أعاد اعتقال “النور أحمد النور”، الصحفي السوداني ومراسل جريدة الحياة اللندنية، فتح قضايا قمع الصحافة وتكميم الأفواه في السودان، حيث إن السلطات السودانية منعت نفس الشخص من رئاسة تحرير صحيفة سودانية لدواعٍ أمنية قبل ذلك.
فيما اتخذت جهات مناصرة للصحافة في السودان كاتحاد الصحفيين السودانيين، وشبكة الصحفيين السودانيين، موقفًا من هذا الاعتقال معتبرين ذلك نوع من التربص، ومطالبين بالإفراج الفوري عنه.
من جهتها علقت السلطات السودانية على الأمر بقولها إن القضية التي تم توقيف الصحفي على إثرها، هي جنائية بالأساس، ولا علاقة لها بكونه صحفيًا، مبديةً الاستغراب من عدم الإفراج عنه حتى الآن، في حين أن البلاغ المقدم ضده من هيئة الكهرباء في البلاد، والتي نشر الصحفي موضوعًا عنها قبل توقيفه بأيام.
مما جعل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي يطلقون حملة تضامنية مع الصحفي المعتقل تحت اسم “تضامنًا”.
فالصحافة السودانية تواجه مأزقا كبيرا أمام الدولة وذلك بعد عدة إجراءات اتخذتها الدولة، قال عنها محللون إنها محاولات من الدولة لإحكام السيطرة على الصحافة وحرية التعبير في البلاد.
حيث زادت الرسوم والضرائب من قبل الدولة، ناهيك عن القبضة الأمنية والتي تتسبب في خسائر مادية كبيرة للصحف، بعد مصادرة بعض الأعداد أحيانًا للعديد من الصحف بواسطة الرقابة الأمنية، كما اتهم البعض النظام بتوزيع الإعلانات على الصحف الموالية فقط لتستمر في نشاطها على العكس من تعمد إفقار الصحف المعارضة.
وعلى خليفة هذا جائت السودان ضمن قائمة أسوأ 10 دول في مجال حرية الصحافة، حسبما ذكرت صحيفة كريستيان ساينس مونتيور الأمريكية، نقلاً عن منظمة “مراسلون بلا حدود” المعنية بحرية الصحافة.
هذا المؤشر ليس اضطهادًا للدولة أو نوع من العقوبات السياسية الموجهه ضدها، ولكن الواقع السوداني هو الذي يقر بهذا الأمر، ففي العام الماضي أغلق الأمن “الانتباهة” دون إبداء أسباب، كذلك في العام الذي يسبقه كانت الضحية صحيفة “الجريدة” بمنع عدد لها، تلك الجريدة التي ظلت محظورة لمدة أربعة أشهر.
تأتي شدة الهجمة على حرية التعبير في السودان، بعد انفصال الجنوب السوداني، حيث يتعامل الأمن مع أي جريدة يكون من بين ناشريها أو ملاكها “جنوبيين”، بنوع من التخوف والهواجس الذي دفع الأمن لإغلاق ست صحف قبيل انفصال الجنوب بيومٍ واحد، وهو مالم يمنع الانفصال بأي حال من الأحوال.
في حين أن صحفيين سودانيين يصرحون بأن الدولة تعطيهم توجهات مباشرة لتبني مواقف معينة أثناء الاضطرابات في البلاد، ومن يخالف تلك التوجهات من الصحف تتعرض للحظر.
ولكن لنتعرف على المنظومة الصحفية كيف تسير في السودان بخصوص النشر وقضاياه؟
كانت هناك مادة في الدستور السوداني تسمح للأجهزة الأمنية بالرقابة على الصحف، وقد أُلغيت هذه المادة في تعديلات دستورية لكن فعليًا لم تلغى حتى الآن.
كما أن هناك نيابة للصحافة تتيح لمن يتضرر في قضايا النشر أن يقاضي الصحف بها، وهو ما لا يتم غالبًا لأن الأمن يقوم بدوره دون أن يدع لأحد دور.
كذلك يأتي دور اتحاد الصحفيين السودانيين كنقابة للصحفيين، لكن دورها منحصر للغاية ما بين شجبٍ وإدانة بيد مغلولة عن الفعل.
فيما أكد الكثيرون من الصحفيين السودانيين في عدة تصريحات إعلامية عن أوضاع الصحافة في السودان، أن المشكلة ليست في قوانين الصحافة في السودان بقدر ما تتمثل المشكلة في تنفيذ تلك القوانين على أرض الواقع، حيث إن قانون الصحافة والمطبوعات أُدخلت عليه تعديلات مرضية شكليًا، أشاد بها العديد من الصحفيين، لكن الحكومة تنسلخ من تعهدات حفظ حق حرية الرأي والتعبير، حتى باتت عدم الثقة هي الأساس بين الدولة والصحفيين، فيما يؤكد آخرون أن الوضع السياسي هو المتحكم في عملية الرقابة على الصحافة، فكلما شهد الوضع السياسي استقرارًا رفعت الحكومة يدها شيئًا ما عن الصحف، أما في أوقات أزمات النظام تشتد القبضة الأمنية على الصحف، ويبدو على حد تعبيرهم أن النظام بات في أزمة طوال الوقت، لذلك أصبح التضييق السمة العامة على الصحف في السودان.
ومن جانب النشطاء السياسيين والحقوقيين فإنهم لا يملكون غير الحديث عن موجة من تصعيد الاحتجاجات ضد النظام، منددين بالقمع وتكميم الأفواه مؤكدين أن النظام يضيع أي فرصة للحوار المجتمعي بتماديه في البطش بحرية الرأي والتعبير.
وفي هذه الأثناء يعمل النظام على إدارة حوار وطني لرأب الصدع بين الفرقاء من التيارات السياسية، لكن كثيرًا ما يؤكد المحللون السياسيون أن أجهزة الأمن تضيع من أثر هذه الحوارات بما تفعله على أرض الواقع؛ مما يجعل مثل هذه الحوارات لدى البعض ذرًا للرماد في العيون. مشيرين إلى أن الأزمة السياسية الحالية في السودان تعصف بحرية الرأي والتعبير.
كل من يفتح النار على الفساد فهو مستهدف من أجهزة سيادية بالدولة
أكد ذلك تعليق جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني على حظره لصدور صحيفة “الصحية” في الآونة الأخيرة بقوله إن الجريدة بها “مخالفات” و”تجاوزات” حسب وصف الأجهزة الأمنية في السودان.
ويبدو أن التجاوزات المقصودة كانت نشر الصحيفة لعدة وثائق تتهم مسئولين ضالعين في الدولة بالفساد، من خلال حملة صحفية كانت بدأتها الجريدة، وهو ما استنكرته الصحيفة في بيان لها، أكدت فيه أن الدولة لا تلتزم بأي وعد لإتاحة حرية الصحافة، وأن تلك التصرفات تعود بالبلاد إلى الوراء.
كيف يرى الجمهور وضع الصحافة القائم
بالحديث مع بعض الأفراد في السودان البلد المعروف بحبه لقراءة الصحف ومطالعتها، والحديث معهم عن الأوضاع الصحفية في السودان، أكد المواطنون فكرة وجود الرقابة الليلة حسب “وصفهم”، وهي أن الصحف تعرض ليلاً على جهاز الأمن والمخابرات ليجيز تمريرها أو يحتجزها، وأن ذلك شيئًا معروفًا وغير خفي، فيما أكدوا تراجع الدور التي تقوم به الصحف في ظل الملاحقات الأمنية لها.
الإعلام الشبابي البديل في السودان
فيما تحدث الشباب عن محاولات لإيجاد البديل للصحف التقليدية وإيجاد منافذ إعلامية شبابية جديدة، بعيدًا عن الرقابة الحكومية، تكون صوتًا مسموعًا في الشارع السوداني، عن طريق الاستعانة بالسوشيال ميديا والإعلام الرقمي، وهو ما نفذه مجموعة من الشباب في مبادرة أطلق عليها اسم “نفير”، لمساعدة ضحايا السيول العام الماضي في السودان.
نجحت الحملة في جذب العديد من الشباب من خلال موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، ونجحوا في تنفيذ مشروع إغاثي يجمع التبرعات لضحايا السيول، حتى نجحوا في جمع مبالغ مالية من عدة دول بالخارج للمساعدة في حل مشكلة السيول.
يقول أحد الشباب متحدثًا عن الحملة: إن الحكومة السودانية أحست بخطر الحملة في التفاف الشباب حولها في ظل عجز النظام في معالجة مشكلة تعصف بمناطق سنويًا دون حل؛ فقبضت الحكومة بعد نجاح الحملة على مجموعة من المشاركين فيها، واتهمتهم بالانتماء لخلية شيوعية، وأجهزت على المشروع الشاب، وهو ما يؤكد الشباب من خلاله فكرة أن النظام يخشى من الإعلام الشبابي الغير تقليدي، ويسعى لإضافة رقابة صارمة على مواقع التواصل الاجتماعي، لتصل إلى حالة الموات مثلما يحدث مع الصحافة الورقية.