماج اجتماعيا يجعلك متوترا
عادة ما يكون الجلوس والتحدث أو معرفة أخبار أحبائك تجربة ممتعة وطريقة حيوية لإعادة التواصل مع الآخرين. يمكن أن تجعلك الإنتاجية السامة تشعر وكأنك تضيع وقتك نظرا لأنك لا تنجز أي شيء.
النجاح لا معنى له
ظاهريا، يعدّ النجاح هو الهدف الأسمى من أن تكون منتجا. في المقابل، ينتهي المطاف بالأشخاص الذين يتعاملون مع الإنتاجية السامة في الوقوع في دائرة تحقيق الإنتاجية فحسب. عموما، يعني ذلك أنك عندما تحقق هدفك أخيرا، ستشعر بالفراغ أو أنك لست جيدا بما يكفي. من جهة أخرى، قد تشعر بالإرهاق الشديد لدرجة أنك لا تقدّر ذلك النجاح.
لا يمكنك تذكر آخر مرة شعرت فيها بالفرح
يعدّ الفرح شعورا بسيطا بالبهجة. في المقابل، سيكون من السهل تفويته عندما تركز على هدف تركيزا تاما. حتى وإن اخترت الهدف نظرا لأنك اعتقدت أنه سيجعلك تشعر بالسعادة، قد تجعلك المبالغة في ذلك تفقد السعادة التي تنتظرها. إذا واصلت في هذه الحالة، فقد تنتقل إلى حالة من الاكتئاب أو انعدام التلذذ، وهي حالة لا تشعر فيها بأيّة متعة. في هذا الإطار، قالت فرست إنه “يمكنك أن تفقد القدرة على المشاركة والانخراط بشكل كامل في مجموعة من التجارب التي تقدمها الحياة”.
أطفالك يمارسون نشاطا مختلفا سبعة أيام في الأسبوع
في حال كانت الإنتاجية شيئا تقدّره، فمن المنطقي أنك تريد أن تكون عائلتك وأصدقائك منتجين أيضا. مع ذلك، يمكن أن يصبح ذلك ضارا عندما تدفع باستمرار من حولك للعمل بجدية أكبر وإنجاز المزيد.
مشاهدة الآخرين وهم يستمتعون بوقتهم يزعجك
قد تصبح الإنتاجية السامة متطرفة لدرجة أنك لا تلزم نفسك وأحبائك بمعايير عالية بشكل مستحيل فحسب، بل من الممكن أن تشعر بازدراء عميق لمشاهدة أي شخص “يهدر” الوقت، وهو يفعل شيئا يبدو غير منتج بالنسبة لك.
الطاولة التي بجانب السرير مليئة بكتب تحسين الذات
تُعتبر صناعات الجمال والمساعدة الذاتية الهائلة مكرّسة لفكرة أنك لست جيدا بما يكفي. في المقابل، إذا عملت بجد بما فيه الكفاية (واشتريت ما يكفي من المنتجات)، فسيكون بإمكانك أن تتحسن. في الواقع، من الممكن أن تشعر وكأنك تسعى جاهدا إلى أن تكون إنسانا أكثر ذكاء وثراء وجمالا، ولكنك لا تصل أبدا إلى ذلك الهدف. علاوة على ذلك، من الممكن أن يدمر ذلك احترامك لذاتك ويجعلك تشعر بأنك عديم القيمة.
كيف توقف هذه الدورة؟
إذا كان ذلك يبدو مألوفا بعض الشيء بالنسبة لك، فربما تكون قد وقعت في بعض الأنماط السامة. لا تقلق، فهناك أشياء يمكنك فعلها في الوقت الراهن للعودة إلى توازن أكثر صحة في حياتك.
لا تفعل شيئا
ابذل جهدا واعيا لتخصيص بعض الوقت خلال يومك لا تفعل فيه شيئا على الإطلاق. بإمكانك التحديق في السحاب أو الخربشة على قطعة من الورق أو المشي بلا هدف أو كتابة قصيدة في دفتر يوميات أو ممارسة التأمل. في الواقع، لا يهم كيفية قضائك لهذا الوقت الضائع. في المقابل، قاوم الرغبة في تحديد هدف لهذا النشاط. ويحتاج دماغك إلى فترات من الفراغ ليستريح ويعيد ضبط نفسه.
تعامل مع الشعور الأساسي
تُعتبر الكثير من الإنتاجية السامة مدفوعة بالخوف الكامن من شيء ما: الفشل والشعور بالذنب وعدم الجدارة ونفسك. في هذا الصدد، صرّحت ويلش قائلة: “قد يبدو الأمر وكأنه مفارقة، لكن تعلّم الاعتراف بالمشاعر وقبولها، بدلا من تجنبها بالبقاء مشغولا للغاية، وسيساعد على تغيير هذا النمط”. قد تحتاج إلى معالج نفسي أو غيره من مختصّي الصحة العقلية لمساعدتك على التعامل مع المشاعر الراسخة.
ضع قائمة بقيمك
اسأل نفسك ما هو المهم حقا بالنسبة لك. بعد ذلك، اكتب قيمك (وليس الأهداف)، ثم انظر لكيفية قضائك لوقتك بالفعل لترى ما إذا كانت أنشطتك تتماشى مع قيمك. في هذا الصدد، قالت ويلش: “على سبيل المثال، إذا كانت جودة علاقاتك على رأس قائمتك ولكنك تقضي معظم وقتك في أنشطة العمل، فمن المحتمل أن يكون هناك خلل”.
اجعل الاعتناء بالنفس عادة
خصص وقتا كل يوم للقيام بشيء تدلل به نفسك، مثل الاستحمام بماء ساخن أو تلوين كتاب تلوين للكبار أو العمل على أحجية أو ممارسة الرياضة بلطف. في هذا الصدد، قالت فرست: “قد تشعر بعدم الارتياح وعدم الراحة في البداية، وقد تخشى أن تضيع وقتا ثمينا، لكنك تستحق هذا الاستثمار. استمر في فعل ذلك حتى تصبح عادة بالنسبة لك”.
ابتعد عن التكنولوجيا لبعض الوقت
تزدهر الإنتاجية السامة في ثقافتنا الرقمية المتصلة الحديثة. لذلك، يعدّ الابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية المفتاح للتخلص من هذا التوتر. كنتيجة لذلك، حدّد موعدا كل أسبوع لقضاء ساعة على الأقل دون أيّة أجهزة إلكترونية، بما في ذلك هاتفك.
المصدر: ريدرز دايجست الآسيوية