“القوات الخاصة العراقية” أو “قوات العمليات الخاصة العراقية” أو “جهاز مكافحة الإرهاب” أو “الفرقة الذهبية”، كلها مسمّيات للقوة ذاتها التي تشكلت بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وكان تشكيلها منذ الأشهر الأولى للغزو، عقب حلّ الولايات المتحدة لجميع الأجهزة الأمنية في البلاد.
تسلسُل التشكيل
شكّلت الولايات المتحدة قوات العمليات الخاصة في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2003، وذلك بحسب الموقع الرسمي لجهاز مكافحة الإرهاب، حيث كانت هذه التشكيلات تتبع وزارة الدفاع العراقية منذ تشكيلها وحتى فبراير/ شباط 2007، عندما انفكّت هذه القوات من تبعيتها لوزارة الدفاع وأُلحقت بجهاز مكافحة الإرهاب، مع تغيير اسم قيادة العمليات الخاصة إلى قيادة العمليات الخاصة الأولى.
وبعد ذلك بنحو عامَين إلى 3 أعوام، تشكّلت قيادة العمليات الخاصة الثانية مع ازدياد أعداد منتسبي هذا الجهاز وزيادة تمويله والمهام المكلَّف بها، على نحو جعله أفضل قوة مختصة بمكافحة الإرهاب في البلاد على صُعُد التدريب والتسليح والمهارة.
الأعداد والانتشار
لا يذكر الموقع الرسمي للجهاز أعداد المقاتلين المنضوين ضمن جهاز مكافحة الإرهاب، إلّا إن الخبير الأمني والاستراتيجي العراقي سرمد البياتي، يؤكد أن أعداده تقارب الـ 16 ألف فرد، ويشمل هذا العدد الإداريين والمقاتلين وجميع الأفراد والضبّاط.
ويضيف البياتي في حديثه لـ”نون بوست”، أن مقاتلي هذا الجهاز مدرَّبون بشكل احترافي، ما جعلهم القوة الأولى في مجال مكافحة الإرهاب بما يمتلكونه من مهارات قتالية فعّالة في الحروب النظامية وغير النظامية، وهو ما ظهرَ جليًّا في الحرب على تنظيم “داعش” بين عامَي 2014 و2017، حيث صمد مقاتلو جهاز مكافحة الإرهاب في مصفى بيجي النفطي قرابة عدة أشهر، دون أن يستطيع مقاتلو التنظيم بسط سيطرتهم على المصفى بشكل كامل.
أما عن انتشار مقاتلي الجهاز في البلاد، فيشير مصدر أمني عراقي في حديثه لـ”نون بوست” إلى أن جهاز مكافحة الإرهاب يتبع مباشرة لمكتب القائد العام للقوات المسلحة العراقية، التي يمثِّلها رئيس مجلس الوزراء، ويتكوّن من قيادتَي العمليات الخاصة الأولى والثانية.
وتتكوّن تلكا القيادتَين من وحدات نخبوية منتشِرة في المنطقة الخضراء بالعاصمة بغداد، إضافة إلى أفواج الجهاز المنتشِرة في جميع المحافظات العراقية باستثناء إقليم كردستان، حيث أن لكلِّ محافظة فوج من جهاز مكافحة الإرهاب منتشِر فيها ومسمّى باسمها، ودائمًا ما يكون مستعدًّا للتدخل في حالات الطوارئ، بحسب المصدر.
كما إن للجهاز وحدات كوماندوز واستطلاع وأفواج طوارئ، بما يشمل 3 ألوية منتشرة في المدن الرئيسية الكبرى في البلاد، وهي بغداد والموصل والبصرة.
التسليح
يتمتّع جهاز مكافحة الإرهاب بحيازته أفضل وأحدث أنواع الأسلحة الأميركية، الرشاشة وقاذفات القنابل والأسلحة القنّاصة، كما يمتاز عن غيره من الوكالات الأمنية العراقية بأنه يتمتّع بقدرات قتالية عالية، ولا يدين بالولاء للأحزاب والكتل السياسية ولا يتأثر بالخلفيات المذهبية أو القومية لأفراده، وذلك بحسب المتحدث الرسمي باسم الجهاز صباح النعمان.
ويضيف أن المهمة الرئيسية للجهاز تكمن في متابعة التنظيمات الإرهابية ومصادرها وكل ما يتعلق بها، إضافة إلى أن الجهاز ينفِّذ استراتيجيته في مجال الوقاية والحد من الإرهاب وأخطاره.
وبرزت قوات مكافحة الإرهاب في العراق في حرب العراق ضد تنظيم “داعش”، إذ كان للجهاز صولات قتال دامية وفاعلة ضد مقاتلي التنظيم في محافظات صلاح الدين والأنبار ونينوى، وذلك بحسب الخبير الأمني العراقي رياض العلي.
ويتابع العلي في حديثه لـ”نون بوست” أن جهاز مكافحة الإرهاب كان الأكثر إتقانًا لعمله، ولم تؤشَّر عليه انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، كما حدث في قوات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي في معارك التحرير.
ليس هذا فحسب، إذ يؤكد العلي أن التدريب المكثَّف والمحترِف لمقاتلي الجهاز لم يتوقف على مدى السنوات الماضية، ودائمًا ما يوفد ضبّاط الجهاز إلى الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي لتعزيز قدراتهم العملياتية في الميدان، إضافة إلى أن المعارك التي خاضها الجهاز كانت تحظى بغطاء جوي أميركي على مدار الساعة، ما ساعد مقاتلي الجهاز على تحقيق نصر كبير على مقاتلي “داعش” في المدن المستعادة منها.
أما عن العربات والآليات التي يستخدمها الجهاز، فيضيف العلي أن عربات الهامفي الأميركية المصفّحة تعدّ وسيلة النقل الأولى لمقاتلي جهاز مكافحة الإرهاب، إضافة إلى بعض العربات وناقلات الجند المدرَّعة والدبابات الأميركية، التي حصل عليها الجهاز من الحكومة العراقية بعد عام 2014، يضاف إلى ذلك الآليات الثقيلة المستخدَمة في فتح الطُّرُق التي زوَّدت الولايات المتحدة الجهاز بها مع بدء عمليات استعادة المدن من “داعش”.
علاقاته مع الفصائل المسلّحة
لم يُعرَف عن جهاز مكافحة الإرهاب محاباته للفصائل المسلحة المقرَّبة من إيران، بينما كانت هذه الفصائل والعديد من الشخصيات السياسية المحسوبة على طهران تتّهم الجهاز وأفراده بقربهم من الولايات المتحدة، ما أدى إلى تخوُّف كبير من قدرات هذا الجهاز وتأثيره على عمل وانتشار الفصائل المسلحة الخارجة عن القانون، وذلك بحسب الباحث السياسي محمد عزيز.
ويتابع عزيز حديثه لـ”نون بوست” ليشير إلى أن أقسى المراحل التي مرَّ بها جهاز مكافحة الإرهاب من الناحية السياسية، كانت في عهد رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي، الذي أحال أحد أبرز قادته عبد الوهاب الساعدي للإمرة في وزارة الدفاع، ما يعني تجميده.
وأضاف عزيز أن استبعاد الساعدي من الجهاز، كان نتيجة ضغط كتلة الفتح والفصائل الولائية التي رأت في الجهاز وقادته الكبار خطرًا محدِقًا، بعد أن فشلت جميع الجهود التي بذلتها هذه القوى في اختراق الجهاز أو كسب ولاء قادته.
بعد 18 عامًا على تأسيسه، لا يزال جهاز مكافحة الإرهاب يعدّ القوة الضاربة في العراق من بين جميع الوكالات والوزارات الأمنية في البلاد.
لم يستمرَّ هذا الوضع كثيرًا، إذ ومع تولي مصطفى الكاظمي منصب رئاسة مجلس الوزراء في شهر مايو/ أيار من العام الماضي، كانت أولى خطوات الأخير إعادة عبد الوهاب الساعدي إلى الجهاز وتعيينه قائدًا له، مع إعادة اعتباره الوظيفي والعسكري، بحسب عزيز.
يقول العميد السابق في الجيش العراقي أعياد الطوفان، إن الأحزاب النافذة في البلاد دائمًا ما تتّهم الجهاز بأنه أميركي، موضِّحًا أن هذا الاتِّهام منافٍ للحقيقة، رغم أن مستوى تدريبه وتسليحه وتجهيزه بأحدث الأجهزة والمعدات العسكرية كان بإشراف القوات الأميركية.
ويؤكد الطوفان كذلك على أن الأحزاب السياسية والفصائل المسلحة فشلت في اختراق الجهاز حتى الآن، وهذا جعل مرجعيته للوطن بنسبة 90% وليس للأحزاب السياسية وأجنحتها المسلحة، لافتًا إلى أن مسلسل التشهير والتسقيط للجهاز وضبّاطه لا يزال مستمرًّا.
خسائر الجهاز
خسرَ جهاز مكافحة الإرهاب أعدادًا كبيرة من مقاتليه وضبّاطه خلال المعارك ضد تنظيم الدولة، إذ يشير “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” أن الجهاز فقدَ قرابة 40% من قواته المشاركة في معركة الموصل ضد تنظيم “داعش”.
ويضرب المعهد مثالًا على حجم الخسائر التي مُنيَ بها، إذ يكشف أن عدد جنود كتيبة المغاوير الإقليمية في النجف المشاركة في معركة الموصل كان يناهز 350 جنديًّا، إلا أن هذا العدد تقلّص إلى 150 جنديًّا خلال 90 يومًا فقط من القتال.
أما عن أسباب نجاح قوات مكافحة الإرهاب دون غيرها من القوات العراقية، فيكشف المعهد أنه وضمن أحد البرامج التدريبية للجهاز عام 2008، لم يتمكّن سوى 401 مرشَّح (18%) فقط من التخرُّج كجنود في جهاز مكافحة الإرهاب، من أصل 2200 مرشَّح.
ويضيف أن صغر حجم الجهاز أسهم بتلقي مقاتليه ضعف الرواتب التي يتلقّاها الجنود في الجيش العراقي، فضلًا عن الظروف المعيشية والمعدّات المجهَّزة بها، التي تعدّ أفضل بكثير من تلك التي تتلقاها القوات العراقية الأخرى، ما يجعلها تضاهي التجهيزات التي يحصل عليها الجنود في القوات الخاصة الأميركية، بحسب المعهد.
بعد 18 عامًا على تأسيسه، لا يزال جهاز مكافحة الإرهاب يعدّ القوة الضاربة في العراق من بين جميع الوكالات والوزارات الأمنية في البلاد، إذ تتمتّع هذه القوة بسمعة ومقبولية جيّدتَين لدى العراقيين بمختلف قومياتهم وطوائفهم، وسط استمرار محاولات التسقيط لهذا الجهاز من قبل الأحزاب والفصائل الأيديولوجية.