تزدحم “إسرائيل” بمؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، إذ إنها تسوق نفسها على أنها دولة ديمقراطية متقدمة، ترحب بإنشاء مؤسسات مدنية تسعى للنهوض بالمجتمع وتطويره، فمنها ما هو حقوقي وتعليمي وثقافي ومنها ما أنشئ لتحقيق السيادة الإسرائيلية على القدس وتحقيق التفوق الديمغرافي اليهودي على صاحب الأرض الفلسطيني.
ومن هذه المؤسسات والجمعيات ما اختص بالعمل داخل بلدة القدس القديمة وحولها، ومنها ما اتخذت بلدة سلوان هدفًا رئيسًا لها، ومنها ما اهتمت بتطوير شكل المدينة ككل وتجميل صورتها الهندسية والمعنوية والثقافية داخل المجتمع اليهودي والعالم.
جمعية عطيرت كوهانيم
تأسست جمعية عطيرت كوهانيم – التي يعني اسمها بالعربية تاج الكهنة – عام 1978، بهدف دعم وتجديد الاستيطان اليهودي في بلدة القدس القديمة وما حولها وتعميق وعي اليهود بأهمية واستمرارية الاستيطان، لتعزيز السيادة اليهودية الإسرائيلية على مدينة القدس وتوحيد شقيها الشرقي والغربي.
تقدم الجمعية نفسها في موقعها الإلكتروني أنها جزءٌ من حركة عودة صهيون (القدس) لليهود، وحلقة وصل في سلسلة الاستيطان اليهودي في الأحياء الإسلامية والمسيحية في بلدة القدس القديمة وبلدة سلوان التي تقع جنوبها وتطلق عليها الجمعية اسم قرية شيلوح اليمنية نسبة إلى أقلية يهودية من أصول يمنية سكنت تلك المنطقة عام 1892 ثم هاجرت منها بسبب تردي الأوضاع السياسية بعد الاحتلال البريطاني لفلسطين.
وتعمل الجمعية من أجل توفير خدمات متنوعة للمستوطنين، وتوفير حياة كريمة لهم، بهدف تعزيز وجودهم في القدس التي تعد ذات حساسية أمنية عالية، إذ إن سكانها الأصليين في صراع دائم مع المحتل الإسرائيلي الذي لا ينفك يضيق عليهم حياتهم ويهدد وجودهم في أرضهم.
وفي سبيل تحقيق أهدافها تعمل جمعية عطيرت كوهانيم في اتجاهين: أولهما توطين أكبر عدد من اليهود في بلدة القدس القديمة من خلال شراء البيوت من الفلسطينيين، وهذه الطريقة لا تعمل بشكل فعال، إذ يرفض الفلسطينيون بيع أملاكهم لليهود، ومن يفعل ذلك قلة قليلة، أو من خلال البحث عن العقارات التي تعود ملكيتها ليهود سكنوا القدس قبل عام 1948، وتهجير الفلسطينيين الذين سكنوها، وأخيرًا من خلال إيجاد حجج قانونية للاستيلاء على منازل الفلسطينيين، إما بتزوير أوراق ملكيتها وإما إيجاد ذرائع أمنية لإخراجهم منها.
ومن أبرز القضايا التي تبنتها الجمعية قضية تهجير عائلة المقدسي عبد الله أبو ناب من منزله في بلدة سلوان، بذريعة أنه كان كنسيًا ليهود يمنيين كانوا يسكنون فهناك، كما أن 81 عائلة مقدسية تعاني من خطر التهجير في سلوان بسبب هذه الجمعية وقضية أملاك يهود اليمن، ونرى أملاك المقدسيين في حارة الشرف والمغاربة تعطى لليهود بسبب أن أصحابها لم يثبتوا وجودهم في “إسرائيل”.
الجولات الأخرى هي جولة شخصيات القدس، يتعرف المشاركون من خلالها على شخصيات ساهمت في احتلال القدس
أما الاتجاه الثاني من طريقة عملها، هو تنظيم مسارات تعريفية ببلدة القدس القديمة، وخاصة الأحياء اليهودية منها، وهي مقسمة على أنواع عدة، كما يبينها موقع الجمعية الإلكتروني، إذ تنظم جولة بعنوان جولة الأسطح في القدس، وفي هذه الجولة يتعرف المشاركون على مدينة القدس من خلال زيارة مبان شاهقة عدة في بلدة القدس القديمة منها ما هو قديم سيطرت عليه الجمعية أو حديث بُني بعد تجريف حارة المغاربة وتهجير سكان الأحياء المجاورة لها.
وإلى جانب جولة الأسطح هناك جولة التجمعات والمعابد اليهودية في القدس، إذ يزور المشارك في الجولة الأحياء التي استوطنها اليهود في القدس القديمة، والكنس التي بناها المستوطنون على أراضٍ تعود ملكيتها للفلسطينيين، ككنيس أوهل إيتسق الذي يعني بالعربية خيمة يعقوب الذي بناه المستوطنون على أرض وقفية، أو كنس أنشأها المستوطنون في منازل الفلسطينيين كالكنيس الذي يقع في عقبة الخالدية، وتنتهي هذه الجولة في زيارة ما تسميه الجمعية حائط المبكى الصغير، وهو جزء من سور المسجد الأقصى الغربي يقع وسط الحي الإسلامي في بلدة القدس القديمة، وتحديدًا في المنطقة المسماة رباط الكرد وتسكن فيها عائلات مقدسية تمنع من الدخول إلى منزلها أو الخروج منه في حال كان المستوطنون يصلون في المكان.
أما الجولات الأخرى فهي جولة شخصيات القدس، يتعرف المشاركون من خلالها على شخصيات ساهمت في احتلال القدس، أو لها تأثير ديني كبير، والجولة الأخيرة هي جولة المظليين، وهي جولة تشرح الجمعية فيها عن حرب حزيران (النكسة)، وكيف سيطر المظليون الإسرائيليون على القدس القديمة.
تهدف عطيرت كوهانيم من خلال تنظيم هذه الجولات إلى تعزيز ارتباط اليهود بمدينة القدس، وذلك باستحضار الماضي اليهودي فيها كما تقول وربطه بالحاضر، من خلال تغيير أسماء الأماكن في المدينة وإعادة تسميتها بأسماء يهودية توراتية.
جمعية إلعاد
تأسست إلعاد – التي هي اختصار لجملة نحو مدينة داوود – في سنة 1986، بهدف تعزيز الاتصال اليهودي الإسرائيلي الحاضر بالماضي كما تعلن في موقعها الإلكتروني، والحفاظ على ما تسميه إرث داوود، وهي بهذا لا تبتعد كثيرًا عن أهداف جمعية عطيرت كوهانيم، إلا أنها أكثر تخصصًا وانحسارًا، إذ ينشط عملها في بلدة سلوان، لأن باعتقادها أنها البلدة التي أسس فيها الملك داوود مملكته قبل نحو 3 آلاف عام.
وتعمل جمعية إلعاد لتحقيق هدفها في اتجاهات ثلاث أولها الحفريات التهويدية، إذ أنشأت مبنى مدينة داوود الذي يعلو نفق ما يسمى طريق هيروديون وهو عبارة عن نفق اكتشفته الحفريات الإسرائيلية، يعود إلى الفترة الرومانية يبعد نحو 600 متر عن المسجد الأقصى، يبدأ من وادي حلوة في سلوان وينتهي عند حائط البراق داخل بلدة القدس القديمة، يتلقى فيه الزائر شروحات عما يسميه الاحتلال فترة الهيكل الثاني.
وتنظم جولة أخرى في قناة عين سلوان، وهي مجرى مائي توجد فيه آثار بيزنطية، يتلقى الزائر له شروحات عن تاريخ اليهود في المنطقة زمن الملك داوود.
كما تنظم عروضًا لأفلام ثلاثية الأبعاد عن تاريخ اليهود في مدينة القدس وبلدة سلوان بشكل خاص، وذلك في فعاليات ما تسمى “ليال في الموقع الأثري”، وهي أفلام تعرض التاريخ من وجهة نظر يهودية توراتية إذ إنها قائمة على روايات من الكتاب المقدس.
وتنظم جمعية إلعاد جولات عن بلدة سلوان، ليتمكن المشارك من رؤيتها من علو بمشهد بانورامي واسع، ويغلب الترفيه على هذه الجولات حتى تحبب المشاركين في القدس والسكن فيها، فجولة مستوطنة أرمون هنتسيف المقامة على جبل المكبر التي تحد سلوان من الجنوب تكون على السكواي، بدلًا من أن يمشي المشارك على قدميه، فيتجول باستخدام هذه الآلة التي تشبه السكوتر بشكل كبير، فتكون جولته أكثر متعة.
كما تنظم جولة أخرى في وادي قدرون الذي يحد سلوان من الشرق، يشارك فيها المشترك بالبحث عما تسميه الجمعية بآثار من فترة الهيكل، وذلك من خلال غربلة التراب والبحث عن القطع الأثرية المدفونة فيه، وهي قطع أثرية تعود للفترة الرومانية.
كما أن الجمعية تنشط في الاستيلاء على منازل الفلسطينيين في بلدة سلوان، وخاصة منطقة وادي حلوة المقامة عليها مدينة داوود، إذ إنها تملك 70 وحدة استيطانية فيها.
موسسة صندوق القدس
تأسست مؤسسة صندوق القدس الإسرائيلية عام 1966 على يد رئيس بلدية القدس تيدي كوليك، بهدف العمل على تحسين رفاهية سكان مدينة القدس وتعزيز نسيج الحياة الاجتماعية فيها وتعزيز مكانة القدس لتمثل عاصمة عصرية وثقافية لدولة الاحتلال، مستغلة التعدد الإثني والثقافي في المدينة لتسويق دعايتها.
وفي سبيل تحقيق هدفها أقامت مؤسسة صندوق القدس نحو 4 آلاف مشروع بتكلفة مليار ونصف دولار، على مدار أكثر من 50 عامًا، وتهدف المشاريع التي تقيمها المؤسسة إلى تعزيز الوجود اليهودي في القدس من خلال إقامة برامج ترفيهية للمستوطنين، تقوي روابط الصلة فيما بينهم وتعزز بقاءهم في المدينة.
ومن الأمثلة على هذه المشاريع برنامج مجتمع الحديقة الذي تموله المؤسسة، فتجمع عائلات يهودية وتقيم لهم الموائد والنشاطات التفاعلية لمختلف الفئات العمرية، فتحبب بقاءهم في المدينة وتشعرهم بالأمان، خاصة بعد الأحداث الأمنية التي وقعت في المدينة نتيجة الاضطهاد الإسرائيلي للفلسطينيين.
كما اشترت بعض منازل المقدسيين الذين هجرهم الاحتلال منها عام 1948 مما تسمى دائرة أملاك الغائبين، وأقامت فيها مشاريع تعزز الوجود اليهودي في المدينة، كمشروع “بيت الشنطي” الذي افتتحته بقرية عين كارم غرب القدس المحتلة، ليكون ملتقى للشبيبة اليهود القادمين من أماكن مختلفة من الدولة.
وتقيم مشاريع عدة لأسرلة الفلسطينيين الذين يسكنون القدس، من خلال تعزيز فكرة السلام بين الجلاد والضحية والقبول بالأمر الواقع وتحقيق العيش المشترك، من خلال بناء جسور تواصل بينهم، فتقيم المؤسسة عدة مشاريع مشتركة (يشارك فيها اليهود والعرب معًا ) وتضم ورشات رسم وورشات تعزيز المهارات، وغيرها.
ولم تغفل مؤسسة صندوق القدس عن تسويق “إسرائيل” في العالم، فهي تقيم بشكل متواصل عروض موسيقية وثقافية في المدينة وتدعو إليها فنانين وموسيقيين من دول مختلفة، من أجل رسم صورة عصرية ومتقدمة عن دولة الاحتلال، وتثبيت فكرة أن القدس بشقيها الشرقي والغربي خاصة لسيطرتها، وحي بوحدتها عاصمة الدولة.
جمعيات الهيكل
يندرج تحت مسمى جمعيات الهيكل أكثر من 10 جمعيات، منها إحياء الهيكل ومعهد الهيكل ونساء من أجل الهيكل وغيرها الكثير، أقيمت هذه الجمعيات بهدف تشجيع فكرة هدم المسجد الأقصى وبناء ما يسمى الهيكل الثالث مكانه، وينشط عملها في دعوة المستوطنين إلى اقتحام المسجد الأقصى والمطالبة بتخصيص مكان لليهود للصلاة فيه إلى حين هدمه.