Behind enemy lines .. أو “خلف خطوط العدو” كما يترجم للعربية.
فيلم هوليودي من إنتاج سنة 2001 تدور وقائعه على أرض البوسنة والهرسك ويرصد في لمحات خاطفة بعض جرائم الصرب بحق مسلمي البوسنة والمذابح الجماعية لسكانها الآمنين من المدنيين.
وكعادة معظم أفلام الأمريكان مخترعي السينما، خرج الفيلم بأجود ما يكون من صورة وصوت وموسيقى تصويرية وتمثيل بالنسبة لإمكانيات العام 2001.
إلا أنني في هذا المقال القصير أو الخاطرة الطويلة لا أريد أن أتحدث عن تفاصيل الفيلم وأنقده فنيًا أو أحكى قصته المشوقة، ولكن لأتحدث عن جملة واحدة فقط جاءت على لسان أحد أبطال الفيلم وهو جندي مهمات خاصة سفاح شارك في العديد من المذابح واغتصب العديد من بنات البوسنة.
God has left this place long time ago ” لقد غادر الله هذا المكان منذ زمن طويل”.
هكذا جاءت تلك الجملة القصيرة على لسان هذا السفاح ردًا على امرأة مسلمة اختطفها ليغتصبها وكانت تحاول ردعه وصده عن ذلك بشتى طرق الإقناع حتى وصلت معه أن قالت له “ألا تخاف من الله” بينما كان يأخذها بسيارته لمكان ناءٍ لينفذ جرمه وفعلته الشنيعة.
أتذكر أني حينها انتفضت من مكاني عندما قرأت ترجمة تلك الجملة بأسفل الشاشة وأغلقت الفيديو مباشرة وقلبي يكاد يخرج من مكانه على عظم هذا القول وكنت حينها ببداية دراستي الجامعية أيام كان القلب غضًا لينًا لم يخبر الحياة بعد.
وظلت هذه الجملة عالقة بذهني حتى كتابة هذه السطور، أتذكرها كل فترة وأتفكر فيها وفي مغزاها ومعناها، إلا أنني ومنذ مذبحة رابعة العدوية تحديدًا كانت هذه الجملة تحضر إلى ذهني كثيرًا فلا يكاد أسبوع ينقضي إلا وتفكرت فيها محاولاً الوصول لتفسير فلسفي لها.
ولم يكن ذلك من فراغ فما حدث يستحق أن يتوقف عنده الزمن طويلاً .. هذه المذبحة المروعة الوحشية التي انتهكت أرواحًا طيبة مسالمة ودهست تحت أقدامها حلمًا جميلاً لأجيال عديدة فما تركت قلب مسلم حقًا إلا وأثخنت فيه الجراح وأشعلت فيه وقود الثأر والانتقام.
كان الحدث جلل والمصاب كبير وليست الأرواح التي أُزهقت هي فقط ما أكمد القلب بل انهيار حلم الحرية ورجوع زمن الاستعباد والعبودية كانا ما أطارا الألباب وأذهلا رذيل العمر والشاب، وهنا أتت الفاجعة الأكبر في من كنا نعتقد يوماً أنهم لنا أهل وأحباب وأقارب وأصحاب، فشامت هنا ومتشف هناك ومفوض للشيطان وغامس يده في حبر الانتخاب وأنت بهم تصرخ يا أيها الناس اتقوا ربكم .. يا أيها الناس أنسيتم يوم الحساب .. يا أيها الناس ألا تخافون الله!
وحينها ترددت تلك الجملة التي قالها هذا السفاح في عقلي وكياني .. “لقد غادر الله هذا المكان منذ زمن طويل” .. نعم غادر الله جل وعلا بلادنا وهذا العالم منذ زمن طويل، ليس مغادرة حسية أو مكانية أو زمانية أو كما يتبادر إلى أذهاننا حينما نسمع أو نقرأ هذه الجملة للوهلة الأولى، بل غادر قلوب الخلق فغادرت الرحمة وغادر العدل وغادر الحب وغادر الإيثار وغادر الإخاء وغادرت الشفقة، فحينها أصبحت بلادنا تموج بما نراه اليوم من دماء كالأنهار، ما نراه من تكالب الحكام على السلطة وحكم البلاد ورقاب العباد، ما نراه اليوم من مذابح جماعية في حق أهل سوريا والعراق، ما نراه من قتل وحرق وهدم واعتقال وتشريد لأهل سيناء خاصة ومصر عامة، ما نراه من انصراف المسلمين عن دينهم وغرقهم في الشهوات والملذات، ما نراه من ملايين الأطفال اللذين يموتون جوعًا كل يوم، ما نراه من ظلم وقهر وطغيان، ما نراه من تجارة الرق في أوروبا وأسيا .. إلخ
نعم .. عندما غادر الله القلوب سكنتها الشياطين فظهر للعين كأن الله لم يعد يكترث لنا أو كأنه – جل وعلا – قد غادرنا كبشر وتركنا نموج في بعض فلا تكاد تبصر إلا الفساد في كل شيء.
نعم هذا العالم لا حل له إلا أن نحضر الله إليه مرة أخرى بأن نسكنه في قلوبنا كأحق ما يكون الإسكان ونحيا بما أمرنا به وننتهي عما نهانا عنه ونستحضر وجوده في حياتنا وكل أعمالنا وساعتها فقط قد تستحق هذه الأرض نظرة رحمة من الله تبارك وتعالى.
وحينها فقط نستطيع أن نقول بملء أفواهنا ” لا لم يغادر الله بلادنا”.