أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأربعاء 14 يوليو/ تموز 2021، اختيار الدبلوماسي السويدي هانز غروندبرغ، لشغل منصب المبعوث الخاص إلى اليمن خلفًا للبريطاني مارتن غريفيث، الذي أنهى مهامه آخر يونيو/ حزيران 2021، دون أن يحقِّق أي نتيجة ملموسة لإنهاء الحرب في اليمن، أو إقناع الحوثيين بتنفيذ المرجعيات الدولية الخاصة بالبلد الذي يتمزق يوميًّا.
مارتن غريفيث، الدبلوماسي البريطاني المخضرَم وذو الخبرة الواسعة في صناعة السلام في العالم، عملَ كل شيء خلال عمله مبعوثًا دوليًّا إلى اليمن (فبراير/ شباط 2018 – يوليو/ تموز 2021)، واستخدم ثقلَ بلاده دوليًّا في الضغط على التحالُف العربي والحكومة اليمنية لتقديم تنازلات ضخمة، حتى يستطيع تحقيق اختراق في جدار الأزمة، ولم يترك شيئًا لمن سيخلفه كي يبني للعمل عليه بهدف وقف الحرب في اليمن؛ إلا إنه فشل في ذلك.
ورغم إعلان مارتن غريفيث، المبعوث السابق، صراحةً في إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن الدولي، إنه لم يعُدْ ممكنًا حلّ النزاع سلميًّا في اليمن، ورغم إشارات المبعوث الأميركي إلى اليمن، إلّا إن الأمم المتحدة عيّنت مبعوثًا سويديًّا قليل الخبرة إلى اليمن، بالتزامن مع إعلان تمديد عمل المراقبين الدوليين برئاسة الجنرال الهندي أبهيجيت جوها لعام آخر، ما يُعتبر بمنزلة تمديد للفشل.
من أين يبدأ؟
في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018، وقّعت الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي المدعومة من إيران، اتفاقًا برعاية الأمم المتحدة يقضي إلى وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار في الموانئ ومدينة الحُديدة، خلال 21 يومًا من بدء وقف إطلاق النار؛ إلا أن ذلك تعثّرَ حتى الآن بسبب رفض الحوثيين تنفيذ بنود الاتفاق، رغم مرور عامَين و6 أشهر على توقيعه.
وكان يراقب ذلك قوات دولية، لكنها فشلت حتى اليوم، ولم تستطع الدخول إلى مناطق الاشتباكات أو منع الحوثيين من ارتكاب الخروقات المتواصلة، فمن أين سيبدأ هانز غروندبرغ؟
لا يوجد شيء جديد يمكن أن يقدِّمه المبعوث الجديد إلى اليمن، لكون غريفيث استخدمَ كل الحِيَل لإقناع الحوثيين بأهمية السلام دون حلّ عسكري.
هانز غروندبرغ، الذي تولّى مهمة عمله كسفير للاتحاد الأوروبي إلى اليمن، في 4 فبراير/ شباط 2020، لم يمتلك الخبرة الكافية في التوسُّط لصناعة السلام، لا سيما أزمة معقّدة كالأزمة اليمنية، سوى عمله كرئيس لدائرة الخليج في وزارة الخارجية السويدية، إضافة إلى مشاركته في بعثات الاتحاد الأوروبي إلى القاهرة والقدس المحتلة؛ ورغم فترته القليلة كسفير للاتحاد الأوروبي، إلّا إن هناك تفاؤلًا من قِبل البعض بأن يصنع شيئًا.
أمام هانز غروندبرغ المرجعيات الدولية (مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن الدولي)، وأرضية مبادرة المجتمع الدولي والمبادرة السعودية، والتوجُّه الدولي لوقف الحرب في اليمن، وجميعها في متناول يديَه؛ غير أن مفتاح الحل في اليمن لا وجود له، وهو ما يجب أن يبحث عنه لفتح باب يمضي منه لإحياء المسار السياسي.
يرى البعض أن غروندبرغ قد يواصل من حيث ما انتهى به مارتن غريفيث، لكن لا يوجد شيء جديد يمكن أن يقدِّمه المبعوث الجديد إلى اليمن، لكون غريفيث استخدمَ كل الحِيَل لإقناع الحوثيين بأهمية السلام دون حلّ عسكري، من ضمنها نسيانه الحديث عن المرجعيات الدولية، والاستجابة لكل مطالبهم من وقف الحرب وفتح مطار صنعاء أمام الرحلات الإنسانية دون مراقبة، وكان آخرها العرض السعودي بوقف الحرب كليًّا مقابل العودة لطاولة الحوار، إلّا إنهم رفضوا ذلك، ويريدون صراحة وقف الحرب وتسليم اليمن لهم، دون الذهاب إلى أية محادثات.
نتيجة تدخُّل مجلس الأمن الدولي، والمنظَّمات الدولية في الأزمة اليمنية، طالَتِ الحرب، وتفاقمَ الوضع الإنساني، وتوَسَّع الحوثي، وهمّش الوقت الشرعية وتقلّصت المناطق التي تسيطر عليها، ونشأ العديد من التكوينات العسكرية المناوئة لبعضها وللحوثيين، وذلك لم يكن لولا التدخل الأُممي في الأصل ومحاولًا إنهاء الحرب، كما يقال، سلميًّا.
لذلك حاول مارتن غريفيث أن يبقى وسيطًا بين الشرعية اليمنية والحوثيين، وتناسى التكوينات الأخرى، إضافة إلى محاولته تدليل الحوثيين واستجداء السلام منهم، والقفز على المرجعيات الدولية الثلاث، دون أن يدرس جذور الأزمة في اليمن، وتلك أسباب رئيسية في فشله دون أن يخطو خطوة واحدة نحو تحقيق خرق في جدار الأزمة اليمنية الصلب.
عيّنت الأمم المتحدة 3 مبعوثين خاصّين لليمن، كان جمال بنعمر يعمل مع الحوثيين، وساهم في إيصالهم إلى صنعاء بحُكم أنهم أقلية يمنية مظلومة يحقّ لها أن تشارك في الحكم، وجاء من بعده إسماعيل ولد الشيخ ومارتن غريفيث، وقد تركَ كل منهم منصبه دون التوصُّل إلى اتفاق.
غير أن الأخير كان قد أوضح في أيامه الأخيرة من عمله كمبعوث لليمن، حينما أكّد أن الصراع يزداد تعقيدًا أكثر فأكثر مع مرور الوقت، وهو ما يجب أن يلتقطه غروندبرغ بشكل عميق، ويعمل من الصفر لفهم الأزمة بشكل حقيقي، وإلّا سيكون مبعوثًا رابعًا يزيد من تعقيد الأزمة اليمنية.
حينما نقول يجب عليه العمل من الصفر، فإن القصد في ذلك هو دراسة الحالة اليمنية، ومكوِّناتها السياسية والعسكرية، وتشعُّب الأزمة اليمنية، وعدم حصر توسّطه كمبعوث دولي إلى اليمن، بين الرئيس عبد ربه منصور هادي والحوثيين، ولكن لا بد من توسيع الأفكار لإشراك الجميع في صناعة السلام.
يجب على المبعوث الجديد أن يتوجه إلى المجلس الانتقالي الجنوبي، لفهم ما يريده، ويتوصّل معه لنقطة مشتركة متوافقة، بحيث لا يتم تجزئة اليمن، والحفاظ على اليمن موحّد بأي صيغة، ومن ثم الجلوس مع المقاومة الوطنية التي يرأس مكتبها السياسي طارق صالح، ومن ثم الشرعية والحوثيين، حتى يستطيع الخروج بنقاط مُرضية للجميع.
صحيح أن الحوثيين، ونتيجة للمواقف الدولية معهم، يرفضون فكرة السلام، لكنه يستطيع أن يتعامل معهم بطريقة “العصا والجزرة”.
صحيح أن ذلك سيكون عملًا مرهقًا، لكنه وسيط دولي، عليه أن يعمل على حلٍّ من أجل سلام عادل وشامل، يرضي جميع الأطراف ولا يقصي أحدًا، من هنا سيتمكّن من العثور على بداية الخيط، وغير ذلك سيكون مبعوثًا رابعًا يحمل الفشل، وقد يكون هناك خامسًا وربما سادسًا، لكن في ظل أوضاع أسوأ من هذا الوقت.
صحيح أن الحوثيين، ونتيجة للمواقف الدولية معهم، يرفضون فكرة السلام، لكنه يستطيع أن يتعامل معهم بطريقة “العصا والجزرة”، وحينما يعجز عن الوصول إلى نقطة تفاهُم معهم، يسمح للقوات الحكومية، شريطة أن تكون جميعها موحّدة، بعملية عسكرية سريعة، تجبرُ الحوثيين على القبول بالسلام، وهذا ما لا يقوم به الدبلوماسيون أو الوسطاء الدوليون، لكن ذلك لا بد أن يكون بمعيّة الدولة اليمنية.
رؤيته للحلّ
يبدو أن هانز غروندبرغ سيكون مثل غيره من المبعوثين الدوليين، الذين ساهموا في إطالة أمد الحرب في اليمن، من خلال تكرار خطأ المبعوث الدولي السابق مارتن غريفيث الذي تجاهل القرارات الدولية، وحاول تدليل الحوثيين، لعلّه يجد وسيلة تمكّنه الوصول إلى حلّ، ورغم ذلك فشل.
مطلع يونيو/ حزيران 2021، وخلال لقائه مشاركين يمنيين في مؤتمر حواري بإسبانيا، قال هانز غروندبرغ إن عليهم (أي المجتمع اليمني وحكومته) نسيان حيثيات 2015، في إشارة للقرار 2216 الذي أصدره مجلس الأمن تحت الفصل السابع، والذي يَعتبرُ ما قام به الحوثيون انقلابًا على سلطة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترَف به دوليًّا، والذي يعدّ من أهم مرجعيات التسوية الثلاث التي جرت المشاورات السابقة كلها تحت إطارها، ما يعني أن لديه الرؤية ذاتها التي حاول مارتن غريفيث العمل عليها.
وفي مقال له في مايو/ أيار 2021، يعتقد هانز بكل ثقة أن السلام ممكن إن كانت هناك إرادة سياسية وقيادة شجاعة، ويضيف أن “الروح الأساسية” للتوافُق والتعاون والثقة بين الخصوم السياسيين هي اليوم أمر شديد الإلحاح في اليمن، ما يشير إلى أنه يرى الحرب في اليمن مجرد مباراة كرة قدم، وعلى الخاسر أن يتقبّل بكل روح رياضية، وتلك دلالة على أنه لا يعي حقيقة الصراع في اليمن.
الحوثيون الذين اقتحموا العاصمة صنعاء، لا يرون أهمية مشاركة اليمنيين معهم في الحكم، إلا بمنظور عنصري واستعماري نازي، فهُم يرون أن الله أمرَهُم لحكم الأرض، وهم من أبناء رسول الإسلام، ومفضَّلين على بقية بني آدم، وهي نظرة عنصرية استعمارية، حيث استقرّت أوروبا ونعمت بالأمن حينما تخلّصت منها، لذلك إن رؤيته للحل بـ”روح رياضية” لن تحقق شيئًا سوى مزيد من الحرب، ومزيد من تفاقم الوضع الإنساني.
إن الحل السياسي مع الحوثيين ليس بالسهولة التي يراها هانز أو الولايات المتحدة الأميركية، التي بدأت هذا العام بحماس شديد هدف وقف الحرب، فهُم (أي الحوثيين) لن يكونوا أكثر مرونةً من قبل، فكيف وقد أصبحوا يحكمون جزءًا من البلد وبيدهم موارد وأسلحة دولة، والحالة الوحيدة التي يمكن أن يقبلوا بها هي استسلام خصومهم، وهذا هو مفهومهم الوحيد للسلام بغضّ النظر عن المراوغات والتلاعُب بالعبارات، وإعلانهم استعدادهم للسلام.
الخلاصة
من خلال خبرة هانز غروندبرغ القليلة، وحديثه عن إمكانية تجاوز المرجعيات الدولية الثلاث، يبدو أنه فشلَ قبل أن يبدأ على الرغم من الإمكانية المتوفِّرة لديه، فعوامل فشله اتضحت قبل أن يبدأ مهامه رسميًّا، وعلى الحكومة اليمنية ألّا تنظر إلى مزيد من الاقتراحات الدولية لإنهاء شرعيتها، والاعتراف بشرعية الحوثيين.
ويجب على التحالف العربي ألّا يقدِّم الكثير من التنازلات، فالحوثيون يسعون لها على اعتبار أنها حقّ من حقوقهم، وسينالونها بل أبعد من ذلك في حال استمرَّ تقديم التنازلات، دون أن يكون هناك حماس لإنهاء الحرب بالطريقة واللغة التي يفهمهما الحوثيون، ودفعهم إلى طاولة السلام، كما حدث معهم عام 2018.
وعلى الحكومة اليمنية أن تُدرك أنه كلما طالت الحرب في اليمن، ظهرت المزيد من الجماعات، وازدادت صعوبة التوصُّل إلى حلّ للصراع، وكل ذلك ليس في صالحها، ففي النهاية ستتلاشى الشرعية، وسيتم استبدالها بمقاومة شعبية ومن ثم مجلس عسكري يخرج من صلب الشعب، يعمل على تحرير أرضه، إن لم تتحرّك الشرعية لذلك الآن، وأن تعمل وفقًا لمسارَين عسكري وسياسي متزامنَين، لوقف الحرب بالحسم العسكري.