أعلنت الرئاسة الجزائرية مساء الأربعاء عن التشكيلة الجديدة للحكومة، التي بدأت تثير الجدل فور صدور الأسماء التي تضمّنتها، كونها ضمت وزراءً عُرفوا بموالاتهم للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بل كانوا من مؤيّدي الولاية الرئاسية الخامسة التي أسقطها الجزائريون عبر حراك 22 فبراير/ شباط 2019، الذي تأملوا منه أن يكون قطيعة مع الممارسات البالية السابقة.
وإن كان الحكم على أداء الطاقم الحكومي الجديد سابق لأوانه، إلا أن تخليها عن صبغة الكفاءات ولبسها رداء السياسة جعل البعض يتخوّف من إمكانية عدم نجاحها، وهي التي كان يُنتظر أن تكون اقتصادية بامتياز، بالنظر إلى التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها البلاد.
بحقيبتَين
في تمام الساعة الخامسة مساء بالتوقيت الجزائري من مساء الأربعاء، ظهر الناطق باسم الرئاسة الجمهورية بالنيابة سمير عقون، وهو صحفي سابق، لأول مرة إعلاميًّا بهذا المنصب، عبر شاشة التلفزيون الحكومي، ليتلوَ بيان رئاسة الجمهورية المتضمن إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة، التي يفترض أن تكون منبثقة عما أفرزته الانتخابات التشريعية التي جرت في 12 يونيو/ حزيران المنقضي.
وتضمنت الحكومة الجديدة 32 وزيرًا، بما فيهم الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان الذي سيكون على خلاف سلفه عبد العزيز جراد، مكلّفًا بمهمتَين، حيث سيحتفظ بحقيبة المالية التي كان يشغلها في الحكومة السابقة.
وإن لم تُعلِن الرئاسة إن كان بن عبد الرحمان سيدير وزارة المالية مؤقتًا أم أنه سيحتفظ بها طوال توليه الحكومة، فإن تكليفه بهذه المهمة المزدوجة أثار رأيَين، الأول يؤيّد هذا التكليف بالنظر إلى خبرة الرجل في قطاع المالية الذي شكّل أساس سيرته التعليمية والمهنية، وبالنظر إلى الإصلاحات التي باشرها في قطاع المالية، خاصة بالعمل على رقمنة النظام البنكي وتوسيع الصيرفة الإسلامية، فيما ينتظر منه أن يجري إصلاحات عميقة في النظام الجبائي.
غير أن الثقل الملقى على الحكومة داخليًّا وخارجيًّا، قد يجعل بن عبد الرحمان لا يتفرّغ لقطاع المالية المثقل هو الآخر بعديد الملفات، ما قد يؤثِّر على أداء وفعالية إما وزارة المالية وإما الوزارة الأولى ككُلّ، لذلك كان من الأفضل تعيين وزير للمالية التي تعدّ قطاعًا سياديًّا في الجزائر.
وشهدت الحكومة مغادرة 13 وزيرًا، أبرزهم وزير الخارجية صبري بوقدوم ووزير العدل بلقاسم زغماتي الذي عُرف بحربه ضد الفساد، خاصة تجاه رموز نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وتمّ أيضًا إنهاء مهام وزير الانتقال الطاقوي والطاقات المتجدِّدة، ووزير المجاهدين وذوي الحقوق، ووزير التربية الوطنية، ووزيرة الثقافة والفنون، ووزير الشباب والرياضة، ووزير الصناعة، ووزير الموارد المائية، ووزير السياحة، ووزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، ووزيرة البيئة، ووزير الصيد البحري والمنتجات الصيدية.
وفي الحكومة الجديدة، تمّ التخلي عن كاتب الدولة لدى وزارة الصحة والسكّان وإصلاح المستشفيات، وكاتبة الدولة المكلفة برياضة النخبة، وتم الاحتفاظ بـ 15 وزيرًا أبرزهم وزير الداخلية كمال بلجود ووزير الطاقة محمد عرقاب ووزير التجارة كمال رزيق.
عودةٌ
أثارَ التخلي عن خدمات وزير الخارجية صبري بوقدوم الكثير من التساؤلات، كون أن الرجل نجح إلى حد كبير في مهمته، وإن تخلّلتها بعض الإخفاقات برأي البعض، خاصة في ليبيا، وذلك بعد إسناد المهمة إلى وزير الخارجية الأسبق رمطان لعمامرة، الذي تولى منصب نائب وزير أول في آخر حكومة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والذي أُسند له وقتها العمل على تبرير ترشُّح الأخير لولاية خامسة رغم الحالة الصحية الحرجة التي كان عليها والتي قادت البلاد إلى الهاوية، وهو التعيين الذي تمّ في مارس/ آذار 2019 لمحاولة إخماد شرارة حراك 22 فبراير/ شباط من العام نفسه.
ورافع لعمامرة وقتها لخطة السلطة التي كانت تسعى لعدم طرد بوتفليقة من الرئاسة من الباب الضيق، حيث روّج لخطة طرحها الرئيس السابق تقضي باستمرار بوتفليقة في الحكم، ليستقيل فور تنظيم انتخابات رئاسية تحدِّدُ موعدها ندوة وطنية جامعة، غير أن هذه الخطة رفضها الشعب وأطاح ببوتفليقة، فيما فضّل لعمامرة الاستقالة والعودة إلى نشاطه على المستوى الدولي في الأمم المتحدة.
غير أن البعض يرون في تعيين لعمامرة إضافة جديدة للدبلوماسية الجزائرية، بالنظر إلى خبرته الطويلة على المستوى الأفريقي الذي تحاول الجزائر العودة إليه بقوة، سواء اقتصاديًّا أو دبلوماسيًّا، إضافة إلى علاقاته المتشعِّبة على المستوى الأممي التي لا يختلف اثنان حول أهميتها للدبلوماسية الجزائرية، في حال تمّ استغلالها أحسن استغلال.
وعرفت الحكومة الجديدة عودة الوزير السابق المنتدب المكلَّف بالتجارة، عيسى بكاي، من باب وزارة النقل، التي تمّ فصلها من جديد عن وزارة الأشغال العمومية.
وما ميّز الحكومة الجديدة أيضًا عودة الأحزاب المحسوبة على الرئيس السابق، ممثّلة في التجمع الوطني الديمقراطي الذي رجع بوزيرة الثقافة وفاء شعلال، ووزير الشباب والرياضة عبد الرزاق سبقاق، الذي أثار تعيينه في هذا المنصب سخريةً، كونه كان يشغل قبل ذلك منصب المدير العام لديوان الحج والعمرة.
وشهدت الحكومة أيضًا عودة جبهة التحرير الوطني حزب الرئيس السابق، عبر سامية موالفي وزيرة للبيئة والصناعة.
وإذا كان الانتماء لرموز بوتفليقة وصمة عار يصعب على هؤلاء الوزراء التخلي عنها، إلا إن تكليفهم بالمهمة الجديدة قد يكون فرصة جديدة لهم، لمحو هذه الصورة التي يقول المدافعون عنهم إنه كان وقتها من الصعب على أي إطار في الدولة الوقوف في وجه عصابة الرئيس السابق.
ردود فعل
تباينت ردود فعل الجزائريين من سياسيين وناشطين ومواطنين بشأن الحكومة الجديدة، فقد رحّبت الأحزاب الممثلة في الحكومة بها، مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، الذي قال أمينه العام الطيب زيتوني لقناة “الشروق نيوز” الخاصة، إن تشكيلته السياسية راضية بتمثيلها في الحكومة بوزيرَين فقط، لأنها لا تعتبر العودة إلى الحضن الرئاسي غنيمة إنما مساهمة في بناء الدولة.
أما صفحة المنتدى الوطني للحراك الشعبي المعارضة للسلطة، فاقتبست تحليلًا لدكتور علم الاجتماع السياسي نور الدين بكيس، الذي يقول فيه إن “بعد الإعلان عن هوية الوزير الأول وطاقم الحكومة يتأكد مليًّا أن النظام لا يريد التغيير، وأنه يخوض حربًا نفسية ضد فئات واسعة من الشعب، ليثنيها عن التفكير في التغيير ناهيك عن محاولة التغيير”.
وأضاف بكبس: “وبالتالي، على الرغم من كل القرارات الخاطئة المقصودة، فإن معركة التغيير في الجزائر في السياق الحالي هي معركة نفسية تحتاج إلى أصحاب هِمَم عالية وذكاء سياسي واجتماعي قادر على تجاوز ما يبثه النظام يوميًّا، من إحباط و يأس بإعادة الجزائريين للاستقالة بعد لحظة صحوة”.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تصدّر وسم “الحكومة الجديدة” قائمة الترند على تويتر لساعات عديدة، وكان ضمن الأكثر تداولًا، فقد كتب من يسمّي نفسه أسود نوفمبر: “للأسف الشديد غادر الأسد بوقدوم الحكومة ربما لمنصب آخر لا نعلم، لكن أنا مستاء جدًّا في كل الأحوال شكرًا شكرًا جزيلًا سيادة الوزير على كل ما قدمته لبلادنا ألف تحية لك”.
أما عبد الرحمان، فغرّد قائلًا: “لا أثر سياسي ينعكس من الانتخابات التشريعية على تشكيل الحكومة الجديدة، أظن أن هناك أزمة رجال ساسة في الوطن. تغيير منهجية الحكم تُبنى على احترام قواعد أنظمة الحكم الموضّحة دستوريًّا وليس البقاء في ذهنية مغلقة مبنية على الولاء التام بدون أثر على الواقع”.
ومهما اختلفت الآراء بشان الطاقم الحكومي الجديد، فإن الأهم بالنسبة إلى الجزائري البسيط يبقى تحسين القدرة الشرائية له، وإخراجه من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تغرق فيها البلاد منذ سنوات، لأنه اعتاد على أنَّ تغيير الأشخاص لا يقدم ولا يؤخر في حال لم تتغير السياسات.