ترجمة وتحرير: نون بوست
يعدّ فيروس كوفيدـ19 مرضا ينتقل عن طريق الهواء بشكل رئيسي. فهل يخدم التطهير اللانهائي وتعقيم الأيدي أي غرض أم أنه يمكن أن يكون أسوأ من كونه عديم الفائدة؟
تشعر كلوديا، عاملة التجميل البالغة من العمر 26 سنة، بالتوتر عندما يطلب زبائنها الذهاب إلى المرحاض. في هذا الإطار، قالت كلوديا إن “التنظيف يعدّ شيئا آخر تماما. كان بإمكانهم لمس أي شيء هناك. لا بد لي من مسح كل شيء باستخدام بخاخ ومناديل مضادة للبكتيريا”.
تتمثل وظيفتها في الحفاظ على بروتوكولات التنظيف الصارمة في عيادة لندن للعناية بالبشرة التي تعمل فيها. وعندما يصل الزبائن في مواعيدهم، تقوم كلوديا بتسجيل وصولهم وتقدم لهم مشروبا، لا تستخدم العيادة سوى أكوابا يمكن التخلص منها أو زجاجات مياه بلاستيكية، وتنقلهم إلى غرفة العلاج. بمجرد أن تقوم زميلتها بإجراء العلاج، تبدأ كلوديا في تنظيف كل سطح يمكن أن يلمسه الزبون بدقة.
بعد مغادرة الزبون، تُنظّف كلوديا غرفة العلاج وتستبدل جميع المناشف قبل مسح موزّع المضخّة الموجود في جل اليد المضاد للبكتيريا الذي يستخدمه الزوار عند الوصول. بعد ذلك، عندما يصل زبون جديد، تبدأ العملية مرة أخرى. في هذا الصدد، صرّحت كلوديا قائلة: “كان لدي عدد قليل من الزبائن يقولون إنهم يشعرون بالأمان حقا هنا، لأنهم يعلمون أننا حقا حريصون وحذرون بشأن تعقيم كل شيء”. في المقابل، يتمثّل الغريب في الأمر في عدم تنفيذ الإجراء الوحيد الذي من شأنه أن يساهم بشكل أكبر في سلامة الزبائن والعاملين في عيادة كلوديا، ألا وهي التهوية.
يُعتبر فيروس كوفيدـ19 مرضا ينتقل عن طريق الهواء بشكل أساسي عن طريق الرذاذ التنفسي والهباء الجوي الذي يمكن أن يبقى في الهواء لعدة دقائق بعد مغادرة الشخص المصاب للغرفة، ويقطع مسافة متر. وتتمثّل الطريقة الأكثر فعالية في التقليل من مخاطر انتقال فيروس كوفيد في الأماكن الداخلية في فتح أكبر عدد ممكن من النوافذ والأبواب واستخدام القناع. ولكن على الرغم من فتح نافذة في الجزء الخلفي من العيادة، إلا أن الباب الأمامي مغلق. في هذا الصدد، أفادت كلوديا قائلة: “لا يمكننا فتح الباب في المقدمة نظرا لأننا على الطريق الرئيسي. إنه إجراء أمني أكثر من أي شيء آخر. يمكن لشخص ما أن يدخل مباشرة… وربما لا تكون العيادة ذات تهوية جيدة كما نرغب”.
يُسمّى ما تقوم به كلوديا نيابة عن الزبائن الذين يترددون على عيادتها للعناية بالبشرة “بمسرح النظافة”. لقد وقع الكاتب الأطلسي، ديريك طومسون، صياغة هذا المصطلح لأول مرة في مقاله الذي نُشر في تموز/يوليو سنة 2020، حيث عرّف مسرح النظافة على أنه بروتوكولات أمان ضد فيروس كوفيد “التي تجعلنا نشعر بالأمان، ولكن لا تفعل الكثير لتقليل المخاطر حتى مع السماح بتواصل الأنشطة الأكثر خطورة”.
يتجسّد مسرح النظافة في أقنعة الوجه البلاستيكية التي لا تحمي مرتديها من استنشاق الهواء الملوث أو نقل العدوى إلى الأشخاص من حولهم؛ وفي أدوات المائدة للاستخدام الواحد وقوائم الطعام التي يمكن التخلص منها في المطاعم والحواجز الحامية بين الطاولات؛ وفي الموظفين الذي ينظفون نقاط اللمس المشتركة في الحانات بشكل دقيق بينما تقوم مجموعات لا ترتدي أقنعة الوجه بترديد أغاني كرة القدم بصوت عالي.
يتجسد مسرح النظافة في مسؤولين يرتدون بذلات واقية من المواد الخطرة ويرشون شوارع بأكملها بالمطهرات؛ وفي الصالات الرياضية التي تطلب من الناس مسح كل قطعة من المعدات التي يلمسونها، لكن لا تجعلهم يرتدون أقنعة؛ وفي إزالتك لصندوق بريدك من الباب الأمامي ومسح البقالة بالمبيض. وتعكس جميع هذه الأفعال حسن النية، ولكنها في الغالب غير فعالة، حيث تجعلنا نشعر بالأمان ولكنها لا تحمينا من التهديد الذي يشكله فيروس كوفيدـ19.
بينما تتجه إنجلترا نحو إزالة جميع القيود الخاصة بفيروس كوفيد تقريبا في 19 تموز/يوليو، مع إمكانية أن تتبعها الدول الأخرى، وإن كان ذلك بوتيرة أكثر حذرا، يقع الترويج لشعار المسؤولية الشخصية من قبل الحكومة. بالإضافة إلى ذلك، لن يكون ارتداء الأقنعة إجباريا، وسيقع إلغاء التباعد الاجتماعي. بالإضافة إلى ذلك، لن تكون الشركات مُلزمة بزيادة التهوية في مبانيها.
في المقابل، ستتزايد الإصابات بشكل كبير، ولم يتلقّ سوى ما يزيد قليلا عن نصف إجمالي سكان المملكة المتحدة جرعتين من اللقاح. من الآن فصاعدا، سيكون للقرارات الفردية التي نتخذها بشأن كيفية البقاء آمنين في الأماكن العامة عواقب وخيمة في العالم الحقيقي. مع دخولنا الموجة الثالثة من جائحة كوفيدـ19، فإننا نسارع نحو مرحلة جديدة خطيرة يمكن أن يتسبب فيها مسرح النظافة بأضرار أكبر مما أحدثه.
يرتكز مسرح النظافة على مفهوم أنشأه الخبير الأمني، بروس شناير، في كتابه الذي أصدره سنة 2003، والذي يحمل عنوان “ما وراء الخوف”. وصاغ شناير مصطلح “مسرح الأمن” لوصف إجراءات السلامة المطبقة في المطارات بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية، مثل حظر مقصات الأظافر وولاعات السجائر. في الواقع، كانت هذه الإجراءات غير مجدية: تمثيلية معقدة لطمأنة الركاب المتوترين بدلا من أي شيء قائم على الواقع. كما أنها أتت بتكلفة باهظة على دافعي الضرائب، فقد أنفقت الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار على أمن الطيران منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر.
يوافق شناير على أن فيروس كوفيدـ19 وعد بعصر من مسرح النظافة. في هذا الصدد، قال شناير: “مثل مسرح الأمن، يأتي مسرح النظافة من التحليل السيء للمخاطر في الحقيقة من الجهل”. وأضاف شناير أنه مع بداية الوباء، كان ذلك أمرا مفهوما، “فلا أحد يعرف شيئا. لقد كنا مرتبكين جميعا بشأن الإجراءات الصحيحة التي يجب القيام بها. ولم نكن نعرف شيئا بشكل قاطع”.
وفقا لمركز السيطرة على الأمراض، تعدّ فرصة الإصابة بفيروس كوفيدـ19 من سطح ملوّث أقل من فرصة من أصل 10 آلاف فرصة.
في تلك الأيام المليئة بالخوف في شباط/فبراير وآذار/مارس سنة 2020، اعتقد العديد من الخبراء وسلطات الرعاية الصحية أن فيروس كوفيدـ19 ينتقل بشكل أساسي من خلال الرذاذ، من خلال اللمس المباشر، مثل المصافحة أو السعال من قبل شخص مصاب أو لمس شيء لمسه المريض مؤخرا. وأخبر الأكاديميون عامة الناس بعدم ارتداء الأقنعة نظرا لأن الفيروس لم يكن محمولا في الهواء. لذلك، ستكون الأقنعة بلا جدوى.
يُعتبر ذلك السبب في أن جميع رسائل الصحة العامة منذ ذلك الوقت كانت تدور حول تقليل الاتصال المباشر. لقد كررنا قول “الأيدي والوجه والتباعد” مثل تعويذة سحرية، بينما كنا نتسوق في المحلات دون أقنعة للوجه ونتوقف مؤقتا في ممرات سيئة التهوية لتعقيم أيدينا. (لم يقع فرض الأقنعة في وسائل النقل العام والمستشفيات في إنجلترا حتى 15 حزيران/يونيو، وفي المتاجر اعتبارا من 24 تموز/ يوليو). وذكَّر وزراء مجلس الوزراء في المؤتمرات الصحفية اليومية المتعلقة بفيروس كورونا الجمهور باستمرار بغسل أيديهم.
في المقابل، لم يكن هناك أي اعتراف بمخاطر انتقال فيروس كوفيدـ19 جوّا. في شأن ذي صلة، قالت الدكتورة، كريستين بيترز، استشارية علم الأحياء الدقيقة وعالمة الفيروسات في صندوق هيئة الخدمات الصحية الوطنية في غلاسكو إن “نظافة اليدين تعدّ من الأساسيات. لقد ظهرت هذه الرسالة في وقت مبكر جدا، وأصبح هذا هو الشغل الشاغل للجمهور والسياسيين. في المقابل، كان ذلك على حساب الرسالة المهمة الأخرى، وهي: فكر في الهواء”.
لم تقرّ منظمة الصحة العالمية بخطر الانتقال الجوي للفيروس حتى تموز/ يوليو 2020. ففي الولايات المتحدة، أقرّت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بأن انتقال فيروس كوفيد- 19 عن طريق اللمس “لا يُعتقد أنه الطريقة الرئيسية لانتشار الفيروس” في أيار/مايو 2020، وقامت بتحديث إرشاداتها لتشمل الانتقال المحمول جوّا في تشرين الأول/أكتوبر سنة 2020. وأقرّت حكومة المملكة المتحدة لأول مرة بخطر انتقال فيروس كوفيدـ19 جوا في حوالي تشرين الثاني/نوفمبر 2020، لكنها لم تنشر إرشادات حول التهوية في الأماكن الداخلية إلا في آذار/مارس سنة 2021، أي بعد أكثر من سنة منذ أن ضرب الوباء لأول مرة شواطئ المملكة المتحدة.
وفقا لمركز السيطرة على الأمراض، تعدّ فرصة الإصابة بفيروس كوفيدـ19 من سطح ملوّث واحد أقل من واحد على 10 آلاف فرصة. مع ذلك، مازلنا مهووسين بانتقال فيروس كوفيدـ19 عن طريق اللمس، كما يفعل قادتنا المنتخبون. في حزيران/يونيو، وقع تصوير بوريس جونسون وهو يرتدي قفازات ويمسح كرسيا بلاستيكيا، في مؤشر مقلق على افتقار رئيس الوزراء إلى الفهم. وعندما اجتمعت مجموعة السبع في كورنوال، بثّت كاميرات الأخبار لقطات لموظفي الفندق وهم يمسحون الدرابزين خارج الفندق الذي يستضيف القمة، في مظهر من مظاهر مسرح النظافة رفيع المستوى.
في المؤتمر الصحفي الحكومي الذي أُعلن فيه عن تخفيف القيود في الخامس من شهر حزيران/ يوليو، تحدث كبير المسؤولين الطبيين، كريس ويتي، عن غسل اليدين، ولكن لم يتحدث عن التهوية. وقال مساعد الحكومة السابق، دومينيك كامينغز، مستدركا خلال ظهوره في اللجنة الماراثونية المختارة في شهر أيار/ مايو، إن “إحدى المشاكل التي واجهتنا منذ البداية، والتي كانت حرجة في ذلك الوقت ومازالت في الواقع حرجة، هي أن كبار المسؤولين لم يفهموا جيدا بما فيه الكفاية مشكلة أن الفيروس ينتقل عبر الهواء”.
كيف نفسر سوء الفهم المستمر هذا؟ قال الدكتور، إيمانويل جولدمان، عالم الأحياء الدقيقة بجامعة روتجرز، إن “شكسبير تحدث عن ذلك بوضوح. وما يتم القيام به لا يمكن التراجع عنه. فقد كان هناك انشغال كبير بكيفية انتقال العدوى في بداية الوباء. ولا تزال هذه المسألة عالقة”. في الواقع، كان جولدمان قياديا يتحدّى مسرح النظافة طوال فترة الوباء.
في شهر حزيران/ يوليو سنة 2020، كتب جولدمان تعليقا لاذعا على مجلة “ذا لانسيت” للأمراض المعدية، يطرح فيه تساؤلات حول الحكمة المُسلّم بها آنذاك والتي تفيد بأن كوفيد-19 يمكن أن ينتقل عن طريق الأسطح التي تحمل العدوى. ويشرح قائلا: “عندما بدأ الوباء، كانت حماتي، التي تعيش معنا، تقول إننا بحاجة إلى غسل البقالة وتطهير البريد. وبصفتي عالما، بدا لي الأمر مبالغا فيه. كنتيجة لذلك، قرّرت النظر في الدراسات السابقة. وعندما قمت بذلك، شعرت بالفزع عندما علمت أن أساس تلك الدراسات كان ضعيفا للغاية”.
منذ ذلك الحين، شنّ جولدمان حملة من أجل وضع حد لمسرح النظافة الصحي، ونشر في المجلات الطبية ومراجعة الأدبيات الأكاديمية حول انتقال العدوى. وفي هذا السياق، قال جولدمان إن “المعركة مستمرة”، كما أخبرني أن منظمة الصحة العالمية لا تزال تشدد بشكل مبالغ فيه على خطر انتقال عدوى فيروس كوفيد-19 من على الأسطح الملوثة.
في المملكة المتحدة، لعبت حملة “الهواء النقي” دورا مماثلا، التي تديرها مجموعة من العاملين في هيئة الخدمات الصحية الوطنية في الخطوط الأمامية والذين يطالبون بمزيد من الاعتراف بمخاطر انتقال عدوى فيروس كوفيد عن طريق الهواء في المرافق التابعة للمستشفيات، وتوفير أقنعة أفضل لموظفي هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
قد يجادل الكثيرون بأن مسرح النظافة حميد، حيث أصبحت المراحيض العامة أنظف مما كانت عليه في أي وقت مضى. وقال الدكتور، إيلير هيوز، قائد حملة “الهواء النقي” في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، إنه “من بين الآثار التي خلّفها الوباء هو زيادة مستويات النظافة العامة”. وأضاف شناير قائلا: “لا أحب المسرح الأمني عندما يكون مكلفا، حيث تجعل الحكومة دافعي الضرائب يدفعون ثمنه. ولكن إذا كان هناك أشخاص يعقمون البقالة نظرا لأن ذلك يُشعرهم بتحسن، فيتعين عليك الذهاب إلى المدينة”. كما أن بيترز متفائلة بشأن بروتوكولات التنظيف في أماكن الرعاية الصحية على وجه الخصوص، حيث تقول إن “محاولة الحفاظ على بيئة نظيفة داخل المستشفى أمرا عادلا بما فيه الكفاية”.
في المقابل، يمكن لمسرح النظافة أن يمنح الناس شعورا زائفا بالأمان. وصرّح هيوز قائلا: “أُشيح ناظري عندما أرى الناس يتجوّلون مرتدين الأقنعة الشفافة. وإنه لأمر مؤسف”. فقد شهدت المطاعم تفشي لفيروس كوفيد حيث استخدم العمال أقنعة بلاستيكية فقط، بدلا من أقنعة الوجه. (وبعد حدوث انتشار مماثل في أحد الفنادق السويسرية، حذر مسؤولو الصحة المحليون الناس من ارتداء هذا النوع من أقنعة الوجه بتعلة أنها “تمنح الناس هذا الشعور بالاختباء خلف ستارة غير مرئية”.
“لقد رأيت الكثير من الأشخاص الذين أصيبوا بالفعل بالتهاب جلد شديد بسبب هذا الهوس بنظافة اليدين”.
يمكن أن يكون مسرح النظافة خطيرا بشكل نشط لأنه يمنع الأشخاص من اتخاذ قرارات مدروسة حول مستويات المخاطر التي هم على استعداد لقبولها في حياتهم. وأفادت بيترز قائلة إن “إحساسك بالأمان يجب أن يكون قائما على أساس علمي. ويمكن للناس أن يتخذوا قراراتهم الخاصة حول المخاطر التي هم على استعداد لتحملها. في المقابل، يكمن الحل في أن يفهم الناس كيفية انتشار فيروس كوفيد”. كما أنها تخشى أن يؤدي مسرح النظافة إلى امتناع الناس عن اتخاذ التدابير المخففة التي من شأنها في الواقع تقليل المخاطر، على غرار فتح النوافذ أو الاستثمار في أجهزة تنقية الهواء عالية الكفاءة.
بالإضافة إلى ذلك، أفادت بيترز أنه “يتعيّن على الناس في المطعم الجلوس في أماكن مفتوحة، بدلا من النظر إلى عدد معقمات الأيدي الموجودة على الطاولة”. وفي ظل احتمال توقف جميع القيود المفروضة على الاتصال الداخلي في إنجلترا في 19 حزيران/ يوليو، سيكون التقييم الصحيح لمستوى المخاطر في أي مكان أمرا بالغ الأهمية. وعموما، لقد حان الوقت للتخلص أخيرا من مسرح النظافة.
علاوة على ذلك، تعدّ كل تلك المناديل المضادة للبكتيريا والمواد البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد مدمّرة للبيئة. وصرّحت كلوديا قائلة “إنها النفايات التي نخلقها والتي أجدها مزعجة أكثر من أي شيء آخر”. في المقابل، أورد جولدمان أن المؤسسات العامة تنفق مبالغ طائلة على المطهرات والمنظفات. ولمدة سنة، كان مترو الأنفاق بنيويورك يغلق كل ليلة للتنظيف العميق. وقد كلف ذلك مئات الآلاف من الدولارات. وليس من السهل الحصول على المال للمؤسسات العامة”.
ركّبت هيئة النقل بلندن أكثر من 200 جهاز تعقيم بالأشعة فوق البنفسجية على 110 مصعد متحرك في مترو أنفاق لندن، حتى في ظل حاجة هيئة النقل لتوفير 900 مليون جنيه إسترليني من المدخرات أو الإيرادات الجديدة خلال السنة المقبلة. وقد حقّق بائعو المطهرات والمناديل المضادة للبكتيريا ومنتجات التنظيف أرباحا قياسية: سجّل مصنعو سائل مطهر “ديتول” و”لايسول” أعلى نمو في مبيعاتهم على الإطلاق في سنة 2020، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الوباء.
في هذا الصدد، قال هيوز، وهو طبيب عام ممارس، “لقد رأيت الكثير من الأشخاص الذين يعانون حقا من التهاب الجلد الشديد وتهيج الجلد بسبب هذا الهوس بنظافة اليدين. وبالنسبة للأشخاص المعرضين لاضطراب الوسواس القهري، خاصة فيما يتعلق بالنظافة، فقد كان الأمر مدمرا تماما لهم”. أما بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من الحساسية الكيميائية المتعددة، كانت حساسيّتهم الشديدة تجاه المنتجات المعطرة، على غرار المطهرات أو الصابون أو المنظفات، بمثابة كابوس لمسرح النظافة الصحية لوباء كوفيد-19.
تطلق آنا ميرسون، طبيبة أسنان تبلغ من العمر 59 سنة من مقاطعة ويستتشستر بنسلفانيا، تنهيدات وتقول “إنه أمر لا يطاق”. والجدير بالذكر أنه وقع تشخيص إصابة ميرسون بمرض الحساسية الكيميائية المتعددة لأول مرة سنة 2016، وكانت حبيسة المنزل لسنوات. وقالت ميرسون إن “هناك مكان واحد فقط يمكنني فيه ت ناول الطعام، وقد استغرقني الأمر سنوات لأجعلهم يتوقفون عن استخدام معطرات الجو”. في المقابل، أدى الوباء إلى تفاقم حالتها الصحية. وقبل ذلك، كان بإمكان زوجها التسوق لشراء الطعام دون وقوع أيّة حوادث.
من جانبها، قالت ميرسون “إنه في ظل تفشي فيروس كوفيد-19، أصبحا يقومان بتعقيم وتطهير كل شيء، حيث يشمل ذلك ملابس زوجي، وهو ما كان يجعلني مريضة. قبل تفشي الوباء، عندما كان يعود من المتجر، كانت الأمور على ما يرام. في الوقت الراهن، أصبح مجبرا على الاستحمام. إنهم يقتلونني بكل هذه المواد الكيميائية”. لهذا السبب، يُعتبر ميرسون بحاجة ماسة إلى توقف مسرح النظافة.
كيف نفسّر هذا الارتباط المربك بمسرح النظافة عندما نعلم أنه لا يحافظ على سلامتنا على نحو قابل للقياس، ويأتي بتكلفة باهظة ويمكن أن يكون ضارا لبعض الأشخاص؟ في هذا السياق، قال شناير إن “الناس يستمرون في مواكبة مسرح النظافة نظرا لأنها توفّر التهدئة الذاتية إلى حد كبير. وهكذا أشعر بتحسن”. وقالت كلوديا إنه “على الرغم من أنني أُدرك أن تعقيم كل شيء لا يحدث فرقا، إلا أنه نوعا ما يجعلك تشعر بالأمان. وفي حين أن الأمر غير منطقي تماما فإنه يوفر الطمأنينة”.
ربما يكون مسرح النظافة في جوهره استجابة حتمية لأسوأ أزمة صحية عامة منذ قرن. وعندما تخرج الأحداث عن السيطرة، يستجيب البشر بالطريقة الوحيدة التي يعرفونها: من خلال محاولة فرض النظام على الفوضى واستخدام مسحة واحدة من سائل مطهر “ديتول”.
المصدر: الغارديان