يُعتبر حي وادي الجوز المنطقة الصناعية الوحيدة الموجودة في شرق القدس المحتلة، فعند زيارتك للمكان ستجد بشكل أساسي العديد من ورشات تصليح السيارات والنجارة والمخابز والمطاعم وغيرها، التي يسعى الاستعمار الإسرائيلي إلى اقتلاعها وإحلال مشاريع ضخمة تكنولوجية مكانها، فيما بات يُعرف بمشروع “وادي السيليكون”.
نقدِّم هذا المقال استكمالًا لما بدأناه في سلسلة “أحياء القدس”، للتعرُّف إلى الأحياء المقدسية التي تعاني من خطر التهويد وسياسة الاستعمار، في إفراغ المدينة من سكّانها الأصليين لصالح الجمعيات الاستيطانية، لعزلها عن الجغرافيا الفلسطينية وتغيير الطابع العربي الفلسطيني إلى طابع إسرائيلي صهيوني.
عن حيّ وادي الجوز
يقع حي وادي الجوز السكني في شمال الزاوية الشمالية الشرقية لسور القدس المحتلة.
في بدايات القرن الـ 20، كان في الحي منازل لعائلات: البدرية، شهوان، الهدمي، الدويك، عكرماوي، أبو غزالة، شرافة، حمدون، الدجاني، كمال، العفيفي وقطينة. وكانت المنازل في الحيّ أكثر بساطة من التي في المناطق الأكثر ثراءً في المدينة الجديدة.
وسُمّي الحي بوادي الجوز لنمو أشجار الجوز فيه، وبعضها ما زال موجوداً حتى اليوم، كما يسكن فيه 15.073 نسمة بحسب تحديثات بلدية القدس لسنة 2017، وفيه ما يقارب 2134 شقة سكنية.
المخططات التهويدية
يواجهُ الحي مجموعة من التحديات، أبرزها الخطة الهيكلية للقدس المحتلة التي تم تصديقها من لجنة البناء والتخطيط في بلدية الاحتلال في يونيو/ حزيران 2009، والتي تهدف إلى توسيع الحضور الاستيطاني في القدس المحتلة والتضييق على الوجود الفلسطيني فيها.
ومن ضمن بنود الخطة القضاء على سوق الخضار الموجود في وادي الجوز، ومصادرة بعض الأراضي وبناء فندق على أنقاض الأملاك الفلسطينية، وفي الوقت الراهن يستهدِف وادي الجوز مشروعان استعماريان، هما: وادي السيليكون الذي لم يُقَرَّ من البلدية واللجنة اللوائية بعد، ومخطّط مركز المدينة الاستعماري.
الاستعمار بصورته التكنولوجية
وافقت لجنة التخطيط والبناء المحلية في بلدية القدس بتاريخ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 على خطة رئيسية بعنوان “تطوير وادي الجوز”، تتضمن هدم 200 منشأة فلسطينية ومصادرة 2000 دونم من الأراضي.
وكجزء من البرنامج، سيتم نقل المستأجرين وأصحاب المحلات إلى مناطق أُخرى مثل العيسوية وأم طوبا (وتلك المناطق لا تضمّ مناطق صناعية، ولا ورشات لتصليح السيارات مثل وادي الجوز، وهناك من يقول إن النقل سيتمّ للمناطق الصناعية الإسرائيلية في عطروت ومشير أدوميم). وتستهدف الخطة تحويل المنطقة إلى منطقة صناعية وسياحية وتجارية ومناطق تكنولوجية متقدِّمة.
اشتمل المخطط أيضًا على “تطوير” طرق المواصلات، مع التركيز على الدراجات الهوائية وممرات المشاة، وقد يمتد القطار الخفيف (الترام) إلى المنطقة مع إقامة حديقة في المكان، وأشارت وسائل إعلام متعددة أن المشروع الاستعماري يستهدف مساحات واسعة من وادي الجوز، ويهدف إلى بناء أبراج تجارية وفندقية بارتفاع 16 طابقًا، إذ يهدف هذا المشروع بالأساس إلى إزالة ومحو المعالم العربية الفلسطينية، وتحويلها إلى إسرائيلية.
لماذا حيّ وادي الجوز؟
اختارت سلطات الاحتلال التخطيط للمشروع الاستيطاني التهويدي في حي وادي الجوز، بسبب قربه من مركز الجامعة العبرية، ومن محطة مستقبلية لخطِّ القطار الخفيف، ويرتبط بمبانٍ استيطانية وحكومية أخرى في المنطقة، مثل منطقة الوزارات الإسرائيلية ومستوطنة الشيخ جرّاح المقامة على أرض قصر المفتي.
يشكِّل المخطط مع البيئة حوله امتدادًا استيطانيًّا يحيط بمناطق وادي الجوز والشيخ جرّاح، ويتصل مع شارع رقم 1 الاستيطاني وغرب القدس المحتلة.
الهدف من وراء هذا المشروع دمج المقدسيين بالمجتمع والاقتصاد الإسرائيلي، كأدة لتطويعهم وضبطهم وقطعهم عن امتدادهم الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة.
وادي الجوز والإمارات العربية
تشجَّعت “إسرائيل” بعد تهافُت حكّام الإمارات على تطبيع علاقاتهم معها، وازدادت شراسة استيطان وادي الجوز بعد موافقة حكّام الإمارات العربية، وبعض المستثمرين من أبنائها، على إقامة مشاريع استثمارية في المنطقة.
وكانت نائبة رئيس بلدية الاحتلال في القدس المحتلة، فلور حسن ناحوم، قد صرّحت في وقت سابق، بقيام تعاون واستثمار إماراتي-إسرائيلي مشتركَين في هذه المنطقة، بعد أن التقت في الإمارات بمستثمرين ورجال أعمال هناك، رحّبوا بالمشروع وأبدوا استعدادًا للمشاركة فيه.
وسيشمل التعاون الإماراتي-الإسرائيلي “تطوير” منطقة التكنولوجيا الفائقة “وادي السيليكون”.
الأخطار المتوقعة
في حال نفِّذ هذا المشروع، سيمثّل خنجرًا في قلب المدينة المقدسة، وسيمتد جنوبًا مع وادي قدرون إلى منطقة حي البستان في بلدة سلوان.
لن تنجو مقبرة باب الرحمة الإسلامية والمقبرة اليوسفية، اللتان تضمان رُفات عدد من الصحابة الذين شاركوا في الفتح الإسلامي للمدينة، وضمنهما قبرا الصحابيَّين الجليلَين عبادة بن الصامت وأوس بن حجر.
تُعتبر منطقة وادي الجوز المتنفّس الأخير لمواطني القدس القديمة، ويشمل المخطط الحالي الاستيلاء على أكثر من 30 دونماً، تقوم عليها “ورشات تصليح السيارات”، التي يخطَّط لنقلها إلى امتداد وادي قدرون (وادي النار) في المنطقة الفاصلة بين شطرَي السواحرة الغربية والشرقية، الذي تمرُّ فيه مجاري القدس المحتلة.