مجددًا وبالأغلبية، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدعو إلى رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على كوبا.
هذا التصويت الذي يأتي للسنة الـ 23 على التوالي، بهدف رفع الحصار الاقتصادي المفروض ضد كوبا قبل أكثر من نصف قرن، ويعد القرار الأممي الناتج عنه غير ملزم.
وصوت لصالح القرار ممثلو 188 دولة، فيما اعترضت دولتان على القرار، هما الولايات المتحدة وإسرائيل، وامتنعت 3 دول أخرى عن التصويت.
ونقلت وسائل إعلام عن وزير خارجية كوبا “برونو إدواردو رودريغيز باريا” في كلمته أمام الجمعية العامة، قوله إن “الأضرار الإنسانية التي تسبب بها الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا لا يمكن حساب آثاره المدمرة، كما أنه يشكل انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان”.
وأضاف رودريغيز أن “الأضرار الاقتصادية المتراكمة على مدى نصف قرن نتيجة الحصار الأمريكي المفروض على كوبا تصل قيمتها إلى تريليون و126 مليار دولار”، مشيرًا إلى أن “الحصار شدد بشكل أكبر في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما وخاصة في القطاع المالي”، حسب قوله.
والدول التي انضمت إلى كوبا في مهاجمة الحظر الأمريكي هي “إثيوبيا بالإنابة عن الدول الأفريقية” و”إيران بالإنابة عن حركة عدم الانحياز التي تضم 120 دولة”، و”الهند والمكسيك والصين والإكوادور وروسيا وبوليفيا وإندونيسيا”، ووصف مندوب نيكاراجوا الحصار بأنه غير إنساني وإجرامي.
وفي معرض موقف موسكو الداعي لرفع الحصار، وصف مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة “فيتالي تشوركين” هذا الحصار بـ”المخالف للقانون الدولي”.
وأكد تشوركين، في كلمة له أمام الجمعية العامة أن روسيا تدعو إلى “التخلي عن أي ضغوط سياسية وعسكرية على دول ذات سيادة على اعتبار أنها تؤدي إلى تكريس نزعات الصراع في العلاقات الدولية”، مشيرًا إلى أن “تبعات الحصار الاقتصادي والتجاري الذي فرضته واشنطن ضد كوبا عام 1961 تنعكس سلبيًا على الوضع الاقتصادي لهذه البلاد”، بحسب روسيا اليوم.
وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية فرض حصارها الاقتصادي والمالي على كوبا منذ 22 أكتوبر 1962، بهدف إزاحة حكومة الرئيس السابق “فيدل كاسترو” الاشتراكية، والتي رأت فيها واشنطن تهديدًا كبيرًا لمصالحها في المنطقة.
وفي أعقاب قطع العلاقات الدبلوماسية، تحركت واشنطن إلى فرض قيود على عدد الصادرات الكوبية إلى السوق الأمريكية في عام 1962؛ ما وجه لطمة شديدة للاقتصاد الكوبي، ومنذ نهاية الحرب الباردة، واصلت الولايات المتحدة انتهاج سياسة عزل كوبا اقتصاديًا وسياسيًا.
وفي مايو 1995، خفت حدة توتر العلاقات بين البلدين، حيث وقعتا مرة أخرى اتفاقية متعلقة بالهجرة كان قد تم التوصل إليها في سبتمبر 1994.
إلا أن حدة التوتر تفاقمت مرة أخرى بعدما أسقطت كوبا طائرتين في الولايات المتحدة في فبراير 1996، وردًا على هذا، سن البيت الأبيض قانون “هلمز – بورتن” في مارس لتشديد الحصار الاقتصادي على كوبا.
وفي مايو 2004، أعلن الرئيس الأمريكي السابق “جورج دبليو بوش” عن خطة جديدة ضد كوبا ليشدد مرة أخرى القيود المفروضة عليها، وتنص الخطة على أنه سيتم تخصيص 59 مليون دولار أمريكي لتمويل أنشطة مناهضة لكوبا خلال فترة مدتها عامين وخفض الحوالات النقدية من الأمريكيين من أصل كوبي إلى النصف وفرض حد على زيارات الأسر بين البلدين.
وقد وجه الزعيم الحالي لكوبا “راؤول كاسترو” منذ توليه مهام منصبه في عام 2008، دعوات متكررة لتطبيع العلاقات بين هافانا وواشنطن.
وأعرب “راؤول كاسترو” عن أمله في أن تضع إدارة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” نهاية للحصار، إذ إن التقدم يمضي ببطء ولم يتم تخفيف سوى عدد من القيود خلال فترة الرئاسة الأولى لأوباما.
وفي 8 سبتمبر 2014، مدد أوباما إجراءات وقيود الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي المفروض ضد كوبا، باعتبارها ذات مصلحة وطنية للولايات المتحدة، بحسب ما جاء في مذكرة بعثها إلى وزير العلاقات الخارجية جون كيري ووزير الخزانة جاك ليو.
ولم تتوقف أنشطة أمريكا المعادية لكوبا في فرض حظر عليها وحسب، بل تطورت إلى محاولات لإثارة المظاهرات المناهضة لكاسترو عبر مكتب للبث الإذاعي الذي استخدم حملة للرسائل النصية تم من خلالها بث رسائل معادية وأخبارًا عن مظاهرات مناهضة للحكم، قيل إنها كاذبة، وفقًا لمسؤولين كوبيين وخبيرين في الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي عام 2009 اعتقلت الحكومة الكوبية “آلان قوروس” وهو متعاقد مع الوكالة الأمريكية للتنمية، قام بتوزيع هواتف تعمل بالأقمار الصناعية بهدف نشر النقاط الساخنة للاسلكي (الواي فاي) لاستخدامها من قبل الجالية اليهودية الصغيرة في كوبا، وأُدين قوروس إثر ذلك بالتجسس ثمّ حكم عليه بالسجن لمدة 15 عامًا بأحد السجون في هافانا.
وفي أغسطس من العام الجاري، أجرت وكالة “آسوشيتد برس” تحقيقًا مطولاً أثبتت فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أسست موقعًا شبيهًا بشبكة التواصل الاجتماعي “تويتر” في كوبا “لزعزعة استقرارها” وإنتاج حالة من “الفوضى الخلاقة” للإطاحة في النهاية بالنظام الكوبي المناوئ للولايات المتحدة.
ويُطلق على هذا النظام اسم تويتر كوبا أو “زانزانيو” الذي يشير في اللغة العامية الكوبية لتغريد طائر الطنان، وكان له أكثر من 40 ألف مشترك في بلد يفرض قيودًا على الدخول إلى شبكة الإنترنت، واستمر المشروع ما بين عامي 2009 و2012 حتى نفذت الموارد المالية المخصصة له، والتي بلغت 1.2 مليون دولار.
وفي أكتوبر من عام 1962 حدثت أزمة بين أمريكا وكوبا سميت أزمة صواريخ كوبا، أو ما يعرف في روسيا بأزمة “الكاريبي”، وهي مواجهة بين أمريكا والاتحاد السوفييتي المتحالف مع كوبا، والتي حدثت عام 1962، والتي كانت أقرب أزمة كادت أن تؤدي لقيام حرب نووية.
ففي أغسطس 1962، وفي أعقاب عدة عمليات فاشلة للولايات المتحدة لإسقاط النظام الكوبي (غزو خليج الخنازير وعملية النمس) شرعت حكومتا كوبا والاتحاد السوفيتي في بناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية متوسطة المدى في كوبا، والتي تعطي الإمكانية من ضرب معظم أراضي الولايات المتحدة.
بدأ هذا العمل بعد نشر صواريخ “ثور” في بريطانيا ضمن مشروع إميلي سنة 1958 ونشر صواريخ جوبيتر في إيطاليا وتركيا سنة 1961، حيث أصبح بهذا لدى أمريكا المقدرة على ضرب موسكو بأكثر من 100 صاروخ ذي رأس نووي.
وصلت الأزمة ذروتها في 14 أكتوبر عندما أظهرت صور استطلاع التقطت من طائرة التجسس الأمريكية “لوكهيد يو-2” عن وجود قواعد صواريخ سوفيتية نووية تحت الإنشاء في كوبا.
فكرت الولايات المتحدة في مهاجمة كوبا عن طريق الجو والبحر، ثم استقر الرأي بعمل حظر عسكري عليها. فأعلنت الولايات المتحدة أنها لن تسمح بتسليم أسلحة هجومية لكوبا، وطالبت السوفيت تفكيك أي قواعد صواريخ مبنية أو تحت الإنشاء في كوبا وإزالة جميع الأسلحة الهجومية.
إدارة الرئيس الأمريكي كينيدي في ذلك الوقت لم تكن تتوقع بالتأكيد موافقة السوفييت على مطالبهم، وتوقعت حدوث مواجهة عسكرية بين الدولتين. وفعلاً رفض السوفيت علنًا جميع المطالب الأمريكية، ولكن عبر قنوات سرية من الاتصالات بدأت اقتراحات لحل الأزمة، حيث انتهت في 28 أكتوبر 1962، عندما توصل كلّ من الرئيس الأمريكي جون كينيدي وأمين عام الأمم المتحدة يو ثانت إلى اتفاق مع السوفيت لإزالة قواعد الصواريخ الكوبية شريطة أن تتعهد الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا وأن تقوم بالتخلص بشكل سري من الصواريخ البالستية المسماة بجوبيتر (PGM-19 Jupiter) وثور (PGM-17 Thor)، حيث أزال السوفييت بعد أسبوعين من الاتفاق جميع أنظمة الصواريخ ومعدات الدعم، وانتهى رسميًا الحظر على كوبا يوم 20 نوفمبر 1962 في الساعة 6:45 مساء بتوقيت شرق الولايات المتحدة.
بعد أحد عشر شهرًا من الاتفاق وفي سبتمبر 1963 تم إبطال مفعول جميع الأسلحة الأمريكية في تركيا. ثم حدث كنتيجة لمفاوضات إضافية إنشاء الخط الساخن بين موسكو وواشنطن.
وعلى الرغم من كل هذه الاضطرابات والمناوشات والحرب الباردة بين البلدين، لا يخفى على أي مطلع اتفاقية الولايات المتحدة وكوبا في استضافة الأخيرة للسجن الشهير سيء السمعة “غوانتنامو”، والذي خُصص للمقاتلين العرب والأجانب من بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.