ترجمة حفصة جودة
على أعتاب منزله في القدس الشرقية، انتقد محمد الكرد – كاتب فلسطيني عمره 23 عامًا وبطل للعديد من شباب المنطقة – القمع الإسرائيلي، فقد أشار إلى القنابل الصوتية التي أطلقتها عناصر الشرطة الإسرائيلية في ليلة سابقة.
يواجه الكرد المستوطنين الإسرائيليين الذي يحاولون إجلاءه من منزله بحي الشيخ جراح الذي كان نقطة اشتعال لأعمال العنف في الأسابيع الأخيرة وفي قلب المعارك القضائية منذ سنوات.
قال الكرد في نهاية الشهر الماضي: “في الليلة الماضية رأينا عصابات من المستوطنين الإسرائيليين تهاجمنا نحن وأطفالنا برذاذ الفلفل، وإذا حاولنا الدفاع عن أنفسنا فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي تهاجمنا بقنابل الصوت والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي”.
حددت المحكمة العليا الإسرائيلية موعدًا للاستماع لادعاء المستوطنين الإسرائيليين بامتلاك منزل عائلة الكرد ومنازل 3 عائلات فلسطينية أخرى يوم 2 من أغسطس/آب، يعد الكرد وتوأمه منى جزءًا من الجيل الفلسطيني الجديد الذي تحاكي مطالبه بالعدالة نفس قيم المساواة التي أشعلتها حملات عالمية مثل “Black Lives Matter“.
ينشر التوأم بانتظام عن كفاحهما لإنقاذ منزلهما، إذ يملكان متابعين كثر على وسائل التواصل الاجتماعي، في خطاب حفل تخرجها من الجامعة الذي شاركته على وسائل التواصل الاجتماعي في الأسابيع الأخيرة، دعت منى الفلسطينيين لعدم الصمت إزاء القمع، وقالت: “إننا نعيش في عصر جديد حيث يمكن للفلسطينيين إسماع صوتهم بأنفسهم رغم العقبات ومحاولات منع حرية التعبير”.
هذا الإحساس الجديد بالوحدة الفلسطينية يأتي في وقت يرتفع فيه التضامن الدولي والاهتمام بالقضية التي كانت راكدة ومهمشة في السنوات الأخيرة
انسجم نشاط التوأم في الحياة الواقعية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي مع الحركة الفلسطينية الناشئة التي تزيد من وحدة النشطاء الشباب من الأراضي المحتلة والعرب الذين يعيشون داخل الحدود الإسرائيلية لـ1948 ويحملون الجنسية الإسرائيلية.
فهم عميق لوحدتنا
قال النشطاء إن الحركة الجديدة التي لا قيادة لها ولا رؤية محددة للمستقبل إلا ضمان المساواة والعدالة لكل الفلسطينيين، اكتسبت زخمها بعد حرب غزة في شهر مايو/أيار، حين قتل نحو 250 شخصًا نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية كثير منهم من النساء والأطفال، بينما أطلقت حركة المقاومة المسلحة الفلسطينية حماس آلاف الصورايخ وقتلت 13 شخصًا في “إسرائيل”.
انطلقت احتجاجات ضخمة ضد القصف الإسرائيلي لغزة ليس فقط في الضفة الغربية المحتلة، بل في “مدن إسرائيلية” تضم مواطنين عرب ويهود.
تقول ريا الصانع ناشطة مجتمع مدني وفلسطينية تحمل الجنسية الإسرائيلية: “عملت “إسرائيل” دائمًا على تفتيت الفلسطينيين لصنع أشخاص يعيشون واقعًا يوميًا يختلف عن الآخرين، لكن ما أظهرته الثورة الأخيرة فشل هذه السياسة، لقد رأينا على أرض الواقع فهم عميق لوحدتنا”.
هذا الإحساس الجديد بالوحدة الفلسطينية يأتي في وقت يرتفع فيه التضامن الدولي والاهتمام بالقضية التي كانت راكدة ومهمشة في السنوات الأخيرة، فقد تحدثت النائبة الديمقراطية التقدمية في الكونغرس الأمريكي ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز في أثناء حرب غزة عن الظلم وانتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين، وعن حقهم في البقاء.
اليأس من حل الدولتين
يترسخ غضب الشباب الفلسطيني من المظالم المتزايدة الناتجة عن إذلال الاحتلال وتوسع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة والتمييز ضد العرب داخل “إسرائيل” وخيبة الأمل من القيادة المسنة والاستبدادية الفلسطينية.
تعد المستوطنات في الضفة الغربية وشرق القدس أراضي استولت عليها الدولة اليهودية عام 1967 بشكل غير قانوني من وجهة نظر أغلب دول العالم، لكنها تضم نحو 650 ألف مستوطن وتقطع الضفة الغربية إلى أجزاء، بينما كان الفلسطينيون يأملون أن يقيموا فيها دولتهم المستقبلية.
نتيجة ذلك، يأس الكثير من النشطاء من حل الدولتين الذي لا يزال هدف الدبلوماسية الدولية اسمًا فقط، رغم أن عملية السلام تحتضر منذ سنوات.
تصف الصانع التي تعيش في مدينة حيفا شمال “إسرائيل” رؤيتها الخاصة لدولة واحدة تمتد عبر “إسرائيل” والأراضي المحتلة، وقالت إن ذلك قد يعني نهاية الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي وفك القيود المفروضة على الحركة التي تفسد حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية.
” إننا نريد أن نقضي على الهياكل التي تحكم هذا المكان واستبدالهم بشيء أكثر عدلًا” ريا الصانع
تضيف الصانع: “هذا لا يعني أنه على الإسرائيليين أن يغادروا البلاد، إننا نريد أن نقضي على الهياكل التي تحكم هذا المكان واستبدالهم بشيء أكثر عدلًا، يتضمن ذلك إزالة نقاط التفتيش والجدارن في الضفة الغربية التي تشكل مظاهر مادية للاستعمار وتفكيك المؤسسات التي تؤيد العنصرية”.
بالنسبة للكثيرين فهذه الأمنية غير واقعية في أحسن الأحوال، يقول يهودا شاؤول مؤسس مشارك في مؤسسة “Breaking the Silence” للجنود الإسرائليين المخضرمين الذين يعارضون الاحتلال: “سيحتاج اليهود إلى التخلي عن كامل امتيازاتهم للحصول على دولة ديمقراطية واحدة، لا أرى أن ذلك قد يحدث”.
لسنا متساوين حقًا
في المدن العربية والمدن المختلطة التي تضم يهودًا وعرب داخل “إسرائيل”، كان السخط ناجمًا عن المشاكل التي تتراوح بين ارتفاع معدلات الجريمة إلى القيود المفروضة على المباني الجديدة للعرب بالإضافة إلى الفقر والافتقار لفرص العمل.
يقول أمير طعيمة – 27 عامًا وطالب دراسات عليا من حيفا -: “إنهم يمنحوننا امتيازات أكثر من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لأننا مواطنون هنا، لكننا لسنا متساوين حقًا، فالدولة بأكملها بُنيت على الهيمنة اليهودية، وفقًا للقانون، إذا تزوجت فلسطينية من الضفة الغربية فلا يمكنها الحصول على الجنسية الإسرائيلية أو الانتقال داخل “إسرائيل” معي”.
يقول براء شريم – رجل أعمال 27 عامًا من مدينة أم الفحم العربية – إن الشرطة تُظهر اهتمامًا أقل في معالجة الجرائم التي يكون الطرفان فيها من العرب، فقد أصيب والده – عمدة سابق – بجروح بالغة في قضية إطلاق نار لم يتم حلها في شهر يناير/كانون الثاني، ما أدى إلى اندلاع مظاهرات أسبوعية ضد الشرطة والدولة.
كان لهذه الاضطرابات زخم جديد نتيجة الغضب المشتعل بشأن الصراع الأخير في غزة، يقول شريم: “أعتقد أن ذلك منح جميع الشباب الفلسطيني أملًا، فالعديد من الشباب في جميع أنحاء البلاد يتواصلون معنا ليتعلموا من تجربتنا”.
ازدراء القادة العرب
أثار انفجار الغضب هذا قلقًا في “إسرائيل” حيث إنها تؤكد على التوترات المستمرة داخل الدولة، يتضمن التحالف الإسرائيلي الجديد منصور عباس زعيم حزب “راعم” (القائمة العربية الموحدة) الإسلامي الذي أصبح أول حزب عربي ينضم إلى الحكومة الإسرائيلية منذ عقود.
يقول حزب عباس إنه حصل على وعد بتخصيص 16 مليار دولار لمكافحة الجريمة وتحسين البنية التحتية في المدن العربية، بالإضافة إلى تجميد قرارات هدم المنازل العربية التي بُنيت دون تصريح.
لكن العديد من النشطاء الشباب ينتقدون السياسيين العرب سواء داخل الحكومة الإسرائيلية أم في السلطة الفلسطينية التي تمارس حكمًا محدودًا في الضفة الغربية المحتلة، يقول شريم: “نحن لا نثق في حديث عباس منصور بشأن تحسين الخدمات، لن نبيع هويتنا مقابل المال”.
هناك غضب عميق أيضًا بسبب الفساد والاستبداد في السلطة الفلسطينية التي يترأسها محمود عباس الرئيس الفلسطيني المسن الذي انتهت ولايته في 2009، كما أنه أجلّ الانتخابات البرلمانية التي تأخرت كثيرًا حتى أبريل/نيسان.
يقول طعيمة: “السلطة الفلسطينية شكل آخر من الاحتلال، إنها تقف في طريق التحرير، إنها تقمع حتى المظاهرات في الضفة الغربية التي تعد أهم ما يمكن أن يقوم به الناس ضد الاحتلال”.
في الأسابيع الأخيرة توفي نزار بنات الناشط الفلسطيني الذي انتقد السلطة الفلسطينية وقادتها بشكل صريح، بعد ساعات من اعتقال قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية له وضربه بهراوات حديدية وفقًا لعائلته.
طالبت الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بالتحقيق في الحادث، تقول ديانا بوتو محامية فلسطينية: “لقد انتهت السلطة الفلسطينية، إنها تموت موتًا بطيئًا لأنهم ما عادوا يملكون أي شرعية”.
أريد أن أرى مظاهرات في كل مدن العالم
بينما قالت بوتو إنها متحمسة نتيجة حركة الشباب الناشئة، إلا أنها أكدت ضرورة وجود تنظيم أفضل وقيادة واضحة، وتضيف “العاطفة موحدة بالطبع، لكن العمل لا يزال محليًا”.
والآن يركز الشباب جهودهم على مبادرات مثل حملة مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وتعزيز التجارة الفلسطينية، يقول فادي قرعان – رائد أعمال فلسطيني في مدينة رام الله بالضفة الغربية -: “هناك حذر من تطوير تسلسل هرمي لقيادة تقليدية، سيكتسب القادة الجدد شرعيتهم من المبادرات على الأرض”.
لم يستسلم آل الكرد الذين نجحوا بالفعل في جذب انتباه العالم، في الأسابيع الأخيرة على تويتر غرد محمد الكرد قائلًا: “أريد أن أرى مظاهرات في كل مدينة في جميع أنحاء العالم”.
المصدر: فاينانشيال تايمز