ربما من الإنصاف أن نقول إن أكثر ما يخيف النساء من التقدُّم في السن هو فُقدان القوة والصحة والقدرة على الاعتماد على النفس، ثم التحول إلى إنسان عاجز يحتاج إلى الآخرين.
يبدو الأمر مرعبًا حقًّا، خاصة عندما نكون متأكدين من أن تلك الخدمات الدائمة التي سنحتاجها عندما نكبر بينما تضعف قوتنا، لن تكون حدثًا سعيدًا أبدًا في برنامج أحدهم اليومي، حتى لو كان أقرب الناس إلى قلبك، وأكثر من قدّمت لهم وقتك وجهدك ومالك وعمرك.
ومن المؤسف أننا رغم كل القِصَص المأساوية التي نشهدها يوميًّا لكبار السن، لا نزال نتجاهل حاجتنا إلى العمل على هذه المسألة منذ بدايات الشباب، إن لم يكن قبله حتى.
أمر لا مفرّ منه
يشبه أسلوب تعامل البشر مع التقدُّم في السن تعاملهم مع الموت:
– نتجاهل أنه قادم لا محالة.
– نتناساه منشغلين بأمور أخرى قد تبدو مستعجلة وأكثر أهمية.
– ثم نتفاجأ بوصوله.
– ونبدأ رحلة الشكوى والألم والندم أيضًا.
ولهذا نحن مطالبون بأن:
– لا ننسى ونتجاهل أعمارنا البيولوجية.
– وأن نعمل بشكل مستمرّ وفعّال على تأخير الانهيار.
النتائج لن تظهر بسرعة أبدًا
عامل الوقت من الأمور التي تساعد الكثيرين على تجاهُل أعمارهم البيولوجية، فلا نتائج آنية تظهر أبدًا لكل ما نقوم به من عناية واهتمام منا بأجسادنا وصحتنا، بل هي مسيرة طويلة جدًّا تظهر الفروق فيها بين الفريقَين بعد عقود، فنجد الفرق يزداد وضوحًا بعد تجاوز سن الـ 45 على الأغلب.
لا بدّ من هِمّة حقيقية ووعي وطول صبر، وعدم انتظار النتائج أبدًا كونها ستظهر بجلاء في سنٍّ متقدمة، لكنها ستكون في ذلك الوقت أكبر من كل ثرواتنا.
المشكلة الحقيقية هنا أن رحلة العودة للاهتمام بعد أن نكبر، تحتاج أيضًا عقودًا من السنوات لتظهر آثارها، ما يعني إمكانية أن يحبَط المرء ويتوقف، وأن يعود لسابق عهده من الإهمال حتى لو رأى الفرق واضحًا.
وهنا لا بدّ من هِمّة حقيقية ووعي وطول صبر، وعدم انتظار النتائج أبدًا كونها ستظهر بجلاء في سنٍّ متقدمة، لكنها ستكون في ذلك الوقت أكبر من كل ثرواتنا، وأكبر مسبِّب للسعادة والطمأنينة في حياتنا المستقبلية.
خطوات معروفة
يشبه هذا تقريبًا دخولنا إلى الامتحان ونحن نمتلك الإجابات كاملة، فلا سرّ هنا عن كيفية الحفاظ على صحة أجسادنا وأعمارنا البيولوجية، ويتم تكرارها في كل مقال أو دراسة أو بحث يقدِّم الإرشادات لمن يبحث عنها، ومنها:
- الروح أولًا
ممّا لا شك فيه أن المشكلات الحياتية والضغوط النفسية والهموم والأحزان لها أكبر الأثر على الجسد، وهي العوامل الأكبر في نقص المناعة المقاوِمة للأمراض، وبالتالي أثرها على الجسد والقدرات العقلية كبير جدًّا، ومن المنطق ألّا نترك لها حرية التجول في دواخلنا ونكافح لإخراجها من حياتنا، وهو أمر يتحقّق بـ:
- الإيمان والرضا والتسليم لله عز وجل أولًا.
- ألّا نصبر على العلاقات المؤذية.
- ألّا نهمل مساحتنا الخاصة بالترفيه والترويح.
- أن نتعلم كيف نعيش اللَّحظة فلا نندم على الماضي، ولا نقلق من أجل المستقبل.
- أن نتعلم كيف نسامح أنفسنا ونتجاوز الأخطاء والفشل وكل ما تسبّبت به اختياراتنا من آلام، ونبدأ بالنظر إلى الحلول فقط.
- لا بديل عن الطعام الصحي
إن أسوأ نتيجة من نتائج الثورة الصناعية أنها قدّمت للعالم طعامًا رخيصًا سهل التحضير نسبيًّا، كبديل عن الطعام الصحي التقليدي الذي يقوم ببناء أجسامنا القوية بالفعل.
الآثار المترتِّبة عن تناول الأطعمة الضارّة، لن تتمهل طويلًا لتظهر للعلن، فهي تأتي أولًا على شكل سُمنة وترهُّل وتعب وإرهاق، ومن ثم تبدأ الشيخوخة بطرق أبوابنا سريعًا حيث الانهيار لا محالة.
ولم يعد خافيًا على أحد الأساليب والموادّ المصنَّعة والخطيرة، التي تُستخدم عادةً من قبل الشركات الكبرى للحصول على الطعام الرخيص واللذيذ وسهل التحضير.
والغريب أنه ما زال يوجد من تصدمه المعلومات والصور والتوثيقات التي تثبت ما يحصل في جميع مراكز تصنيع الأغذية، بدءًا بالتسميد، ثم أساليب التصنيع، والمواد المضافة، عدا عن الأساليب التي تتّبع لزيادة إنتاج الشركات من منتجات الحيوانات أيضًا، كالبيض والحليب واللُّحوم.
وأفضل طريقة للنأي بأنفسنا هو أن نشكّل وعيًا لا يتزعزع بالقراءة والبحث أولًا، ومن ثم نكون حازمين مع أنفسنا، فنقف بصمود في مواجهة كل طعام يضرُّ بأجسادنا، وأن نعود مباشرة لبرامجنا الصحية عندما نتخلى عنها ونضعف أمام الأكلات اللذيذة التي تملأ الأماكن والبيوت.
- الحركة ما أمكن
غالبًا ما تشعر النساء بأنهنّ لم يعدن يمتلكن القوة اللازمة لتأدية ما عليهن من واجبات، عندما يغادر الأولاد المنزل بعد مدة من الاعتماد عليهم في الكثير من الأعمال المنزلية.
حيث تمرّ فترة من حياة العائلات، يكون فيها الأولاد والبنات في مرحلة المراهقة والشباب، وهنا تقوم الأم بالاعتماد عليهم في تأدية الأعمال المنزلية (كنوع من التدريب لأنهم يحتاجون هذا التعلُّم، ويمتلكون الوقت الكافي).
وفي هذه الفترة تحديدًا تبدأ أجساد الأمهات بالتراجع، ويدبّ فيها الهرم، إلا من حافظت على مستوى من النشاط لا يمنعها عنه وجود مساعدين لها من الأولاد أو حتى الخدم، أو من كانت تمتلك برنامجًا رياضيًّا معيّنًا، أو تهوى المشي والحركة، فهؤلاء فقط من ينجُونَ ويحافظن على أجسادهنّ قوية لفترة أطول.
- دوام التواصل مع الطبيعة
تشغلنا الحياة طويلًا عن حاجات أجسادنا وأرواحنا الحقيقية، وتجدنا نكتفي بأيام معدودة في العطلة الصيفية للتواجد في أحضان الطبيعة، وتحت أشعّة الشمس اللطيفة، تحديدًا للحصول على فيتامين د أولًا، وهو العامل الأهم لاكتساب هيكل عظمي قوي وصلب وقامة ممشوقة، كما أنه عامل جدّ مهم في الحفاظ على التوازن النفسي أيضًا.
- الجمال والأناقة
تعدّ الاناقة، والتي تتضمّن النظافة الشخصية الفائقة، مع تنسيق ملائم للملابس، بديلًا كافيًا جدًّا عن جمال الشباب الزائل لا محالة، والأناقة تتطلب منا كنساء أن:
- نكون على دراية واطِّلاع بما يُطرح في الأسواق من أدوات ومستحضرات وموضات لا غنى لنا عن معرفتها واختيار ما يناسبنا منها.
- أن نخصِّص لأنفسنا ميزانية لا نتهاون فيها أبدًا مهما غلبتنا الظروف، فنحافظ ما أمكن على خزانة لائقة ومستحضرات متجدِّدة مناسبة تعيننا على الحفاظ على ما نملكه من جمال وإبرازه.
- الاستمرار والتنظيم، بمعنى أن تكون عنايتنا بأنفسنا مستمرّة ودورية ننظّم فيها كل ما نحتاجه، كأن يكون هناك يوم للعناية بالأظافر، ويوم للشعر، ويوم للتقشير، وأن تكون هناك مواعيد للزيوت الطبيعية، وللماسكات، والخلطات، ونزع الشعر، وترتيب الحواجب، وهكذا لا نجد أننا بحاجة إلى جهد كبير للوصول إلى المثالية التي نرضاها أبدًا.
- مساعدة الآخرين
أي ما يمكننا وصفه بالتصدُّق عن أنفسنا وما تعلّمناه وما نملكه، وهذا من أكبر أسباب السعادة والبركة التي تحيط بالإنسان وتحفظه، فنقدِّم كل ما يمكننا دون أن نرهق أنفسنا طبعًا، فنمنح العلم للآخرين والخبرات ونستمع إلى المشكلات ولا نبخل بما يمكننا فعله حيالها.
أخيرًا
أن تولد جميلًا وقويًّا فهذا أشبه بمن ربح ورقة اليانصيب.
ليس المهم هو أن نكون بكامل لياقتنا وجمالنا في سنِّ العشرين أو الثلاثين، هذا أمر عادي تقريبًا، يستطيعه كل من امتلك بشرة جميلة وجسدًا متناسقًا وبعض أدوات التجميل والملابس وعدم الإصابة بالأمراض.
المهم حقًّا هو ليس أن يحافظ من ربحَ اليانصيب على المال فقط، بل أن يستثمره ويطوِّره.
الشباب ثروة، الجمال واللياقة ثروة، الصحة ثروة، العقل المعتاد على التعلُّم والتفكير ثروة، كلها أمور يعتبر الحصول عليها ثروة، والذكي من يقدّر قيمتها قبل أن يفقدها.نحن أغنى ممّا نتصور فقط عندما نحافظ على ما نملكه. فلنبدأ الآن.