ترجمة وتحرير نون بوست
من المتوقع أن تجني شركة الأدوية “فايزر” ما يصل إلى 26 مليار دولار أمريكي (18 مليار جنيه إسترليني) هذه السنة من أرباح بيع لقاح كوفيد-19 الذي طوّرته. ويبدو أن أرباح الربع الأول من سنة 2021 أعلى بنسبة 44 بالمئة مقارنة بسنة 2020.
وبالمثل، تتوقع شركة مودرنا أن تحقق 18.4 مليار دولار أمريكي (13 مليار جنيه إسترليني)، وأن تسجل أول ربح لها على الإطلاق هذه السنة. وقد دفع هذا البعض إلى التساؤل عما إذا كان من الصواب لشركات الأدوية الكبرى الاستفادة بشكل فعال من الوباء – خاصة في ظل التزامات المنافسين جونسون آند جونسون وأسترازينيكا لبيع لقاحاتهم على أساس غير ربحي.
من الناحية الأخلاقية، قد يعتقد المرء أن مثل هذه المبالغ الطائلة غير مقبولة في وقت شهدت فيه العديد من القطاعات – مثل الفنون والضيافة وتجارة التجزئة والسفر – نكسة كبيرة جراء عمليات الإغلاق والقيود الاجتماعية. ومن ناحية أخرى، يمكن القول إنه من مسؤولية شركات الأدوية مهنيا واجتماعيا تحقيق الربح من أجل تزويد العالم باللقاحات. وحتى قانون الشركات يدعم هذه المقاربة.
في الحقيقة، لا يمكن إنكار الجدل طويلة الأمد في الأبحاث القانونية الخاصة بالشركات في هذا المجال. يرى البعض الشركة على أنها آلة لتوليد الأرباح للمساهمين، بينما يعتقد البعض الآخر أنه إلى جانب حقيقة أن تحقيق الربح يعد هدفا مؤسسيا ضروريا فإنه على عاتق الشركة أيضا مسؤوليات تجاه موظفيها، والبيئة، ومجتمعها المحلي والعالم ككل.
أولئك الذين يتبنون وجهة النظر الأخيرة يفعلون ذلك جزئيًا لأن شركاتهم مدعومة بممارسات “القانون العام” – الذي يشمل المملكة المتحدة وأيرلندا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا حيث تعتبر قرارات المحاكم العليا مصادر قانونية وهي ملزمة للمحاكم الأخرى – الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر. وهذا النهج يعترف بالمؤسسة ككيان منفصل عن مساهميها.
من المألوف أن تسلك الشركات الطريق الأرخص لتأمين أرباحها النهائية
تعد وجهة النظر المذكورة بشأن مسؤولية الشركة أمام مساهميها صحيحة من الناحية القانونية، وينطبق الأمر ذاته على المسؤولية الاجتماعية التي تقتضي إدراك العواقب طويلة المدى لعقلية “الربح مهما كان الثمن”. فهي تأخذ بعين الاعتبار الجانب الإنساني من الأعمال، مثل التأثير على العمال والمجتمعات المحلية عند إغلاق المصانع والاستعانة بمصادر خارجية للإنتاج في أماكن كلفة الأجور فيها أقل (وغالبا ما تكون أقل تنظيمًا).
إن هذه النظرة لما يجب أن تكون عليه الشركة لا تنفي الدور الأساسي للمساهمين في توفير رأس المال لتمويل الأبحاث باهظة الثمن وتطوير المنتجات الأساسية. وفي نفس الوقت، تعترف بالأدوار الأساسية الأخرى للموظفين الذين يقدمون مواهبهم وعملهم، والمجتمع الذي يوفر بدوره الطلب على السلع والخدمات.
بالنظر إلى أن الشركة لا يمكنها أن تعمل دون أن يلعب كل صاحب مصلحة دوره، فإن كل هذه المصالح وغيرها يجب أن تشكل جزءًا من عملية صنع القرار. ويبدو أن هذا ما فعلته شركة فايزر ومودرنا. بالتأكيد كان هذا الأمر ليكون أكثر إثارة للقلق لو اختارت فرق الإدارة الخاصة بها عدم العمل على لقاح كوفيد-19 بسبب التكاليف المالية الضخمة، والسمعة السيئة التي ستتبعها حتما إذا باءت محاولاتهم بالفشل.
في الواقع، من المألوف أن تسلك الشركات الطريق الأرخص لتأمين أرباحها النهائية. يمكن أن يجادل مسؤول تنفيذي كبير في إحدى شركات الأدوية – بشكل شرعي – بأن تجاهل جائحة عالمية، وتجنب جميع العوامل الخارجية الخانقة المرتبطة بتطوير لقاح جديد بالكامل، قد يكون الخيار الأكثر أمانًا. لكن شركة فايزر، على سبيل المثال، لم تتخذ هذا المسار، بل راجعت العوامل المختلفة المؤثرة بما في ذلك الفوائد المجتمعية للقاح كوفيد-19، والمخاطر التجارية المرتبطة بمثل هذا الاستثمار، وبالطبع فرصة زيادة الأرباح.
المخاطر والمكاسب
اتخذت شركتا مودرنا وفايزر (وشريكها “بيونتيك”) إجراءاتهما وفقا لما تمليه أطر قانون الشركات في البلدان التي تنشط فيها.
في الولايات المتحدة، حيث يقع مقر شركتي فايزر ومودرنا، أقرت المحكمة العليا بأن الشركات على عاتقها مسؤوليات تتجاوز مجرد السعي وراء الربح. علاوة على ذلك، سنت معظم الولايات ما يسمى بـ “قوانين مجالس الإدارة”، التي توضح أن الإدارة يمكن أن تأخذ بعين الاعتبار “أي أو كل المجموعات” المتأثرة بإجراءات الشركة – المساهمون والموظفون، وحتى المجتمع على نطاق أوسع.
وهو نفس المسار الذي اتخذته ألمانيا، موطن بيوأنتك، التي طورت لقاح فايزر لأول مرة. فهي تفرض الالتزام الواسع للإدارة في الشركات الألمانية بخدمة “مصالح الشركة”. ورغم عدم تعريف هذه المصالح، إلا أنه من المقبول عموما أن تشمل مصالح المجتمع.
إن شركات الأدوية ليست مخطئة بشأن السعي لتحقيق الأرباح من الوباء. وما كان ليكون خطأً هو تجاهل الضرر الاجتماعي العالمي الواضح والواسع الذي خلّفه كوفيد-19 والتركيز بدلاً من ذلك على المخاطر المالية والسمعة السيئة المحتملة لتطوير لقاح للعالم. بدلا من ذلك، تصرّفوا وفقا لما يتطلبه قانون الشركات – وما يجب أن تفعله كل شركة. إنه إقرار بمساهمة كل طرف في الشركة – المساهمون والموظفون والموردون والمجتمع – ومكافأتهم وفقًا لذلك، سواء كان ذلك بمكاسب مالية أو طبية.
المصدر: ذي كونفرسيشن