ترجمة وتحرير: نون بوست
تترك الحروب آثارا لا تمحى على الناس، ولا سيما الأطفال، حيث يمكن أن تساعد الكتب التي تتناول تجارب اللاجئين الآخرين على التعاطف مع نضالهم.
بمعنى ما نعدّ جميعنا مهاجرون، حيث أن الهجرة المستمرة عبر تاريخ العالم نقلت أسلافنا من مكان إلى آخر. في المقابل، تعدّ تجربة اللجوء مختلفة تماما، حتى أنها مروّعة أكثر بكثير من كونك مهاجرا. ففي الحالة الأولى، يُجبر الناس على ترك أوطانهم، بينما في ينتقل الناس خلال الهجرة طواعيّة من بلد إلى آخر.
بالنسبة للأطفال، الذين لا تتأثّر عواطفهم المفعمة بالحيوية بسبب مخاوف البالغين النموذجية والكدح، يترك الانتقال من مكان إلى آخر في ظل ظروف الحرب في بلدان مثل سوريا ندوبا نفسية عميقة طوال حياتهم. وتهدف كُتب الأطفال المتزايدة حول حياة اللاجئين، بداية من كتاب فرانشيسكا سانا الذي يحمل عنوان “الرحلة”، وصولا إلى كتاب ويندي ميدور “لبنى والحصاة”، إلى خلق معنى في مشاعر الأطفال، بداية من الأمل واللطف وصولا إلى اليأس والوحدة. كما يمكن أن يساعد ذلك الأطفال الآخرين الذين ولدوا ونشؤوا في بلدان آمنة على التعاطف مع التجارب المؤلمة التي يمر بها الفتيان والفتيات اللاجؤون.
تقريبا، يعدّ كل مؤلفي قصص الأطفال اللاجئين إما لاجئين أو أشخاصا زاروا مخيمات اللاجئين وشاهدوا الصعوبات التي يواجهها الناس، مثل هبة نور خان، مؤلفة كتاب “قطة الحرب الصغيرة”، الذي نُشر في أيلول/ سبتمبر. وفي هذا السياق، قالت خان: “زُرعت بذرة القصة في داخلي عندما زرت مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا سنة 2013. وعندما كنت هناك، التقيت بالعديد من العائلات. كان هناك أطفال صغار أصيبوا بصدمة شديدة. فكلما سمعوا صوتا عاليا، ينتهي بهم الأمر بالبكاء والاختباء”.
في ظل القصف المستمر، أصيب العديد من الفتيان والفتيات السوريين باضطراب ما بعد الصدمة، مما أدى إلى ربط أي أصوات عالية باحتمال وقوع ضربات جوية وهجمات أخرى. وقالت خان لتي آر تي العالمية إنه بالنسبة لهؤلاء الأطفال، “حتى أكثر الأشياء طبيعية تعدّ مصادرا للرعب”. منذ بداية الحرب الأهلية سنة 2011، وتحت الضربات الجوية والقصف المدفعي المستمر لنظام بشار الأسد، وقع تدمير العديد من القرى والبلدات. نتيجة لذلك، انتقل ملايين اللاجئين السوريين إلى تركيا والأردن ولبنان بحثا عن ملاذ آمن.
لماذا الكتابة عن الأطفال اللاجئين؟
وُلدت خان، البالغة من العمر 28 سنة، في عائلة باكستانية بريطانية، وعملت في العديد من منظمات اللاجئين في المملكة المتحدة، حيث التقت بجميع أنواع الأشخاص من مختلف البلدان مثل الكونغو وأفغانستان وسوريا. وقد أظهرت لها تجربتها في تلك المنظمات مدى تعرض الأطفال اللاجئين للصدمات بعد رحلات محفوفة بالمخاطر من بلدانهم الأصلية إلى البلدان المضيفة. ويُذكر أن أكثر من نصف عدد اللاجئين في العالم هم من الأطفال.
وفقا لخان، بينما يجد الأطفال اللاجؤون “الأمان الجسدي” في دول مثل المملكة المتحدة، يحتاج البشر إلى أكثر من ذلك. وتابعت خان حديثها قائلة: “لا يعدّ مجرد الابتعاد جسديا عن الحرب كافيا. ويجب أن يقع الترحيب بهم وأن تتاح لهم الفرص، وهو ما لا نراه في المملكة المتحدة، حيث تجعل حكومتنا الحياة صعبة للغاية بالنسبة لطالبي اللجوء واللاجئين”.
أفادت خان أن النخبة ووسائل الإعلام في المملكة المتحدة تستخدم اللاجئين “ككبش فداء مالي وسياسي” وتُشيطنهم. وأضافت خان قائلة: “كنت أرى آثار ذلك على الأشخاص الذين كنت أعمل معهم. لقد كان هناك الكثير من التنمر والمضايقة وسوء المعاملة والوصم”. ووفقا لخان، يفر اللاجئون من الحروب الساخنة لينتهي بهم الأمر بالعيش في ظروف الحرب الباردة في جميع أنحاء أوروبا من المملكة المتحدة إلى فرنسا ودول أخرى، حيث ينشأ أطفال العائلات اللاجئة في ظل شكل من أشكال العزلة الثقافية.
وتابعت خان حديثها قائلة: “أعتقد أن الجيل القادم يحتاج حقا إلى التعاطف والتراحم. إنهم بحاجة إلى فهم هؤلاء الأشخاص وعدم تصديق كل ما يسمعونه ويشاهدونه في وسائط الإعلام. كنتيجة لذلك، قرّرت أن أكتب قصّة للأطفال للمساعدة في تطوير فهم أكبر لحياة اللاجئين”.
قوة اللطف
تعدّ حبكة كتابها مستوحاة من كتاب “مربي القطط الحلبي“، الذي يتحدّث عن محمد الجليل، الذي آوى أكثر من مائة قطة في منزله أثناء اندلاع الحرب الأهلية الوحشية في جميع أنحاء سوريا. ارتفع عدد قطط الجليل بالتوازي مع عدد القتلى في الحرب مع فرار المزيد من الناس من الحرب السورية، تاركين قططهم وراءهم. تأثرت خان بشدة بطيبة الجليل، الذي “يذكرها” بتصرّفات النبي محمد صلى الله عليه وسلّم “حيث أحب وقيّم جميع أشكال الحياة من أصغرها مثل حياة النملة إلى حياة القطة والإنسان”.
في قصة خان، أصيبت قطة حلبية بصدمة بعد أن تعرضت مدينتها للدمار بسبب الصراع. ومن خلال الرسوم التوضيحية، يوضح الكتاب كيف تشعر القطة بالخوف والجوع وتختبئ داخل المدينة التي مزقتها الحرب. في المقابل، يجعلها الحظ السعيد تلتقي بإنسان محترم، مثل مربي القطط الحلبي الذي “يختلف عن الجنود ذوي الأحذية الكبيرة والضوضاء الصاخبة”.
تتبع القطة الرجل وينتهي بها المطاف في ملاذ القطط. في هذا الصدد، ذكرت خان قائلة: “تريد القطة اللعب والأكل وترغب في أن تكون طبيعية، لكنها لا تستطيع نظرا لأنها خائفة ومصدومة”. وتروي القصة حكاية الرجل الطيب الذي يتفهم صدمة القطّة ويطمئنها وهو ما تحتاجه بشدة. ونظرا لأن مخاوفها تتضاءل، تتمكّن القطة من العودة إلى وضعها الطبيعي. وفي هذا السياق، قالت خان: “تكشف القصّة التأثير الذي يمكن أن يحدثه اللطف في سياق الصدمة”، مضيفة أن المعاملة اللطيفة تتضاعف. ونتيجة لذلك، سيؤدي عمل لطيف إلى آخر.
تتبلور قصة خان مع لقاء القطة بصبي صغير مختبئ تحت طاولة، فتحاول القطة التحدث إليه. في المقابل، لم يكُن الفتى، الذي أصيب بصدمة نفسية بسبب الحرب، يستطيع سماع صوتها ولا يستجيب لها. وفي هذا الصدد، أفادت خان قائلة: “إنه يعيش في عالمه الخاص المبني من الخوف والأسى”، لكن القطة تعامل الصبي بلطف مثلما عاملها الرجل الطيب، وتواسيه وتُعامله بكل لطف، كما توضح الرسوم التوضيحية في الكتاب أن الحالة العقلية للصبي تتحسن أيضا مع مرور الوقت. عموما، تنتهي القصة بفعل أخير نابع من اللطف، يبدأ من خلاله الصبي بالعودة إلى حياته الطبيعية.
تعتقد خان أنه عندما يقرأ الأطفال الآخرون وحتى الكبار كتابها أو كتبا أخرى عن الأطفال اللاجئين، سيشعرون بقوة اللطف، ويطورون قدرتهم على التعاطف مع الفتيان والفتيات السوريين الذين يعيشون في المخيمات أو في بلدان أخرى بعيدا عن أوطانهم. ويمكن لقصص الأطفال اللاجئين أن توضح للآخرين أن النازحين لا يحتاجون فقط إلى “السلامة الجسدية” ولكنهم بحاجة أيضا “للأمان العاطفي” مثل قطة الحرب الصغيرة والصبي الصغير في الكتاب. فضلا عن ذلك، تعتقد خان أن قراءة هذه القصص يُعد مهما للغاية حتى يتمكن الأطفال من فهم العالم نظرا لأن لديهم قدرة أكبر على التعامل بلطف مقارنة بالبالغين. واختتمت خان حديثها قائلة: “تمثّل قلوب أطفالنا موردا ثمينا للغاية”.
المصدر: تي آر تي وورلد