أصدرت 17 مؤسسة مجتمع مدني أردنية، تحت إشراف مركز حماية وحرية الصحفيين، تقريرًا مجمعًا عن حالة حقوق الإنسان في المملكة، وتداعيات جائحة كورونا على الخارطة الحقوقية المتشعِّبة للمواطن الأردني، والتي أظهر التقرير العديد من أوجه القصور التي تعاني منها.
التقرير الذي يأتي ضمن مشروع “تغيير.. نهج تشاوري جديد لدعم حقوق الإنسان”، المدعوم من قبل الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي (AECID)، وتمويل الاتحاد الأوروبي، يعدّ مرآةً واقعية للحقوق السياسية والمجتمعية والاقتصادية للشعب الأردني، والجهود التي بذلتها الحكومة لتجميل صورة تلك المرآة.
وخلص هذا التقرير الصادر لأول مرة، والذي جاء تحت عنوان “على الحافة”، إلى أن الجائحة تركت أثرًا كبيرًا على الحقوق والحريات كافة، وعلى رأسها الصحّة والتعليم وحرية التعبير والإعلام، وحق التقاضي ومعاقبة المجرمين، بجانب حقوق المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة والعمّال.
غياب المشاركة
رصد التقرير في فصله الأول ضمن 3 فصول رئيسية (الحقوق المدنية والسياسية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى حقوق الفئات الأكثر حاجة إلى الحماية)، التحديات والانتهاكات التي تواجه منظومة الحقوق السياسية، لافتًا إلى أن “المساواة أمام القضاء وضمانات المحاكمة العادلة تعتريها بعض الانتهاكات والإشكالات، حيث تعتبر كل من محكمة أمن الدولة، ومحكمة الشرطة، والمحاكم العسكرية، بما فيها محكمة المخابرات العامة، محاكم خاصة وفق التشريعات الوطنية”.
كما لفت إلى ضرورة إعادة النظر في عدد من القوانين، على رأسها قانون محاكم الصلح، وقانون أصول المحاكمات المدنية، وقانون أصول المحاكمات الجزائية، مشيرًا إلى أنها اختصرت الإجراءات القضائية بشكل يهدر حقوق المتخاصمين، بجانب التشديد على إعادة الاختصاص بنظر الدفوع بدستورية القوانين إلى المحاكم النظامية وتحت رقابة من المحكمة الدستورية.
هذا بجانب قانون الاجتماعات العامة المثير للجدل، والذي يمنع إقامة أي فعالية سلمية، كما يعطي الحكومة كافة الصلاحيات في تفريق أي تظاهرة، استنادًا إلى عدد من اللوائح والقوانين التي تقيِّد حرية تكوين الكيانات والجمعيات، كقانون العمل، وقانون الشركات، وقانون الأحزاب، وغيرها من القوانين الخاصة.
وفيما يتعلق بالنشاط الحزبي، أشار التقرير إلى أن ربط ترخيص الأحزاب بموافقة الحكومة “مخالِف لمبدأ استقلاليتها”، وتقييمًا للانتخابات النيابية التي جرت العام الماضي، كشف عن ضعف المشاركة الشعبية التي بلغت 29.90%، بحسب البيانات الصادرة عن الهيئة المستقلّة للانتخاب مقارنةً بالانتخابات النيابية السابقة التي بلغت 36%، ما يُظهِر ضعف التنافُس الحزبي والبرامجي.
وعزا التقرير تراجع المشاركة الشبابية، تحديدًا في الأنشطة السياسية والمجتمعية العامة، إلى عدد من الأسباب أبرزها ما يتعلق بآليات وأدوات التعامل مع الشباب، خاصة بالتشريعات لا سيما قانون الانتخاب، “حيث حدّد المُشرِّع الأردني سنّ الترشُّح بـ 30 عامًا، في حين جعل سنّ الانتخاب 18 عامًا؛ ما يخلق فجوة واضحة بين سنّ الترشُّح وسنّ التصويت”.
المدير التنفيذي لمركز حرية الصحفيين، المُشرف على التقرير، نضال منصور، أكد أنه “على الرغم من مضي أكثر من 30 عاماً على استئناف الحياة البرلمانية والحزبية في الأردن بعد حقبة عرفية، فإن ثمة تحولات لا يمكن إنكارها منذ عام 1989، لكن دعائم الديمقراطية لم تترسّخ تماماً، فالحكومة ليست هي صاحبة الولاية، وتنازعها السلطة مرجعيات أخرى، فضلًا عن غياب الدور الحقيقي لمجلس الأمة ومؤسسات المجتمع المدني”.
انكشاف الوضع المتدنّي
رغم تصدُّر الصحة قائمة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على رأس أولويات الحكومات والدول منذ تفشّي الجائحة، إلّا إن الوضع في المملكة ربما يكون مغايرًا بصورة أو بأخرى، حسبما ذكر التقرير الذي أكّد أن هناك ما يقرب من 30% من الأردنيين غير مشمولين بالتأمين الصحي، رغم نصّ الدستور صراحة على ذلك.
كما أظهرت استراتيجية التعامل الحكومي مع تلك الأزمة “ضعف قدرة المستشفيات على استيعاب الأعداد المتزايدة من إصابات فيروس كورونا “المستجد”، بعد التفشي المجتمعي للوباء”، ما دفع الحكومة للحثّ على العزل المنزلي في ظل ما تعاني منه المراكز الصحية الرسمية من عدة أوجُه قصور، سواء في الكوادر الطبية أو المستلزمات العلاجية.
وتابع التقرير:”كشفت جائحة كورونا عن قصور تطبيق معايير الصحة والسلامة المهنية في الأردن، إذ لا تتوفر قواعد بيانات إحصائية رسمية حول حوادث وإصابات العمل والأمراض المرتبطة بالمهنة، وكذلك قصور واضح في عمليات الرقابة والتفتيش، في منشآت الأعمال المتوسطة والصغيرة”.
تقييد حرية الإعلام
حزمة من القوانين استندَ إليها المشاركون في وضع هذا التقرير، لتقييم المشهد الإعلامي ومنسوب الحرية بداخله، تلك القوانين التي استخدمتها السلطات كأداة تقيّد حرية التعبير والإعلام والتجمُّع السلمي، ويأتي على رأس تلك القوانين قانون الدفاع، الذي استخدِم لفرض قيود على بعض الحقوق تحت ذريعة حماية الصحة والسلامة العامة في ظل جائحة كورونا.
فعلى سبيل المثال، أسهم الأمر رقم (8) في هذا القانون بشكل كبير في فرض قيود شديدة على حرية التعبير، حيث شدّد العقوبات على كل من يُتّهم بترويج الإشاعات، خاصة ما يتعلق بكورونا، وهي التُّهم الفضفاضة التي يمكن تأويلها بأكثر من جانب ما يوسِّع دائرة ضحاياها، بجانب تزايد قرارات حظر النشر بشكل يقيّد حرية التعبير والإعلام، ومنع تدفُّق المعلومات للمجتمع، ما يشكل ضغطًا غير مسبوق على وسائل الإعلام.
وتوصّل التقرير الخاص برصد مؤشِّر حرية الإعلام في المملكة لعام 2020، إلى أن الإعلام الأردني “إعلام مقيَّد”، وذلك بعد تحليل لنتائج الإجابة عن أسئلة المؤشِّر الذي أعدّه مركز حماية وحرية الصحفيين، وأثر جلسات من الحوار المعمَّق مع خبراء وخبيرات في ميدان الإعلام والقانون وحقوق الإنسان، إذ حصلت عمّان على 227.3 نقطة في مؤشِّر حرية الإعلام من مجموع 570 نقطة.
المحلك سر
يمثِّل قانون العمل الحالي حجر عثرة أمام حرية تشكيل النقابات العمالية، ما يتناقض مع مواثيق الحريات النقابية المتعارَف عليها دوليًّا، فضلًا عن مخالفة الدستور الأردني ذاته، والذي نصَّ على الالتزام بتلك المعايير بما يسمح للعمّال بممارسة حقوقهم العمالية والاجتماعية عبر أدوات الاعتراض الرسمية، كالتظاهر والإضراب.
أما فيما يتعلق بالحق في العمل، فأوضح التقرير أن “قانون العمل لا يلبّي عديدًا من الحقوق والمبادئ الأساسية، هذا بجانب عدم مواءمة التعديلات التي طرأت عليه في عام 2019 للمعايير الدولية، ومناهضة العديد من الحريات العمالية مثل حرمان العمّال من استخدام أدوات فضّ النزاعات العمالية، وحرم العمّال الذين ليس لديهم نقابة من حق المفاوضات الجماعية، وقيِّدت حرية تشكيل نقابات جديدة للعمّال، إضافة إلى منح وزير العمل سلطات إضافية بحل أي نقابة تخالِف أحكام قانون العمل”.
إضافة إلى ذلك، فقد كانت للجائحة تأثيرات كارثية على العمّال الأردنيين، فزادت معدّلات البطالة ومستويات الفقر، وفقدَ الكثير منهم وظائفهم ومصادر دخولهم الثابتة، هذا في الوقت الذي لم تقم فيه الحكومة بمسؤوليتها المجتمعية حيال هذه الفئة المتضرِّرة، والتي تمثل السواد الأعظم من الشعب.
تراجُع في الحقوق
أوضاع المرأة الاجتماعية والسياسية كانت حاضرة وبقوة ضمن مؤشِّرات التقرير المتعدِّدة، حيث انتقد ما وصلت إليه من تراجع في عدة مسارات حقوقية، منها عدم قدرة المتزوِّجة بغير الأردني منح الجنسية لأبنائها على الرغم من كفالة الدستور لمبدأ المساواة بين جميع الأردنيين.
هذا بجانب تراجُع حجم المشاركة النسوية في العملية الانتخابات، فعلى سبيل المثال لم تفُزْ أي امرأة -خارج المقاعد المخصصة لهنّ (الكوتا)- في الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2020، إضافة إلى أن مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية دون المستوى المأمول، سواء من حيث عدد المنتسِبات، أو من حيث تولّي المناصب القيادية في الأحزاب.
قضائيًّا، فقد أورد المشاركون في هذا التقييم عدة تحديات وراء عدم تمتُّع المرأة بالعدالة في الحصول على حقوقها، منها الصورة النمطية المغلوطة تجاهها حال لجوئها إلى المحاكم، لا سيما إن كانت المرأة مطلَّقة، فضلًا عن عدم قدرة بعض النساء على دفع تكلفة رسوم التقاضي، وأتعاب المحاماة سواء في القضايا الجزائية، وبخاصة تلك المتعلقة بالعنف الواقع على المرأة، أو بقضايا الأحوال الشخصية.
التقرير لم يغفل واقع اللاجئين كذلك، لافتًا إلى أن المملكة وحتى كتابة التقرير لم تصادق على اتفاقية اللاجئين 1951، رغم استقبالها أعدادًا كبيرة من اللاجئين السوريين ومنحهم الكثير من الحقوق الممنوحة لأبناء الوطن، منوِّهًا إلى ضرورة مصادقة الأردن على تلك الاتفاقية وسنّ تشريع وطني ينظِّم اللجوء.
وانتهت المنظمات التي شاركت في صياغة التقرير بتقديم ما يزيد عن 20 توصية للسلطات الأردنية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان داخل المملكة، كان على رأسها مراجعة قانون الاجتماعات العامة، وتعديل المادة الثانية من القانون المتعلِّقة بتعريف الاجتماع العام، فضلًا عن إعادة النظر بقانون الأحزاب بحيث يتم تسجيل الأحزاب وليس بالحصول على الموافقة من قبل الحكومة على إنشائها.
كما أكد التقرير على ضرورة النصّ صراحة على عدم شمول جريمة التعذيب بالتقادم والعفو العام والخاص، ووقف العمل بقانون الدفاع وأوامره، إضافة إلى العمل على تطبيق القوانين التي تحظر عمالة الأطفال، وتشديد الرقابة على المخالفين وفرض عقوبات رادعة، والمصادقة على اتفاقية حماية حقوق جميع العمّال المهاجرين وأفراد أُسرهم.