حمل هذا الأسبوع أخبارًا سارةً لمعتقلي الحراك الشعبي الجزائري وذويهم، إذ تم الإفراج عن العشرات منهم بناءً على عفو رئاسي من تبون، عفو جاء في أعقاب ضغط خارجي حقوقي كبير، ما فُهم أنه استجابة من النظام، إضافة إلى كونه إعلانًا بكسر حلقات الحراك الشعبي والسيطرة عليه.
الإفراج عن المعتقلين
أقر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أمس الأربعاء، عفوًا عن 101 موقوف من الحراك الشعبي يوجدون رهن الحبس على خلفية مشاركتهم في الحراك الشعبي المتواصل منذ أكثر من سنتين، وأوضحت الرئاسة الجزائرية في بيان، أن تبون اتخذ “إجراءات عفو لفائدة 30 محبوسًا محكومًا عليهم في قضايا التجمهر والإخلال بالنظام العام وتدابير رأفة تكميلية لفائدة 71 آخرين من الشباب المحبوسين لارتكابهم نفس الأفعال”.
يقبع هؤلاء المعتقلون في سجون الحراش وبرج بوعريريج والقليعة وسكيكدة وعنابة وقسنطينة وسطيف ومعسكر، فضلًا عن سجني البويرة والطارف، وجميعهم يتهمون بإلحاق أضرار جسيمة بمصالح الدولة أو القيام بأفعال تمس الوحدة الوطنية.
تدين المنظمات الجزائرية والدولية الاستخدام غير القانوني للقوة والترهيب بحق نشطاء الحراك
يعتبر قرار العفو هذا، ثاني عفو رئاسي تقره السلطات الجزائرية خلال الشهر الحاليّ، والرابع منذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون الحكم في 12 من ديسمبر/كانون الأول 2019، ففي 4 من يوليو/تموز الحاليّ، أعلنت السلطات الجزائرية، الإفراج عن 18 من سجناء مظاهرات الحراك الشعبي، بمناسبة عيد الاستقلال.
وفي يناير/كانون الثاني 2020، أي أيام قليلة بعد تسلمه السلطة، صدر “أول عفو عن المتظاهرين المعتقلين”، إذ تم الإفراج عن 76 من معتقلي الحراك الشعبي، وفي فبراير/شباط 2021، أصدر الرئيس الجزائري عفوًا عن 59 من النشطاء، بمناسبة الذكرى الثانية للحراك الشعبي، وذلك في إطار إجراءات تهدئة أعقبت لقاءه بقادة أحزاب سياسية.
تخفيف الضغط الحقوقي
خلف قرار العفو عن المعتقلين ردود فعل مستبشرة على نطاق واسع في الجزائر، فهي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها لم تأت من فراغ أو من قرار سيادي جزائري، فقد جاءت بناءً على ضغط حقوقي مُورس على السلطات الجزائرية.
يسعى النظام الجزائري من خلال هذه الخطوة تخفيف الضغط الحقوقي الخارجي والداخلي الممارس عليه، فمنذ أشهر تطالب منظمات حقوقية وأحزاب معارضة رئيس البلاد بإطلاق سراح الموقوفين في مسيرات الحراك أو بسبب منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي.
لوقت طويل، مثل اعتقال النشطاء سلاحًا قويًا في أيدي النظام الذي يجرم النشاط السياسي والتحركات الاحتجاجية التي يرى فيها محاولة لزعزعة نظامه القمعي الذي يسيطر على كل مجالات الحياة في البلاد.
سبق أن أعربت ثماني منظمات حقوقية جزائرية من بينها “لجنة مناهضة التعذيب وظروف السجن اللاإنسانية” و”الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان”، عن قلقها إزاء تدهور صحة العديد من النشطاء الموقوفين على خلفية الحراك الاحتجاجي، وحملت تلك المنظمات السلطات الجزائرية مسؤولية أي تطور خطير يصيب المعتقلين، وطالبت بضرورة الإفراج عنهم.
وتطالب المنظمات الحقوقية الجزائرية المجتمع الدولي بحث السلطات على وضع حد للسياسات التي تهدف إلى إسكات نشطاء الحراك الذين يسعون للتعبير عن آرائهم عبر الوسائل السلمية، بما يتماشى مع الدستور الجزائري والمواثيق الدولية.
تدين المنظمات الجزائرية والدولية الاستخدام غير القانوني للقوة والترهيب بحق نشطاء الحراك ومضايقة وسوء معاملة المدافعين عن حقوق الإنسان ومواصلة الاعتقال التعسفي واستهداف الصحفيين وعدم التحقيق في مزاعم الاعتداءات البدنية والجنسية في أماكن الاحتجاز، بما في ذلك فصل قاصر عن والديه.
عرفت المظاهرات الشعبية تراجعًا كبيرًا في الفترة الأخيرة، إذ بقيت مقتصرة كل يوم جمعة على 3 ولايات
تزامنًا مع بدء الدورة الـ47 لـ”مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة” في جنيف في 21 من يونيو/حزيران 2021، وجهت 82 منظمةً حقوقيةً جزائريةً وإقليميةً ودوليةً للمجتمع المدني، دعوة إلى الدول الأعضاء في “مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة” من أجل التصدي لتردي الوضع الحقوقي في الجزائر، الذي شمل قمع المتظاهرين السلميين والصحفيين ومنظمات المجتمع المدني والحقوقيين والنقابيي والمحامين، وحتى الأحزاب السياسية.
إضافة إلى ذلك، ذكرت “اللجنة الوطنية للإفراج عن معتقلي الحراك”، أن عدد معتقلي الرأي في البلاد بلغ 260، عدد كبير منهم مسجون على ذمة التحقيق، وكلهم تم توقيفهم في الشارع أو في مداهمات لبيوتهم بسبب نشاطهم في إطار الحراك، وإصرارهم على تنظيم المظاهرات المحظورة التي منعتها الحكومة منذ شهرين.
وقبل أيام قليلة، تظاهر مئات الجزائريين في جنيف للفت انتباه الأمم المتحدة إلى أوضاع حقوق الإنسان في بلادهم، لا سيما داخل السجون، بعد تنامي الاعتقالات التعسفية والتعذيب والقمع في بلادهم، وردد المتظاهرون شعارات من قبيل “تسقط الديكتاتورية” و”أطلقوا سراح سجناء الرأي”.
كسر حلقات الحراك والسيطرة عليه
إلى جانب تخفيف الضغط الحقوقي، يُفهم من قرار السلطات الجزائرية، تمكنها من كسر حلقات الحراك الشعبي والسيطرة عليه، ففي قرارة نفسها لم يعد هناك جدوى من تواصل اعتقال النشاط، فقد تم السيطرة على الحراك بعد جهد كبير في هذا الشأن.
يُذكر أن الحراك الشعبي في الجزائر انطلق في فبراير/شباط 2019 احتجاجًا على ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، ونتج عنه استقالة بوتفليقة من الرئاسة والزج بالعديد من السياسيين ورجال الأعمال إلى السجن بتهم تتعلق الفساد، إلا أن الجزائريين يصرون على رحيل كل رموز النظام ومحاسبتهم.
عرفت المظاهرات الشعبية تراجعًا كبيرًا في الفترة الأخيرة، إذ بقيت مقتصرة كل يوم جمعة على 3 ولايات وهي تيزيوزو وبجاية والبويرة (شرق)، فيما أصبحت شوارع العاصمة “هادئة” بعد منع التظاهر بالقوة هناك والانتشار الأمني الكبير تحسبًا لأي مظاهرات.
وعملت السلطات الجزائرية جاهدة لإنهاء الحراك والسيطرة عليه، خاصة بعد وصول تبون إلى الحكم، وذلك عبر وسائل عدة منها منع المظاهرات بحكم الأمر الواقع وتصعيد الاعتقالات والملاحقات القضائية في حق المعارضين والنشطاء والصحافيين والمحامين، وفرض تعميم إعلامي كبير على الحراك.
وأظهرت الانتخابات التشريعية الأخيرة، تمكن النظام من إحكام قبضته على السلطة، إذ فاز فيها حزب جبهة التحرير الوطني، المرتبط بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بغالبية المقاعد بعيدًا عن التجديد الذي وعد به النظام، في ظل مقاطعة واسعة للاستحقاق الانتخابي.
هذا الأمر، اعتبره العديد من الجزائريين هروبًا إلى الأمام، فرغم وعود نظام تبون المتكررة بالتغيير، فإن الواقع يبين عكس ذلك، فالقمع متواصل والتضييق ضد المجتمع المدني ونشطاء الحراك زاد حدة، ما جعل أملهم بالتغيير يتراجع.