ترجمة وتحرير: نون بوست
تعكس الزيارة التي أداها وزير الدفاع التركي خلوصي آكار إلى قرغيزستان وطاجيكستان رغبة أنقرة في زيادة نفوذها بآسيا الوسطى. بشكل عام، ينصب تركيز تركيا على تعزيز التعاون العسكري مع الدول التي تشعر بالقلق إزاء تدهور الوضع في أفغانستان.
تعتبر تركيا من الدول القليلة التي لم تخف استعدادها للبقاء في أفغانستان بعد انسحاب القوات التابعة لحلف شمال الأطلسي.
زيارة مهمة
في تصريحات أدلى بها خلال زيارته لطاجيكستان التي حظي فيها بترحاب حارّ، قال وزير الدفاع التركي خلوصي آكار:”نحن على استعداد لتعميق تعاوننا في مجال الدفاع والأمن والصناعات الدفاعية، إلى جانب تبادل الخبرات في مجال أمن الحدود ومكافحة الإرهاب”. وبحسب وزير الدفاع التركي، تعتبر دوشانبي شريكا مهما لأنقرة، حيث تربطهما علاقات وثيقة ثقافيا ودينيا وتاريخيا.
من جانبه، شدد نظيره الطاجيكي شيرالي ميرزو، على أهمية التنسيق بين القوات المسلحة للبلدين، وضرورة التعاون على الساحة الدولية، وتبني مواقف مشتركة بشأن مختلف القضايا الإقليمية. وخلال اجتماع مع رئيس طاجيكستان إمومالي رحمون، ناقش آكار الوضع الراهن في أفغانستان عقب تقدم حركة طالبان في عدد من المحافظات خلال الأسابيع الأخيرة، وخاصة في شمال البلاد.
وخلال زيارته لقيرغيزستان، ناقش وزير الدفاع التركي القضايا ذاتها. وقد صرح رئيس وزراء قيرغيزستان صدير جاباروف على هامش الزيارة: “بالنظر إلى عدم استقرار الوضع في المنطقة وتفاقم التهديدات المتزامنة مع تدهور الوضع في أفغانستان، فإن التعاون العسكري التقني يمثل ضرورة في الوقت الحاضر”.
كما أعرب جاباروف عن استعداده لتعزيز التعاون مع أنقرة من أجل إحلال السلام والاستقرار في كلا البلدين والمنطقة ككل. من جانبها، وعدت تركيا بتدريب الكوادر العسكرية القرغيزية.
مقابل تقديم المساعدة العسكرية، تطالب أنقرة بتصنيف منظمة فتح الله غولن منظمة إرهابية وتسليم مؤيديها إلى تركيا. وعلى ما يبدو، توصلت تركيا إلى اتفاق مع بيشكيك في هذا الشأن بعد الزيارة التي قام بها الرئيس القيرغيزي جاباروف إلى تركيا في التاسع من حزيران/ يونيو واجتماعه مع الرئيس رجب طيب أردوغان.
في مؤتمر صحفي مشترك، أشار الرئيس التركي إلى القضايا التي طرحت للنقاش، بما في ذلك مكافحة المنظمات الإرهابية، ومنها منظمة فتح الله غولن. وقال أردوغان: “كشفت الأزمات السياسية الأخيرة عن الوجه المظلم والدموي لمنظمة فتح الله غولن. سوف نتغلب على ذلك عن طريق دعم بعضنا البعض إن شاء الله”. بعد ذلك، وردت تقارير تتحدث عن نية أنقرة تقديم مساعدات عسكرية تقنية لقرغيزستان.
في ذروة الصراع الذي نشب بين طاجيكستان وقيرغيزستان، لم تدخر تركيا جهدا في لعب دور الوسيط. في 29 نيسان/ أبريل، تصاعد التوتر في المناطق الحدودية بين البلدين وحدث اشتباك عسكري دام أكثر من ست ساعات، أسفر عن مقتل حوالي 40 شخصا وإصابة أكثر من 200 آخرين بجروح. وقد تم الاتفاق على عقد هدنة مساء 30 نيسان/ أبريل.
طالبان ترفض بقاء القوات التركية
في الوقت الراهن، تعد تركيا من الدول القليلة التي أبدت استعدادها للبقاء في أفغانستان بعد انسحاب القوات الغربية. وقد أفاد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان أن الرئيسين جو بايدن ورجب طيب أردوغان اتفقا على تولي الجيش التركي زمام المبادرة لضمان أمن مطار كابول بعد انتهاء مهمة الناتو في أفغانستان.
لكن رغم علاقاتها الجيدة مع أنقرة، طالبت قيادة طالبان تركيا بسحب قواتها وفقا للاتفاق الموقع في 29 شباط/ فبراير عام 2020. في هذا الشأن، قال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد: “إذا أراد الأجانب الحفاظ على وجود عسكري هنا لضمان أمن المطار، فلن يسمح الأفغان بذلك وسيعتبرونهم غزاة، سواء كانت تركيا أو أي دولة أخرى”.
وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الناتو قد بدؤوا بتنفيذ إجراءات الخروج من أفغانستان، ومن المتوقع اكتمال عملية الانسحاب بحلول 11 أيلول/ سبتمبر من السنة الجارية.
ومن المنتظر بقاء حوالي 650 عسكري في البلاد لضمان أمن الدبلوماسيين الأمريكيين، مقابل تمركز مئات من الجنود الأتراك في مطار كابول لبعض الوقت.
من جانبها، تنفي أنقرة نية إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان. في الواقع، تتيح السيطرة على مطار كابول توسيع نفوذ تركيا في المنطقة، في الوقت الذي يتقلص فيه الوجود الغربي.
موقف موسكو
يرى الباحث في مركز دراسات الشرق الأوسط بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أليكسي دافيدوف، أن العلاقات التركية الأمريكية تشهد تحسنا ملحوظا في الفترة الحالية بعد التقلبات التي عرفتها خلال السنوات الماضية. في الحقيقة، خلق الوضع في أفغانستان فرصة لمزيد من التعاون بين الدولتين الحليفتين في حلف شمال الأطلسي.
وحسب رأيه، لا تمانع واشنطن في زيادة نفوذ أنقرة خارج مجال النفوذ التقليدي الأمريكي، بما في ذلك القوقاز وآسيا الوسطى، وجزئياً في جنوب آسيا والشرق الأوسط، باستثناء المناطق التي يقطنها الأكراد وإسرائيل.
ويعتقد دافيدوف أن تركيا لديها ميزة مهمة تتمثل في امتلاكها قوة جوية متطورة مقارنة بعديد الدول الأخرى الأعضاء في الناتو. وبالنظر إلى أن أنقرة ستتولى تأمين مطار كابول، فإن هذا يخول لها امتلاك ورقة رابحة تساعدها على تعزيز علاقاتها مع دول آسيا الوسطى.
ويتابع الباحث الروسي أنه في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا، فإنها قد تواجه بعض المشاكل. وفي حال أخذت على عاتقها التزامات عسكرية وسياسية إضافية في هذه المنطقة الساخنة، فإنها تخاطر بمواجهة سخط شعبي.
من جهته، يرى الباحث البارز في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية فيكتور نادين رايفسكي أن نفوذ أنقرة في منطقة آسيا الوسطى كبير، وليس بالأمر الجديد. سنة 1992، شجع فتح الله غولن الشباب الأتراك على الذهاب إلى آسيا، وقد تم تأسيس مدارس ثانوية تركية وإعطاء 26 ألف منحة للدراسة في تركيا، مما ساعد على خلق نخبة مؤيدة لتركيا.
ورغم عدم قدرة أنقرة على دعم هذه المنطقة اقتصاديا بسبب قلة الموارد، غير أنها حققت الكثير عن طريق المجلس التركي الذي يوحد البلدان والمناطق الناطقة بالتركية في روسيا، فضلا عن التدريب في الأكاديميات العسكرية التركية.
وحسب رايفسكي، فقد استثمرت الشركات التركية في المنطقة وأقامت عديد المشاريع. ويشمل التعاون أجهزة الأمن الداخلي، حيث تتمتع الكوادر الأمنية بالتدريب في تركيا. بناءً على ذلك، يزيد تأثير تركيا على سياسات هذه الدول.
بسبب قلة الموارد المالية، لم يتمكن الأتراك من دحر روسيا بالكامل من الجمهوريات السوفيتية السابقة. وكانت دول آسيا الوسطى ترى أن تركيا هي الطريق الأفضل للتقارب مع الغرب والنأي بنفسها عن موسكو، لكن مع إدراك صعوبة انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، قررت هذه الدول مراجعة سياساتها الخارجية.
مع ذلك، يرى رايفسكي أن تركيا مازالت قادرة على أن تكسب موطئ قدم في المنطقة. بالنسبة لمصالح روسيا، يخشى الأتراك أن تعطّل موسكو بعض قنوات الاتصال، ولكن حتى الآن لم يتخذ الجانب الروسي إجراءات من شأنها أن تحد بطريقة أو بأخرى من النفوذ التركي.
المصدر: إيزفستيا