ترجمة وتحرير: نون بوست
“الموت للعرب!” “نتمنى أن تحترق قريتكم!” “النكبة الثانية قادمة!”.
هذه عينة من الشعارات التي رددها مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين في مسيرة بالمدينة القديمة في القدس الشرقية المحتلة يوم 15 حزيران/ يونيو. كانت المسيرة الصهيونية -احتفالا بذكرى احتلال “إسرائيل” للقدس الشرقية سنة 1967- أشبه بالتجمعات النازية في القرن الماضي، وجرائم العنصرية والكراهية العرقية في الولايات المتحدة الأمريكية.
عند مشاهدة ما يسمى بـ”مسيرة الأعلام” في القدس الشهر الماضي، تقفز لأذهاننا المسيرة المناصرة لتفوق البيض سنة 2017 في شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا، حيث ردد القوميون الأمريكيون البيض شعارات مثل “لن تأخذوا مكاننا” و”سينهض الجنوب مجددا”.
لعل الاختلاف الوحيد بين المسيرتين اللتين تنضحان بالكراهية والعنصرية ونوايا الإبادة الجماعية، هو أن المستوطنين لا يواجهون أي ردة فعل عنيفة أو أي عقوبات، على عكس نظرائهم الأمريكيين.
مع انتشار شعارات الإبادة الجماعية في شوارع القدس المحتلة، لم تبذل الشرطة الإسرائيلية أي جهد للسيطرة على المستوطنين. بدلا من ذلك، اعتقلت 17 فلسطينيا كانوا يحتجون على هذا الاستفزاز الصارخ.
لم تظهر أوجه التشابه بين العنصريين البيض في الولايات المتحدة والمستوطنين الصهاينة في “إسرائيل” بمحض الصدفة. في الحقيقة، العلاقة بين المجموعتين أعمق بكثير من مجرد احتقار “الآخر”. يعبّر المستوطنون الإسرائيليون بوضوح عن المبادئ السامية والسياسات الإمبريالية التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ما بين العنصريين البيض والمستوطنين
في أيار/ مايو 2021، اتهمت الشابة الفلسطينية منى الكرد مستوطنا إسرائيليا يُدعى يعقوب بسرقة منزل عائلتها في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية. قالت له باللغة الإنجليزية: “يعقوب، أنت تعلم أن هذا ليس منزلك”، وأجابها المستوطن بلهجة أمريكية: “نعم، حتى لو ذهبت، فأنت لن تعودي للبيت، فما هي مشكلتك؟ لماذا تصرخين في وجهي؟”.
لم يتفاجأ أحد عندما اكتشف أن الوجه الجديد الذي يعكس صورة الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين هو أمريكي إسرائيلي له علاقات واضحة بأيديولوجية تفوق البيض في الولايات المتحدة
يعقوب، الذي ذاع صيته في جميع أنحاء العالم بعد انتشار مقطع الفيديو للحوار الذي دار بينه وبين منى الكرد، تبيّن لاحقا أنه يدعى يعقوب فوسي، من نيويورك، وهو من مؤيدي ترامب، وينتمي إلى منظمة “نحلات شمعون” الاستيطانية التي يقع مقرها في الولايات المتحدة.
بالطبع، لم يتفاجأ أحد عندما اكتشف أن الوجه الجديد الذي يعكس صورة الاستيطان الإسرائيلي في فلسطين هو أمريكي إسرائيلي له علاقات واضحة بأيديولوجية تفوق البيض في الولايات المتحدة.
يقود المستوطنون الإسرائيليون الأمريكيون منذ فترة طويلة جهود سلب منازل وأراضي الفلسطينيين، بدعم من المحكمة الإسرائيلية العليا والحكومة الإسرائيلية. يزعم المستوطنون أنهم أصحاب الأرض الشرعيون، وأنهم متفوقون ثقافيًا على السكان الأصليين، وأن جرائم العنف التي يرتكبونها هي مجرد “دفاع عن النفس”. كل هذه الحجج تكاد تكون متطابقة مع تلك التي يستخدمها المتعصبون البيض في الولايات المتحدة.
لعل أفضل مثال يوضّح أوجه الشبه البارزة بين أهداف وأساليب المستوطنين الإسرائيليين والعنصريين البيض في الولايات المتحدة، سيرة رئيس وزراء “إسرائيل” الجديد نفتالي بينيت وسياساته.
وُلد بينيت من أبوين أمريكيين هاجرا من سان فرانسيسكو بعد حرب الأيام الستة سنة 1967، وكان في السابق رئيسًا لمجلس “يشع” للمستوطنين، والذي يهدف إلى “حماية الامتداد الاستراتيجي ل”إسرائيل”، بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط”. لقد شيّد سمعته السياسية باعتباره تلميذ بنيامين نتنياهو، ويتفاخر بكونه يمينيا أكثر من رئيس الوزراء السابق.
لا يزال بينيت يؤيد وبشدة حل الدولة الواحدة وضمّ الضفة الغربية، وقد قال ذات مرة: “لقد قتلت الكثير من العرب في حياتي، ولا توجد مشكلة في ذلك”. على غرار المتعصبين المناصرين لتفوق البيض في الولايات المتحدة، يُصرّ بينيت على أن السكان الأصليين للأراضي التي يسعى شعبه إلى افتكاكها هم في منزلة أدنى من بقية البشر، وأنه على استعداد لسجنهم وإساءة معاملتهم وحتى قتلهم لتحقيق أهدافه. إن قصة بينيت عرقية عنصرية مضرجة بالدم الفلسطيني والأراضي المنهوبة من أصحابها.
في الحقيقة، يجسد أمثال نفتالي بينيت ويالوف فاوتشي، حقيقة الفكر القومي والعرقي المتطرف، وبعبارة أخرى النسخة الإسرائيلية من أيديولوجية تفوق البيض، أو “الوجه اليهودي” للإمبريالية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
الاستيطان امتداد للإمبريالية الأمريكية
اشتهر الناقد الفكري والأدبي الفلسطيني الأمريكي إدوارد سعيد بالحديث عن العلاقة بين الإمبريالية والصهيونية. كتب سعيد في مقاله “الصهيونية من وجهة نظر ضحاياها” الذي نُشر سنة 1979: “هناك مصادفة لا لبس فيها بين تجارب الفلسطينيين العرب على أيدي الصهيونية، وتجارب ذوي البشرة السوداء والصفراء والبنية، الذين وصفهم الإمبرياليون في القرن التاسع عشر بأنهم في منزلة أقل من البشر”.
ليس هناك شك في أن الصهيونية والاستيطان الإسرائيلي امتداد للإمبريالية الأمريكية. وليس الفلسطينيون وحدهم ضحاياه، بل اليهود في جميع أنحاء العالم
ويضيف: “من المهم أن نتذكر أنه من خلال تقليدها للهوس الغربي بالاستحواذ على أراضي ما وراء البحار، أكدت الصهيونية بشكل قاطع أنها ليست حركة تحرير يهودية، بل بالأحرى حركة يهودية استيطانية في الشرق”.
بالنسبة لسعيد، كان من الواضح أن سياسات الفصل العنصري والمذابح التي ارتُكبت ضد الشعوب الأصلية، وبُنيت عليها أفكار القومية والإمبريالية الأمريكية، هي ذاتها التي حرّكت المخططات الصهيونية لسلب أراضي الفلسطينيين وإبادتهم.
اليوم، وفي ضوء الهيمنة العالمية للولايات المتحدة، ليس هناك شك في أن الصهيونية والاستيطان الإسرائيلي امتداد للإمبريالية الأمريكية. وليس الفلسطينيون وحدهم ضحاياه، بل اليهود في جميع أنحاء العالم على حد سواء.
اليهود مجرد “وكلاء”
في كتابها الشهير الذي نُشر في سنة 2007، بعنوان “الماضي لم يذهب إلى أي مكان”، جادلت الناشطة اليهودية أبريل روزنبلوم بأن “الهدف من الاضطهاد ضد اليهود هو إبقاء وجه يهودي واحد في الواجهة، بحيث يصبح اليهود هدفا لغضب الشعوب بدلا من الطبقة الحاكمة”.
شرحت روزنبلوم كيف استخدمت الطبقات الحاكمة اليهود لعدة قرون كـ”وسطاء في اتصال مباشر مع الفلاحين المضطهدين والناقمين، لكي يحموا أنفسهم من ردود الفعل العنيفة على سياساتهم غير العادلة”.
واليوم، يستخدم الإمبرياليون والصهاينة الأمريكيون اليهود كحواجز ووسطاء، لحماية أنفسهم من أي ردة فعل عنيفة ضد طموحاتهم الإمبريالية والعرقية في الشرق الأوسط.
على مدى قرون، سمحت الطبقات الحاكمة في أوروبا وخارجها بانتشار معاداة السامية لبث الرعب بين اليهود، وجعلوا منهم كبش فداء لتمرير سياساتهم القمعية. في الوقت الراهن، لا تزال تلك الطبقات تمارس الشيء ذاته من خلال الترويج سياسيا وثقافيا لفكرة أن الاستيطان الإسرائيلي يمثل جميع اليهود وأن معاداة الصهيونية هي في الواقع معاداة للسامية.
الأوان قد حان لفضح الجهود التي يبذلها الإمبرياليون والصهاينة الأمريكيون لإضفاء وجه يهودي على مذابحهم وقمعهم للفلسطينيين
ساعدت القوانين الأمريكية المناهضة لمقاطعة “إسرائيل”، والتي لا تزال قائمة في ظل حكومة بايدن، على إصدار الكثير من القرارات السياسية والمؤسسية في العالم الغربي ضد أي انتقادات للصهيونية.
من جانبها، تعمل وسائل الإعلام الغربية بشكل روتيني على الترويج لمقولات معادية السامية والحجج الداعمة ل “إسرائيل” والسياسات الاستيطانية. يحاول الإعلام الغربي باستمرار أن يربط بين سياسات الحكومة الإسرائيلية واليهود عمومًا، وهو ما يجعل من اليهود كبش فداء لعمليات الإبادة الجماعية وجرائم الإمبريالية الأمريكية وحلفائها الصهاينة.
ورغم التزامها المعلن بحماية اليهود في “إسرائيل”، إلا أن الولايات المتحدة لا تهتم سوى بحماية مصالحها وطموحاتها الإمبريالية في “إسرائيل”. ويعمل المستوطنون الإسرائيليون، مثل مناصري تفوق البيض في أمريكا، كبيادق بيد الإمبراطورية الأمريكية.
وبينما يستمر فتيل العنف العنصري الاستيطاني في الاشتعال، فإن الأوان قد حان لفضح الجهود التي يبذلها الإمبرياليون والصهاينة الأمريكيون لإضفاء “وجه يهودي” على مذابحهم وقمعهم للفلسطينيين، وهو ما سيخدم الفلسطينيين واليهود في آخر المطاف.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية