أحببت إسطنبول منذ صباح اليوم الأول الذي شهدت شروق الشمس فيها، ودهشت من عراقة التاريخ الذي تحمله بين أزقتها وجدران أبنيتها، كنت أسمع بجسر البوسفور، ولم أعرف الفرق بين القرن الذهبي ومياه المضيق، حتى اقتنيت خريطتي الأولى لإسطنبول من ساحة السلطان أحمد، وغرقت في تفاصيلها، ثم رافقتني خرائط جوجل كثيرًا، وأدركت كم تبدو هذه المدينة واسعة لا تنتهي.
تدهشني تلالها السبع وما يرتفع فوقها، يدهشني كيف يتحول مشوار صغير لرحلة واسعة من المناظر البديعة والتجارب الجميلة، كبر طفلي ورأيت بريق عينيه أول مرة عندما ركبنا السفينة للانتقال من الشطر الأوروبي للآسيوي، كيف أصبح السميت وكأس الذرة وإطعام النوارس جزءًا من ذاكرته، هذه بعض اقتراحات لأماكن تصنع ذكرى جميلة لعائلاتكم.
الصعود لأعلى نقطة في إسطنبول في برج تشامليجا
بارتفاع 587 مترًا عن سطح البحر شيّد آخر رموز إسطنبول على تلة تشامليجا المعروفة بإطلالتها الواسعة على إسطنبول من شقها الآسيوي، التي تزينت منذ عامين بأكبر جامع بني في عهد الجمهورية، وإضافة لكونه مركزًا جديدًا للجذب السياحي الإسطنبولي بما يوفره من إطلالة بانورامية على المدينة حيث يتيح رؤية أجزاء واسعة من إسطنبول والمناطق المحيطة بها فنتمكن من رؤية جزر الأميرات وأجزاء واسعة من البحر الأسود شمالًا، فإن برج تشاملجا ساعد في تحسين الصورة الجمالية لإسطنبول من خلال جمع الهوائيات في برج واحد يتغير شكله باختلاف زاوية النظر.
يمكن للزوار تناول الطعام في الطابقين الـ39 و40 من البرج حيث يوجد مطعمًا ومقهى، أما شرفات المراقبة فتوجد في الطابقين 33 و34، كما يضم البرج أماكن للمعارض ومصعدًا بانوراميًا.
رؤية إسطنبول التاريخية من برج غلاطة
على الرغم من المساحات الواسعة التي يغطيها برج تشامليجا، فإن زيارة برج غلاطة أقرب للوجدان والنفس، فمن شرفات غلاطة نرى معالم إسطنبول التاريخية مع كثير من التفاصيل، ونفهم القصص والروايات وكتابات الرحالة، إذ يروون أحداثًا جرت في هذه المدينة.
حينما تنظر لإسطنبول من غلاطة فكأنما تنظر لخريطة قديمة لكنها ثلاثية الأبعاد، ومن هناك تدرك الموقع الساحر لقصر التوب كابي عند مدخل القرن الذهبي والمضيق، وتتخيل السلطان يراقب عاصمة إمبراطوريته من حدائق القصر.
أقترح أن تقرأ الأساطير المروية عن البرج قبل زيارته، فمثلًا يقال إن برج غلاطة وبرج الفتاة في إسكودار كانا في حالة حب مع بعضهما، لكن مضيق البوسفور منعهما من اللقاء، وأن أحمد شلبي حين ركب جناحيه وحاول الطيران من غلاطة لإسكودار كان قد نقل رسائل الحب التي كتبها غلاطة لبرج الفتاة.
عند زيارة البرج قدومًا من أحياء الفاتح وأمينونو يمكن المرور فوق جسر غلاطة حيث ينتشر الصيادون، ومن ثم زيارة جامع العرب والصعود على الأدراج القديمة لحي كاراكوي قبل الوصول للبرج، وفي رحلة العودة أنصحكم بتجربة ثالث أقدم مترو في العالم عام 1875 الذي يربط كاراكوي بشارع الاستقلال، ومن ثم ركوب الترام الشهير في شارع الاستقلال.
جولة البوسفور بالسفينة
ربما شاهدت إسطنبول من تشامليجا، وتمشيت في أشهر أحيائها، وتجولت في تاريخها في متاحفها وقصورها ومعالمها الأثرية، لكن جولة المضيق بالسفينة ستروي لك فصلًا جديدًا من حكايات إسطنبول، تنطلق السفن بعدة جولات يومية وبأوقات مختلفة من النهار، كما توفر بعض الشركات رحلات ليلية.
تنطلق بعض الرحلات من أشهر الموانئ مثل أمينونو وبشكتاش وإسكودار وكاديكوي، تمر بالجسر الأول والثاني وتصل بعضها للجسر الثالث حيث يتصل البوسفور بمياه البحر الأسود، على طول المضيق وعلى الطرفين، تنتشر القصور الخاصة والقصور العثمانية القديمة والفنادق التي تظهر كمنمنمات وأعمال يدوية حرفية صغيرة! توفر بعض السفن خدمة المرشد الصوتي الذي يشرح بعض المعالم عند المرور بالقرب منها.
لا تنسى أن تشتري بعض السميت وتراقب كيف سيسرقها النورس القريب، بينما تنهمك نوارس أخرى في صيد السمك.
جولة القرن الذهبي بالزورق
تتميز جولة الخليج بهدوئها ورويتها، فبإمكانك بدلًا من أن تركب السفن الكبيرة أن تطلب قاربًا صغيرًا يحملك أنت وعائلتك فقط، في رحلة صغيرة بين أمواج القرن الذهبي، ستجد معالم إسطنبولية وأبنية وقفية وحدائق واسعة تنتشر فيها المقاهي وملاعب الرياضة.
أنصحكم بهذه الجولة بعد زيارة جامع الصحابي أبو أيوب الأنصاري والحارات المحيطة به، وصعود التلفريك وتناول كأس من الشاي ومشاهدة منظر الخليج عند الغروب من تلة بيير لوتيه، كما ستلاحظون وجود ثلاث جزر صغيرة تعيش فيها طيور من البط والأوز، قبل النزول في جولة القارب.
التلفريك في أيوب
يعد صعود التلفريك جزءًا جميلًا من متعة الرحلة لأيوب، وعلى الرغم من قصر المسافة التي يقطعها التلفريك انطلاقًا من ساحل الخليج صعودًا نحو بيير لوتيه، فإنها إحدى التجارب اللطيفة التي تسعد الأطفال وتضفي جوًا جديدًا على النزهة، سميت التلة على لقب الكاتب الفرنسي بيير لوتيه، الذي عاش في إسطنبول لفترة بنهايات القرن التاسع عشر، أواخر حكم الدولة العثمانية، وعرف بوجوده المكثف بأحد مقاهي التلة، وخلدها في كتبه ورواياته.
– التلفريك في ماتشكا (Maçka – Taşkışla station)
التجربة الثانية للتلفريك هي بين أشجار الصنوبر، والذي يصل بين حديقة ماتشكا وتقسيم، يقصده عادة من يمر بحديقة ماتشكا.
– جني الخضروات من الحقول (Dalından meyve Toplama)
قضيت طفولتي في القرية نحصل على الفاكهة وكثير من الخضراوات من الحقول المجاورة لمنازلنا، وحينما بدأ طفلي يكبر لاحظت أن علي أن أشرح له الفرق بين قطف الثمار من الأشجار أو من الأرض، وأشياء أخرى مثل الثمار التي تنمو فوق التربة وتحتها، أدركت أن الطفل الذي ينمو في المدينة بحاجة لأنشطة أكثر تربطه بالطبيعة والأرض.
في أثناء بحثي عن نشاطات مناسبة للعائلة والأطفال، وجدت بعض المزارع التي توفر للعائلة فرصة جني الثمار التي سيشترونها، فضلًا عن كون هذه الخضراوات طبيعية ولا تستخدم في إنتاجها المواد الكيمياوية.
كما يتعرف الطفل من خلال هذه الرحلة على طريقة حصاد كل نوع من الخضراوات والفواكه وتمييز الفاكهة الناضجة إضافة لتعلم الحفاظ على سلامة الأغصان وفروع النباتات وعدم التعرض للأزهار التي ستتحول لثمار.
صيد الأسماك
أحد أكثر الأماكن رسوخًا في الذاكرة الإسطنبولية هو مشهد الصيادين متراصين على جسر غلاطة ويتكرر هذا المشهد كثيرًا بكثرة سواحل إسطنبول سواء عند المضيق أم الخليج أم بحر مرمرة.
كما يوفر الكثير من الصيادين رحلات صيد خاصة بقواربهم بدلًا من الانتظار عند الشواطئ، يمكن الاطلاع على خدماتهم والحصول على عروض خاصة مناسبة لكم عبر هذا الموقع balikavciligi.
الذهاب في رحلة صيد مع طفل تحمل من الفوائد ما لا تحمله نشاطات أخرى، إذ يمنح الأب والطفل وقتًا لتبادل الأحاديث بروية، ويعلم الطفل الصبر فضلًا عن تعلمه أساليب ووسائل الصيد، كما تساعد هذه التجربة على التواصل مع النفس وتجديد النشاط نتيجة القرب مع الطبيعة وما يضفي على الروح من سكينة وراحة، ويتعلم الطفل نشاطًا جديدًا لتخفيف توتره عندما يحتاج للهدوء.
السباحة
من البديهي أن تكون السباحة أحد أكثر الأنشطة متعة في صيف مدينة مثل إسطنبول فيها منافذ بحرية كثيرة، فيقصد الكثير من الزوار ساحل سيلفري على بحر مرمرة للسباحة حيث تتوافر خيارات متعددة للإقامة إضافة لوجود شواطئ مجهزة، كما يمكن استخدام المواصلات العامة للوصول لسيلفري Silivri بسهولة نظرًا لتوافرها حتى وقت متأخر من الليل.
ويفضل الكثيرون شواطئ البحر الأسود للسباحة حيث يمكن الوصول لشاطئ كيلوس Kilyos خلال أقل من ساعة انطلاقًا من مركز المدينة، ويعتبر الشاطئ الأفضل للعائلة، بينما تفضل عائلات أخرى قضاء عدة ليال في منطقة شيلة Şile وآفا Ağva للسباحة والتمتع بالحياة في الأكواخ الخشبية وسط المناظر الطبيعية، حيث تبعدان نحو ساعتين عن مركز إسطنبول وتتوافر مواصلات عامة دون الحاجة لحجوزات مسبقة.
التخييم
يعزز التخييم مع الأطفال من ارتباطهم بالطبيعة وتفاعلهم معها، كما يمنح الوالدين الفرصة لقضاء وقت نوعي مع أطفالهم، ويترك ذكريات جميلة لدى الأبناء.
تهيئ البلديات في إسطنبول الكثير من الأماكن الآمنة والمجهزة لتخييم آمن وممتع، كما يتوافر في بعض الغابات كرفانات وخيم للإيجار لمن لا يرغب في شراء خيم كاملة، احرص عند اختيار مكان التخييم على وجود أنشطة متنوعة قرب المكان مثل ركوب الخيل أو وجود تلة لمراقبة شروق الشمس أو الغروب عند البحر، تنتشر أماكن التخييم عادة على شواطئ البحار والغابات وقريبًا من الأنهار والبحيرات، وأشرت في تقرير سابق لبعض الغابات المناسبة للتخييم.