ترجمة وتحرير: نون بوست
كشف المتحف الفلسطيني في بلدة بير زيت بالضفة الغربية المحتلة عن مجموعة مكونة من 240 قطعة من الملابس الفلسطينية التقليدية والمجوهرات وأغطية الرأس. وقد عُرضت القطع – التي يعود تاريخها إلى ما بين 50 وحتى 100 سنة – في فلسطين بعد أن نجحت حملة تمويل جماعي في دفع مبلغ إعادتها إلى موطنها بعد عقود أمضتها في الجانب الآخر من الكرة الأرضية في الولايات المتحدة.
تشمل القطع 80 ثوبًا ارتدتها نساء فلسطينيات يعود تاريخ بعضها إلى ما لا يقل عن 80 سنة، مما يعطي لمحة عن الأزياء الفلسطينية قبل النكبة – التي تشير إلى طرد أكثر من 700 ألف فلسطيني من ديارهم من قبل العصابات الصهيونية قبل وأثناء تأسيس إسرائيل في سنة 1948.
قال أمين المجموعات في المتحف الفلسطيني، بهاء الجعبة: “نحتفل اليوم بوصول مجموعة كبيرة من الولايات المتحدة إلى فلسطين، وتشكل رحلة عودتها إلى موطنها الأصلي رمزا إلى حق العودة”.
أوضح الجعبة أن أهمية هذه المجموعة تنبع من تنوع العناصر الثقافية التي تحتويها، ليس في الأثواب فحسب، بل أيضا في الإكسسوارات وأغطية الرأس التي تأتي من أجزاء مختلفة من فلسطين التاريخية. وأضاف أنه أثناء دراسته للمجموعة لاحظ تأثير الثقافات الأخرى، مثل السورية والتركية، على أشكال التطريز وأنماط الملابس.
العودة للوطن
في بادئ الأمر، كانت المجموعة التاريخية محفوظة لدى الباحث عبد السميع أبو عمر في فلسطين، ثم قام بعد ذلك بنقلها إلى الولايات المتحدة لوضعها في أحد المعارض. هناك، حصلت ثلاث نساء أمريكيات من أصول فلسطينية من “لجنة الحفاظ على التراث الفلسطيني” على المجموعة وقمن بالحفاظ عليها.
لأكثر من 30 سنة، عملت هؤلاء النساء بلا كلل للحفاظ على المجموعة وعرضها في صالات العرض في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وفي نهاية المطاف، شعرن أن القطع الأثرية الثقافية تنتمي لفلسطين وقررن إعادتها، لذلك عهدنَ بالمجموعة إلى المتحف الفلسطيني.
يقول بهاء الجعبة إن القطع الأثرية تبين مدى عمق الثقافة الفلسطينية.
إلى جانب ترميمها والحفاظ عليها، يهدف المتحف الفلسطيني إلى توثيق المجموعة ودراستها وإتاحة المعلومات للباحثين. وقال الجعبة إن “التحليل الشامل للعناصر المختلفة في كل قطعة يقدم نظرة تاريخية عن المعتقدات التي تنعكس في هذه القطع الأثرية”، مضيفًا أن إزاحة الستار عن هذه القطع يأتي في وقت يتعرض فيه مفهوم التراث الفلسطيني للهجوم من قبل البعض في إسرائيل.
وتابع حديثه: “نسعى من خلال هذه المجموعة إلى الكشف عن مدى عمق وأصالة هذا التراث، وحمايته، ونزع الطابع السياسي عنه، من خلال سرد قصته الحقيقية. إن تراثنا ليس في حاجة إلى دفاعنا عنه، فثراءه يكفيه”.
تضم المجموعة أثواب وأغطية للرأس وقطع مختلفة من المجوهرات.
يرتبط كل نمط من أنماط التطريز بمنطقة جغرافية معينة من فلسطين، ويعكس التاريخ والحياة الاجتماعية لكل منها. كما أنه للأنماط المطرّزة على الأثواب وظائف مختلفة، إذ توجد أنماط مختلفة مخصّصة للأرامل والعرائس والاستخدام اليومي وللمناسبات مثل الجنائز. ويعود تاريخ أحد الأثواب، الذي يعتقد الجعبة أنه القطعة الأكثر إثارة للاهتمام، إلى 80 عاما حيث يحتوي على دموع يُزعم أنها تعود لصاحبته مجهولة الهويّة التي تغلّب عليها الحزن.
من بين العناصر البارزة الأخرى في المجموعة، عملات فضية كانت تعلّق على وشاح الرأس وتستخدم للتعبير عن المكانة الاجتماعية، وحلي دينية، مثل تمائم التحصين والحب والعلاقات الحميمة.
الخوف من الخسارة
إن المجموعة الآن في أمان في المتحف، إلا أن عملية جمعها لم تكن سهلة. لقد سيطر الخوف على أذهان منشئي المتحف بسبب النفقات المترتبة عن التأمين عليها والقلق من إمكانيّة مصادرة المجموعة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي. حيال هذا الشأن، قال مدير الموارد البشرية بالمتحف، سامر مخلوف، في تصريح له لموقع “ميدل إيست آي”: “كان يتملكنا خوف شديد من تعرّض المجموعة للسرقة أو التخريب المتعمّد عند نقاط العبور الحدودية الإسرائيلية. لذلك، توجّب علينا البحث عن حلول بديلة من شأنها أن تضمن سلامة المجموعة عند المعبر الحدودي الإسرائيلي، خاصة وأننا نخوض حربا للسيطرة على التاريخ والثقافة”.
قال مخلوف إن القطع نُقلت على مراحل لضمان عدم خضوعها للتدقيق من قبل الضباط الإسرائيليين، لكنه رفض توضيح الأساليب المحددة المستخدمة حيث يعتزم المتحف استخدام نفس الأساليب مستقبلا.
صرّح مسؤولو المتحف بأنهم قاموا بتهريب القطع بشكل تدريجي لتجنب التدقيق من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
ووفقا للمسؤول عن المتحف، فقد سبق أن فُقدت القطع الأثرية حيث يزعم الفلسطينيون أنها سُرقت بينما قال الإسرائيليون إنها ضاعت. وذكر مخلوف: “كنا نعيش في كابوس إلى أن وصلت المجموعة كاملة وسالمة إلى فلسطين”. وقد كان نجاح المتحف في إعادة المجموعة إلى فلسطين سبب احتفال للجميع وليس فقط للمشرفين عليه.
زارت مها أبو شوشة، وهي فلسطينية مهتمة بالتراث الفلسطيني وجامعة للقطع الأثرية التقليدية، المتحف لتفقد المعروضات الجديدة. وصرّحت لموقع “ميدل إيست آي” بأن الأمر المهم بخصوص هذه المجموعة هو أنها غادرت فلسطين فقط لتعود إليها، موضحة أن “كل ثوب في هذه المجموعة هو في حد ذاته عالم فريد من نوعه، وقد صُنع يدويًا من قبل امرأة فلسطينية وضعت فيه أجزاء من روحها وذوقها وعالمها وواقعها الاجتماعي وعلاقتها بمجتمعها. يروي كل ثوب في هذه المجموعة حكاية، ولهذا السبب كان من المهم استعادتها والحفاظ عليها، لاستكشاف وتحليل رموزها وأنماطها. فمن خلال هذه الرموز، يمكننا أن نجد تراثا يعود لجيل بأكمله”.
المصدر: ميدل إيست آي