ترجمة وتحرير نون بوست
في الأسابيع التي تلت الموافقة على اعتماد دواء جديد لعلاج مرض الزهايمر، انهالت المكالمات ورسائل البريد الإلكتروني من المرضى المتحمسين على الدكتور علي رضا عطري حول العلاج الذي أثار الكثير من التفاؤل والشكوك في الآن ذاته.
يريد المرضى معرفة ما إذا كان الدواء مناسبًا لحالاتهم. على غرار العديد من الأطباء، ليس لدى عطري إجابات سهلة الفهم. في هذا الإطار، يوضح طبيب الأعصاب بمعهد بانر صن هيلث ريسيرتش في أريزونا أن “هذه المسألة أكثر تعقيدا من الإجابة بنعم أو لا”.
من المحتمل أن الدواء لن يكون موجودا في الأسواق في وقت قريب، حيث لا يزال الأطباء في الولايات المتحدة يحاولون تحديد الأشخاص الذين يمكنهم تناول عقار “أدوهلم”، وهو في أحسن الأحوال يبطئ المرض المميت بقدر طفيف. تجدر الإشارة إلى أن الأدوية الأخرى لمرض الزهايمر تخفف الأعراض بشكل مؤقت فحسب، مثل مشاكل الذاكرة والأرق والاكتئاب.
بدأت بعض المستشفيات تصف الدواء للمرضى، بينما يقول العديد من الموردين إن الأمر سيستغرق أسابيع أو أشهرا قبل أن يصبح العقار جاهزا بالكميات المطلوبة. لا تزال شركات التأمين -ومنها ميديكير- بحاجة إلى تحديد المرضى الذين يجب أن يحصلوا على العلاج الذي قد يكلف أكثر من 50 ألف دولار في السنة. ويخشى الأطباء من أن تؤثر العواطف على قرارات المرضى وأسرهم في طلب الدواء. في هذا الصدد، يشير الدكتور مايكل غريسيوس من جامعة ستانفورد أن “الناس يائسون لأن هذا المرض مروع حقًا”.
يأمل كارل نيوكيرك أن يبدأ بالحصول على عقار “أدوهلم” إذا سمح له طبيبه بذلك، لأنه لا يرى أي علاجات أخرى تستحق التجربة. ويقول نيوكيرك (80 سنة) وهو من سكان ساراسوتا بولاية فلوريدا، ومصاب بداء الزهايمر في مراحله المبكرة: “يبدو أنه النجم الوحيد في السماء”.
يُذكر أن عقار أدوهلم لا يوقف التدهور العقلي الناجم عن الزهايمر، بل يساعد فقط في إبطاء آثاره
يؤكد طبيب نيوكيرك أنه دواء جيد. ما يزال المستشار التكنولوجي المتقاعد قادرا على ركوب الأفعوانية مع أحفاده في حدائق بوش القريبة، لكنه يعاني من فقدان الذاكرة على المدى القصير. لذلك يريد أن يُجرب “أدوهلم” رغم أنه يدرك الآثار الجانبية للدواء.
وتؤكد ميشيل هول (من 54 سنة)، من مدينة برادنتون في فلوريدا، أنه حريص على مناقشة إمكانية الحصول على الدواء خلال موعد الفحص القادم الذي سيجمعه بأخصائي مرض الزهايمر.
اضطرت هول، وهي محامية حكومية سابقة، إلى ترك وظيفتها بعد معاناتها من نسيان مهام كانت بسيطة في يوم من الأيام. تم تشخيصها بمرض الزهايمر المبكر في شهر تشرين الأول/ نوفمبر الماضي من قبل الأطباء في مايو كلينيك. تقول هول إن أدوهلم يمثل “بصيص أمل قد يمنحها المزيد من الوقت الممتع مع زوجها وأبنائها الثلاثة”. وتضيف: “عندما يتم تشخيص هذا المرض فإنك تستيقظ كل صباح منتظرا النهاية، لكن الآن أصبح هناك أمل”.
يعدّ عقار “أدوهلم” الذي تنتجه شركة “بيوجن” أول دواء مبتكر لمرض الزهايمر منذ ما يقرب من 20 سنة. وقد أثارت موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على اعتماده رسميا في وقت سابق من هذا الشهر ردود فعل متحفظة من العديد من الخبراء، بما في ذلك المستشارون الخارجيون للوكالة الذين حذروا من أن فوائده المحتملة تعتمد على بيانات واهية، وقد استقال ثلاثة منهم بسبب هذا القرار.
يُذكر أن عقار أدوهلم لا يوقف التدهور العقلي الناجم عن الزهايمر، بل يساعد فقط في إبطاء آثاره، وذلك وفقا لدراسة وحيدة أجريت حوله، وكانت نتائجها صعبة التفسير. كانت البيانات غامضة للغاية لدرجة أن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية منحت الموافقة المشروطة للعقار بناءً على معيار يحدد استخدامه للتخلص من الآثار الضارة للويحات التي توجد في أدمغة المرضى المصابين بأشكال مبكرة من المرض.
لكن لا تقتصر موافقة إدارة الغذاء والدواء على استخدام العقار لعلاج الأشخاص المصابين بأشكال مبكرة من الزهايمر. يمكن لأي شخص مصاب بالمرض -من الناحية النظرية على الأقل- أن يحصل على الدواء. لكن منظمات مثل “جمعية الزهايمر” والعديد من الأطباء يقولون إن التركيز يجب أن ينصب على المرضى الذين تم تشخيصهم بهذا المرض في وقت مبكر، مثل أولئك الذين شاركوا في الدراسة.
في هذا السياق، يوضح الدكتور باباك توسي، اختصاصي أمراض الشيخوخة في كليفلاند كلينك، والذي عمل مستشارا لدى شركة “بيوغن” وساعد في إدارة أحد مواقع اختبار أدوهلم: “لا أريد أن أرى الناس يخرجون أمهاتهم من دور رعاية المسنين للحصول على هذا العلاج”.
أفراد العائلة عليهم أن يدركوا أن الدواء لن يعيد الشخص إلى ما كان عليه وأنه “لا يمكن دائمًا ترجمة ما نتمناه إلى واقع حقيقي”
ووفقًا للدكتور رونالد بيترسن من مايو كلينيك، ستكون السلامة أحد الاعتبارات الرئيسية، وقد توصّل إلى إرشادات استخدام خاصة بهذا الدواء. يتابع بيترسن، وهو أخصائي في مرض الزهايمر وعمل كمستشار لمعظم شركات الأدوية الكبرى في هذا المجال، بما في ذلك بيوغن: “نريد أن نكون حذرين في هذا المجال”.
عانى حوالي 40 بالمائة من المرضى الذين حصلوا على جرعة الدواء الكاملة في الدراسات من تورم أو نزيف بسيط في الدماغ. ورغم أن الآثار الجانبية عادة ما يتم معالجتها، إلا أنها تؤدي في حالات نادرة إلى نزيف أكثر حدة وقد تسبب خطرا على الدماغ أو مضاعفات خطيرة أخرى.
تتضمن مراقبة المرضى الذين تلقوا هذا الدواء فحوصات منتظمة للدماغ، بالإضافة إلى فحص آخر لمعرفة ما إذا كان الدواء يستهدف ترسبات الدماغ لدى المريض. يمكن أن يكلف إجراء كل هذه الاختبارات حوالي 10 آلاف دولار في السنة الأولى، وفقًا للأطباء.
من المحتمل أن تطلب شركات التأمين موافقة مسبقة على تلك الفحوصات، مما قد يؤخر الحصول على هذا العلاج. واعتمادًا على تغطية التأمين، قد يضطر المرضى لدفع آلاف الدولارات سنويًا للفحوصات والعلاج وتكاليف أخرى دون أي تعويضات.
وتقول شركة بيوغن إن حوالي 900 موقع في الولايات المتحدة لديها المعدات والخبرة لبدء توزيع الدواء على الفور، وسيتطلب ذلك تقديم علاج وريدي. وقد بدأ معهد ميشيغان الخاص للاضطرابات العصبية في استخدام العقار لعلاج مرضى الزهايمر في مراحله المبكرة. وصرحت المتحدثة باسم المعهد أنه “يتحمل معظم التكلفة إذا رفضت شركات التأمين تغطية العلاج في نهاية المطاف، لأنه علاج نؤمن بفعاليته”.
في المقابل، لا يخطط الدكتور غريسيوس، وهو طبيب أعصاب واختصاصي في مرض الزهايمر بستانفورد، لوصف دواء أدوهلم لأي مريض، مؤكدا أنه “لا يعتقد أن هناك أدلة كافية على أنه فعال، بل هناك الكثير من الأدلة على أنه قد يضر بالمرضى”.
ويضيف غريسيوس أنه يخطط للقيام بدراسة يشرح من خلالها سبب عدم رغبته في وصف هذا العقار للمرضى، لكنه يشعر بالقلق من أن بعضهم قد يلجأ ببساطة إلى طبيب آخر للحصول عليه.
يمكن أن يتضح أنه في الواقع يزيد من العبء على مقدم الرعاية إذا كان يؤدي فقط إلى إبطاء أعراض المرض
من جانبه، يوضح الدكتور باباك توسي من كليفلاند كلينك، أن “الحديث عن التوقعات والتكلفة والآثار الجانبية قد يفرض بعض الضغط العاطفي لإعطاء الدواء للمرضى الذين لا يحتاجونه”.
لكن جزءًا من التحدي يتمثل في أن أفراد الأسرة غالبًا ما يعتقدون أن المريض في مرحلة مبكرة من المرض، خلافا للواقع. في هذا الصدد، يشير توسي إلى أن أفراد العائلة عليهم أن يدركوا أن الدواء لن يعيد الشخص إلى ما كان عليه وأنه “لا يمكن دائمًا ترجمة ما نتمناه إلى واقع حقيقي”.
من منظور آخر، تعد إحدى الأسباب المحتملة للمصادقة على أدوهلم هي الفحص والتشخيص المبكر لمرض الزهايمر، وهو من الأهداف بعيدة المدى للباحثين الذين يدرسون هذا المرض، نظرًا لأنه يتطور ببطء على مدار سنوات أو عقود. ولكن التشخيص المبكر جنبًا إلى جنب مع الفوائد المحتملة لأدوهلم قد يؤدى إلى إطالة أمد صعوبات رعاية شخص مصاب بمرض الزهايمر.
وتوضح الدكتورة سوزان شندلر من جامعة واشنطن في سانت لويس: “يمكن أن يتضح أنه في الواقع يزيد من العبء على مقدم الرعاية إذا كان يؤدي فقط إلى إبطاء أعراض المرض”. وتضيف: “أعتقد أن هذا العلاج سيكون حقا مخيبا لآمال الكثير من الناس”.
المصدر: غلوبال نيوز