برأي طيف واسع من السوريين، تمثل طهران أكبر خطر على بلادهم بعدما باتت تهمين على حيزها العام بجوانبها المتعددة، الثقافية والسياسية والاقتصادية فضلًا عن العسكرية، إذ تتغلغل أذرعها المليشياتية والحربية في كل ثكنة وجبهة، وتندس أطقمها في مؤسسات اقتصادية كبرى وسيادية مكافأة لتدخلها لصالح الأسد في حربه ضد شعبه، فيما تنتشر بروباغندا الولي الفقيه في الشوارع والمساجد والأحياء، عبر المقامات الاعتباطية ومواكب المطبرين والحوزات والحسينيات.
العلاقات الحميمة بين آل الأسد ونظام الولي الفقيه لم تنشأ عقب اندلاع الثورة السورية، بل تمتد إلى ما قبل الثورة الخمينية ذاتها، لكن طهران فازت بنصيب الأسد من كعكة الشام بعدما شرع النظام أبواب سوريا لكل أنواع الاحتلالات للبقاء في الحكم بعد الانتفاضة الجارفة، وأصبحت تسرح وتمرح وتأمر وتنهي حتى تجرأ قياديون إيرانيون لوصف عاصمة الأمويين بالمحافظة الـ35 لبلاد فارس.
لتتضح الصورة أكثر، أجرينا حوارًا في “نون بوست” عبر خدمة واتساب، مع المهندس والسياسي السوري مطيع البطين، وهو عضو سابق في المجلس الوطني السوري، وعضو مجلس الأمناء في المجلس الإسلامي السوري، ومؤلف كتاب “الاحتلال الإيراني لسورية.. الممارسات والمواجهة”.
إلى الحوار..
ما أهمية سوريا لإيران لتعطيها كل تلك الأهمية منذ القرن الماضي؟
بداية، فإن سوريا تقع ضمن الهلال الإيراني، أو كما قال زعيم مليشيا عصائب أهل الحق في العراق إن منظمته ماضية في مشروعها لإقامة ما أسماه البدر الشيعي وليس الهلال الشيعي، أيضًا سوريا طريق إيران للبحر المتوسط لتسهيل تصدير منتجاتها من الطاقة إلى الأسواق العالمية ولبنان حيث ميليشيا “حزب الله” التابع لطهران.
ولا ننسى أن إيران كمشروع يقوم على الطائفية، فهي تعد سوريا البلد الذي ظُلم فيه آل البيت، لذلك لا بد من استدعاء التاريخ ورد الحقوق لأصحابها كما يدعي أصحاب مشروع التشيع السياسي، والأسباب كثيرة جدًا، إذ تعد دمشق قلب المشروع الإيراني كما ذكرت تصريحات على أعلى المستويات خلال سنوات ماضية، ويبين ذلك الرايات والشعارات التي ترفعها الميليشيات الإيرانية الموجودة على الأرض السورية.
كيف عملت إيران على التغلغل ضمن المجتمع السوري؟
تستغل إيران وجودها في سوريا بكل ما تستطيع من خلال عدة نشاطات ولعل أهمها الجمعيات، منذ أيام جمعية الإمام المرتضى التي تأسست في ثمانينيات القرن الماضي على يد جميل الأسد شقيق حافظ الأسد، وقد حل الجمعية حافظ الأسد إثر خلافه مع أخيه رفعت، واستقطبت إيران كل أعضاء الجمعية لتعمل معهم على مشاريع مشابهة.
كما أنها تتغلغل داخل المجتمع السوري من خلال استقطاب الشخصيات التابعة لها طائفيًا ومدها بكل وسائل الدعم من أجل نشر التشيع، إضافة إلى اختراقها نسيج القبائل والعشائر خصوصًا تحت شعار “القبائل المنسوبة لآل البيت”، وتقول لهم يجب أن ترجعوا لأصولكم، ومثال ذلك نواف البشير الذي شكل ميليشيا العشائر التي تقاتل لحساب إيران في سوريا، إضافة إلى تأمينه الدعم لميليشيا الباقر التي ينحدر عناصرها من عشيرة البكارة التي ينتمي إليها البشير وينصب نفسه زعيمًا عليها في مناطق حلب وديرالزور.
إضافة إلى ذلك تعمل طهران على تغيير البيئة والعادات والمظاهر من خلال تغلغلها في الأحياء القديمة التي ممكن أن يوجد فيها مزار أو قبور وبناء المقامات والحوزات التي تنشر من خلالها التشيع.
كيف اختلفت العلاقة الإيرانية السورية خلال حكم الأسد الأب والابن؟
في كلتا المرحلتين كان هناك تعاون من النظام مع إيران، لكن حافظ الأسد لم يفتح الأبواب أمام طهران مثلما فعل ابنه بشار، إضافةً إلى أن حافظ الأسد كان يراقب ويجعل الكثير من الأمور الخاصة بالعلاقة مع طهران تحت سيطرته، فكان يعطي لطهران ويأخذ منها، لكن الابن سلم البلاد بشكل واسع وفتح كل الأبواب والوزارات والمحافظات والمدن والمؤسسات لملالي طهران.
نستطيع القول إنه باع سوريا للإيرانيين، وهذا فرق أساسي بين الابن وأبيه، بالإضافة إلى أن حافظ الأسد كان متابعًا عبر أجهزته الأمنية لأنشطة طهران في البلاد، أما الآن فتجد أن إيران تدير الأجهزة الأمنية، لا بل لها استقلاليتها داخل سوريا.
أود أن أسألكم عن الدافع الذي جعلكم تصدرون كتابكم “الاحتلال الإيراني لسورية.. الممارسات والمواجهة”؟
لا يوجد عمل متكامل على مستوى الساحة السورية درس المشروع الإيراني وتتبع الأساليب وطرح مشروع للمواجهة، حاولت جاهدًا أن أصنع ذلك من خلال الكتاب، لذلك كان هذا من أهم الأسباب التي حفزتني لتأليف الكتاب، كي يعطي صورةً واضحةً موثقةً دقيقةً ويتتبع الأساليب والأسماء والشخصيات والوزارات ومن يعمل لصالح إيران فيها، إلى جانب توضيح تغلغل طهران داخل العشائر وغير ذلك، كل هذا يعني أن الكتاب سرد متسلسل وتوثيق وتبيين لحقيقة المشروع ثم بعد ذلك بينت كيفية المواجهة، وما هي الأدوات والوسائل.
خلال السنوات العشرة الأخيرة.. هل زادت وتيرة التوغل الإيراني في سوريا؟
في السنوات العشرة الأخيرة تضاعف تغلغل إيران في سوريا بشكل مخيف بمختلف المفاصل والمناحي في سوريا، وتدخل طهران في سوريا يعتبر أخطر من أي تدخل آخر في البلاد من روسيا وغيرها، إذ استغلت إيران ما حصل في سوريا وساهمت في تهجير المسلمين السنة، كما كثفت من إنشاء المزارات وتطويرها، إضافة إلى العقود التي أبرمتها فيما يشبه بيع لسوريا، ولا ننسى الثكنات العسكرية والقواعد التي تسيطر عليها، كما أنها عقدت اتفاقيات في مجالات التعليم العالي والجامعات التابعة لإيران، إلى ذلك فقد عملت بكل ما تستطيع على وجود طويل الأمد في البلاد.
ما الآليات الجديدة التي تعتمدها طهران لنشر التشيع في سوريا؟
تعمل طهران على عدة نواحي في سبيل نشرها للتشيع، وبشكل أساسي فإن الإعلام هو سلاحها الأخطر سواء كان الحضور على قنوات النظام أم القنوات المستقلة التابعة لها، أما المسألة الثانية فهي وضع مكاتب لدى كل ميلشيا شيعية في سوريا لاستقطاب الفقراء والمحتاجين والملاحقين أمنيًا وإغرائهم بالمال والوعود بالكف عن الملاحقة، إضافة إلى دخول إيران عبر بوابة الفن والمسرح، فقد عرضت مسرحية “الشمس تشرق من حلب”.
كما تستغل طهران لنشرها التشيع فئة الأطفال وفئات الكشافة والهيئات الشبابية وتعمل على زيادة الاحتفالات وإقامة المؤتمرات واستقطاب أساتذة الجامعات والطلبة، ويذكر أن إيران تسعى إلى نشر اللغة الفارسية والثقافة الفارسية من خلال الاتحاد الكتاب أو المراكز الثقافية في مختلف المناطق في سوريا.
هل أصبحت إيران مسيطرة بشكل كامل على مفاصل الحياة في دمشق؟
لا يمكن القول إن إيران سيطرت على مفاصل الحياة بشكل كامل، هذا المجتمع السوري مجتمع عميق، طبعًا العمل الإيراني خطير جدًا ويوجد تغلغل كبير لكن الناس في وعي إلى حد كبير بخطورة الأمر وقد يكون الناس مقيدين بسبب بطش النظام لكن في قرارة أنفس الناس وثقافتهم وتاريخهم أن إيران بلد طائفية ومحتل ومعتدٍ، فلذلك لا نستطيع أن نقول إنها غيرت المجتمع، نعم هي أثرت إلى حد بعيد وقطعت شوطًا خطيرًا، لكن المجتمع لم يذهب بكليته وعمومه مع إيران.
لذلك طهران تستعيض ذلك من خلال تغيير الوجه أو الطابع، مثلًا اللطميات والندب التي تقيمه في مختلف أحياء دمشق والفعاليات وشراء الأراضي والبيوت، بهذا الشكل تحاول التغيير، كما وصف أحدهم أن دمشق تلتحف بالسواد في المناسبات الإيرانية، كذلك حلب وحمص وبقية المدن السورية.
إلى أين وصل صراع النفوذ الروسي الإيراني في سوريا؟ وكيف يسير في درعا والجنوب السوري؟
في الكلام عن صراع النفوذ الإيراني الروسي، إذا تحدثنا عن الوجود العسكري فإن الوجود الروسي أقوى بمراحل وذلك لاختلاف موازين القوى ولو اختلفت الأعداد، ربما الأعداد الروسية أقل من الإيرانية لكن القوة العسكرية والكلمة في هذا الجانب لروسيا، روسيا دولة عظمى سلاحًا ومكانةً، وتحاول إيران أن تستعيض عن ذلك بكثرة وجود الميلشيات واختراق جيش النظام السوري، لكن إيران تحاول أن تكون أقوى بامتدادها على الأرض وهذا هو الوجود الأخطر.
مثلًا في محافظة درعا هنالك مناطق الوجود الإيراني فيها أقوى وأظهر، وهنالك مناطق الوجود الروسي هو الأكبر، وبالنسبة لإيران في المنطقة الجنوبية مرفوض وجودها من دول الجوار مثل الأردن، ومن كيان الاحتلال فلذلك تجد بأن الروس كلاعب دولي أوراقهم أقوى ومع ذلك فإن طهران لا تترك هذه الورقة، فتتحمل الضربات وتخترق المجتمع وتشكل الأنصار وتقيم قواعد في حالة تنافس بالفعل وظاهرة لكل متابع.
نحن اليوم أمام احتلال إيراني واضح للبلاد، ما الإجراءات الواجب اتخاذها للتخلص من هذا الاحتلال خاصة في ظل حالة التراجع والانكسار العسكري للمعارضة؟
مختصر الكلام: إيران لديها مشروع، والمشروع لا يُواجه إلا بمشروع يصده ونحن نحتاج إلى مشروع تكون أدواته تعليمية وحقوقية وتربوية وإعلامية ودعوية وعلمية بالإضافة إلى السياسة والمقاومة وحشد الموقف الدولي، ليس الأمر فقط في معارضة تواجه إيران، فطهران مشروعها في كل العالم العربي والإسلامي وتحتاج إلى وقوف إقليمي ودولي في وجهها، وينبغي أن يكون عملًا مشتركًا وواسعًا لمواجه المشروع السرطاني الذي يتغلغل في العراق ولبنان وسوريا واليمن والخليج العربي وغيره.
هل تعتقد أن الاحتلال الإيراني لسوريا سيدوم أم ثمة أمل بجلائها عن بلادنا؟
إيران بلد محتل ولا بد من مقاومة هذا المحتل وعلى قدر ما نكون أهل لهذا التحدي والواجب على قدر ما يكون الأمل والمستقبل قريب من إخراج إيران من سوريا، صحيح أن الأمر صعب في مسألة التغلغل لكنه بالتأكيد سيكون بوعي السوريين وتكاتفهم وانتمائهم واستقوائهم ببعض ضد المحتل الطائفي والدخيل.
توجد محاولات كثيرة تاريخية لإيران لتغيير هوية بلدان، ولم يبق هذا، لذلك فإن طهران الآن محاصرة أخلاقيًا ومعراة بسبب السلوك الطائفي والقتل وتصدير الإرهاب العابر للحدود، تعرية إيران وإسقاط أوراقها وفضح أساليبها وسلبها ما تحاول أن تدعيه أنها بلد مقاومة وممانعة، إيران باتت في عزلة ورفض من كل شعوب المنطقة لذلك المسألة مسألة وقت.