تواصل حكومة نظام الأسد طرح قرارات تعسفية جديدة من شأنها تضييق الخناق على السوريين القابعين في مناطق سيطرتها في ظل الانهيار الاقتصادي والمؤسساتي الذي تعيشه معظم أركان الدولة على مختلف الأصعدة، وعجزها الكامل عن توفير أدنى مقومات الحياة للمواطنين الذين باتوا اليوم يعيشون تحت خط الفقر بدرجات كبيرة لا يمكن وصفها.
وفي الوقت الذي تحاول فيه حكومة نظام الأسد تعويم نفسها لتحسين الوضع الاقتصادي للسوريين بحسب زعمها، تبدو هي أكثر من يحتاج للحصول على التمويل المالي لتحسين واقعها الاقتصادي في ظل نهش الميليشيات لها وسطوتها على معظم المؤسسات، وذلك من خلال ابتزاز السوريين ورفع أسعار المحروقات والسلع الأساسية التي يحتاجها المواطنون بشكل يومي.
زيادة الرواتب
مع صبيحة يوم الأحد 11 من يوليو/تموز انبهر السوريون في مناطق سيطرة حكومة نظام الأسد بمرسومين تشريعيين أصدرهما رأس النظام بشار الأسد يقضيان برفع الرواتب وأجور العاملين من المدنيين والعسكريين وأصحاب المعاشات التقاعدية بنسب متفاوتة، للتغطية على تعديل الأسعار التي صدرت السبت 10 من يوليو/تموز، وأثارت قلق فئة كبيرة من السكان داخل مناطق سيطرة نظام الأسد.
وبحسب المرسوم الأول الذي حمل رقم 19 لعام 2021، زيادة الرواتب والأجور المقطوعة لكل العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين بنسبة 50%، ورفع الحد الأدنى العام للأجور والحد الأدنى لأجور المهن لعمال القطاع الخاص والتعاوني والمشترك غير المشمولة بأحكام القانون الأساسي للعاملين بالدولة ليصبح 71515 ليرة سورية شهريًا.
بينما تضمن المرسوم الثاني الذي حمل رقم 20 لعام 2021، منح أصحاب المعاشات التقاعدية من العسكريين والمدنيين زيادة قدرها 40% من المعاش التقاعدي، ويستفيد من الزيادة المذكورة أسر أصحاب المعاشات وتوزع على المستحقين وفق الأنصبة المحددة في القوانين والأنظمة الخاضعين لها.
أعلن نظام الأسد السبت 10 من يوليو/تموز الحاليّ تعديل سعر لتر المازوت ليصبح 500 ليرة سورية بعد أن كان 180 ليرةً سوريةً
أثارت الزيادة في المرتبات الشهرية وأجور العاملين في القطاع الخاص، سخط السوريين بعد رفع أسعار المحروقات والخبز التي بدأوا يلتمسون آثارها فور صدور التعرفة الجديدة للأسعار، لا سيما أن تلك الزيادة لا تحمل ذلك المعنى المخصصة له لأنها تختلف نسبتها عن نسبة رفع الأسعار، وفي حال حاولت حكومة النظام منح الزيادة للعاملين في القطاع العام فهي غير قادرة على توفيرها في ظل الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه، ما سيجبرها على خوض مضمار ابتزاز رجال الأعمال وفرض الضرائب.
وأعلن نظام الأسد السبت 10 من يوليو/تموز الحاليّ تعديل سعر لتر المازوت ليصبح 500 ليرة سورية بعد أن كان 180 ليرةً سوريةً لكل القطاعات العامة والخاصة بما فيها المؤسسة السورية للمخابز ومخابز القطاع الخاص، وبحسب القرار فإنه سيتم العمل به في صباح اليوم التالي من تاريخ صدوره.
كما رفعت حكومة نظام الأسد سعر ربطة الخبز المعبئة بكيس نايلون إلى 200 ليرة سورية، وبحسب القرار سيبدأ تنفيذه مع صبيحة أمس الأحد 11 من يوليو/تموز الحاليّ، وكانت حكومة النظام قد رفعت سعر لتر البنزين أوكتان 95 إلى 3000 ليرة سورية ضمن سلسلة من قرارات رفع الدعم عن المواد المدعومة من الحكومة السورية.
زيادة الرواتب لا تتناسب مع ارتفاع الأسعار
تعتبر زيادة أسعار المحروقات والخبز غير متناسبة وبفارق كبير عن زيادة الرواتب التي أعلنها رأس النظام السوري، فقد زاد سعر ربطة الخبز في السوق النظامية بنسبة 100% بينما المازوت بنسبة 178%، في حين أن زيادة رواتب للعاملين لم تتجاوز 50%، والأسعار مرشحة للزيادة بسبب ارتفاع المحروقات.
وفور القرارات التي اتخذتها حكومة النظام فإن الأسعار في السوق المحلية ارتفعت بشكل مباشر ومن ضمنها أجور نقل الركاب التي ارتفعت للضعف، بشكل غير مسبوق في مختلف المحافظات السورية بحيث أصبحت تكلفة التنقل بالحافلة أو السرفيس بمسافة 10 كيلومترات نحو ليرة سورية للراكب الواحد بينما المسافة التي تفوق الـ10 كيلومترات بلغ سعرها 130 ليرةً سوريةً.
وقال المحلل الاقتصادي يونس الكريم خلال حديثه لموقع “نون بوست”: “في الحقيقة لا يوجد زيادة وإنما هي لتخفيف ارتفاع أسعار السلع والمحروقات وتحسين القدرة الشرائية، والزيادة جاءت نتيجة غياب مخصصات الموازنة بسبب سعر صرف الليرة السورية، والبنك المركزي لم يستطع إقناع البنوك التجارية من الاكتتاب على الودائع التي فرضها عليهم ولم يعد لدى النظام الكثير من الأموال سواء بالقطع الأجنبي أم بالليرة السورية لتمويل الزيادة بالشكل الأمثل”.
زيادة الرواتب لن تلبي احتياجات المواطنين الذين يحتاجون على الأقل شهريًا 600 ألف ليرة سورية بينما الحد الأدنى من الرواتب المقدمة 75 ألف ليرة سورية
وأضاف “نظام الأسد لم يعد باستطاعته موازنة أسعار المواد المدعومة نتيجة تغير سعر الصرف وعدم قدرته على تأمين هذه السلع وفشل مؤسسات الدولة في تلبية احتياجات المواطنين وتخفيض العجز في ظل سعيه المستمر لتحسين واقع حكومته الاقتصادي”.
وأشار إلى أن النظام رفع مرتبات الموظفين لامتصاص الصدمة جراء ارتفاع الأسعار، وعدم قدرة الأهالي على شراء السلع الأساسية، وهي فعليًا لا تتجاوز 10 دولارات أمريكية على كتلة الرواتب، و5 دولارات على كتلة الرواتب في الحد الأدنى، وهذه الزيادة لن يستطيع نظام الأسد تمويلها من الطباعة لارتفاع تكاليفها، وكذلك لن يستطيع الاستدانة مما سيدفعه إلى الاعتماد على فرض الإتاوات والضرائب على الشركات المحلية والبيوع العقارية والسكن لسد احتياجه في تغطية زيادة الرواتب.
يأتي ذلك في ظل وضع معيشي واقتصادي كارثي يعيشه الشعب السوري لا سيما من نقص المحروقات عمومًا إضافة للطحين الأساسي في صناعة الخبز، وفي أحسن الأحوال فإن الزيادة التي منحها نظام الأسد للعاملين في القطاع العام والخاص لا تغطي ارتفاع الأسعار الذي شهدته معظم المواد الرئيسية التي يحتاجها السوريون.
فعليًا فإن زيادة الرواتب لن تلبي احتياجات المواطنين الذين يحتاجون على الأقل شهريًا 600 ألف ليرة سورية بينما الحد الأدنى من الرواتب المقدمة 75 ألف ليرة سورية، وهذه الفجوة كبيرة لن تستطيع الدولة المنهارة أساسًا تغطيتها.
آثار ارتفاع أسعار المحروقات والسلع الأساسية
عن الآثار المترتبة على ارتفاع الأسعار قال الكريم: “سترتفع وتيرة الاستياء وتفكك مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على تأدية واجبها في تقديم الخدمات للمواطنين وسطوة الميليشيات والمحسوبيات والفساد على مختلف القطاعات، وهذا يعني مزيدًا من الفقر والجوع سيتعرض له السوريون”.
من جهته علق الصحفي منار عبد الرزاق على آثار ارتفاع الأسعار وقرارات النظام التعسفية في حديثه لموقع “نون بوست” قائلًا: “ستتوسع رقعة الفقر وقتل الإرادة لدى المواطن السوري، لأن معظم المواطنين بدأوا يمتنعون عن الذهاب إلى الجامعات والدوائر الحكومية من الموظفين بسبب ارتفاع التكاليف وعدم وجود وسائل مواصلات كافية لتغطية احتياجات الجمهور، ويوميًا هناك بيانات متعددة لموظفين أضربوا عن العمل أو امتنعوا عن الذهاب إليه أو قننوا الذهاب من خلال الدوام ليوم وغياب آخر ليتغلبوا على الغلاء المعيشي الذي يضرب مختلف نواحي الحياة”.
وأضاف “خطوات الإفلاس التي تقوم بها حكومة النظام تتسق دومًا بين زيادة الأسعار وزيادة الرواتب، فالنظام يعي جيدًا أن هذه الرواتب والزيادات الطارئة عليها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن توفر الاحتياجات الأساسية للسكان، ومتوسط راتب الموظف في سوريا لا يتعدى الـ22 دولارًا مع الزيادة، في ظل أسعار السلع السوق المحلية التي تتسق مع نظيرتها في السوق العالمية، وفي المحصلة ما يجري على الأرض هو استعراض إعلامي تنفيسي”.
إلى جانب أن ارتفاع أسعار الخبز 100% يزيد معاناة الناس أيضًا ويجعل من تأمين الرغيف شيء صعب للغاية، خاصة أن رغيف الخبز في تلك المناطق أصبح مقوننًا على البطاقة الذكية، ولا يتمكن الفرد في أي أسرة سورية من الحصول على أكثر من رغيفين (يوميًا) في أحسن الأحوال.
وأشار إلى أن الزيادة لا يمكن أن تغطي في أي حال على ارتفاع أسعار المحروقات من خلال قياس نسبة زيادة الأسعار التي تتفوق طردًا على زيادة الرواتب بنحو 50% على الأقل، وراتب الموظف الحكومي لا يشتري في أحسن الأحوال 30 لترًا من البنزين في الوقت الحاليّ، وهذا مثال واضح على حجم الكارثة.
البدائل المتاحة للأهالي
يبدو أن الأهالي المقيمين في مناطق نظام الأسد عاجزون عن تدبر أمورهم المعيشية في ظل غياب مصادر الدخل وضعف مردودها أمام الأسعار التي تحلق عاليًا كلما أقرت الحكومة بجفاف مواردها المالية التي زادت من انهيارها الاقتصادي.
وعن البدائل يقول الصحفي منار عبد الرزاق: “الناس في مناطق سيطرة النظام اعتادوا على ما يبدو فقدان الشيء دون البحث عن بديل وتكيفوا مع الوضع، لكن للأسف إننا نتحدث عن أساسيات لا يمكن الاستغناء عنها كالخبز وفي حال عدم توافره فهل يتوافر الطحين؟ وما أسعاره؟ وهل تتناسب مع مصادر دخل الموطنين؟ كلها تساؤلات تعمق معاناة المواطن السوري الذي أصبحت أساسيات حياته اليومية من الرفاهيات”.
السوريون في ظل القبضة الأمنية التي تفرضها قوات نظام الأسد لا يملكون أي حيلة للتغلب على مآسي الحياة اليومية
واعتبر أن نظام الأسد يقدم كل فترة “كبوش فداء” لتحميلهم مسؤولية ما آلت إليه الأمور من تجار حرب وغيرهم، ومن الممكن أن نشهد نشاط للجمعيات الإنسانية التي تدعم الفقراء ويشرف عليها تجار حرب ورجالات سلطة تحت ذريعة دعم الفقراء، في محاولة لكسب الشارع في تلك المناطق وفق مبدأ (أعطني ولاءك أعطيك قوت يومك)”.
نهاية فإن السوريين في ظل القبضة الأمنية التي تفرضها قوات نظام الأسد لا يملكون أي حيلة للتغلب على مآسي الحياة اليومية، وهم يبحثون عن شيء يبقيهم على قيد الحياة، في ظل ارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 90% في عموم البلاد، والسوريون في المجمل لا يستطيعون تدبر أمورهم، لا سيما في تحكم السلطة وميليشياتها وانتشار الفساد ونشاط تجار الحرب، وسط مآسٍ متواصلة يعيشها السوريون، ولولا تلك الحوالات المالية الخارجية من أبنائهم في دول اللجوء لكانوا الآن يعيشون في ظروف أسوأ من هذه.