حصلت “عربي21” على رسائل مسربة من داخل أحد أكثر السجون تحصيناً في العالم، وهو أحد السجون التي يرقد فيها المعتقلون السياسيون في أبوظبي بدولة الإمارات، فيما تكشف الرسائل عن حجم المعاناة والتعذيب والتنكيل الذي يتعرض له السجناء هناك.
والرسائل المسربة تمكنت من الخروج إلى العالم الخارجي بعد أن كتبها الناشط الحقوقي الإماراتي المعتقل أحمد منصور، حيث يكشف فيها بأنه لا زال يقبع في سجن انفرادي منذ اعتقاله في آذار/ مارس من العام 2017 تحت مراقبة أمنية شديدة وفي ظل إجراءات سجنية صعبة منافية لكل قوانين حقوق الإنسان في العالم.
وروى منصور في الرسائل التي حصلت عليها “عربي21” حصرياً من مصادرها الخاصة القصة الكاملة له منذ اعتقاله والتهم الموجهة إليه وتعامل القضاء الإماراتي وإدارة السجن معه، بمختلف تفاصيلها.
ويؤكد منصور أنه يعيش داخل زنزانة انفرادية منذ 15 آذار/ مارس 2017، وهو تاريخ اعتقاله، وذكر في الرسائل أن التهم الموجهة إليه كانت تسع تهم في البداية تم الإبقاء على ست منها عند الإحالة على القضاء.
أما التهم الست التي تم توجيهها لمنصور في محاكمات سرية، فهي كما يلي:
1 ـ التعاون مع إحدى المنظمات الإرهابية التي تهدف إلى الإخلال بأمن الدولة ومصالحها مع علمه بأغراضها، في إشارة إلى منظمة الكرامة لحقوق الإنسان ومقرها جينيف. وأشار منصور في رسائله المسربة إلى أن هذه التهمة، جاءت بناء على مشاركته على موقع “تويتر” في حملة حول الاعتقال التعسفي في السعودية قامت بتنظيمها منظمة الكرامة، وأن مشاركته كانت عبارة عن صورة له وهو يحمل ورقة مكتوب عليها باللغتين العربية والإنجليزية: “سعودية من دون اعتقال تعسفي”.
وأضاف: “لقد تم العثور كذلك على إيميل إحدى موظفات الكرامة تسأل فيه عن قضية أسامة النجار والـ 94، وكان ردي على الإيميل أن “السكايب” سيكون مناسبا للحديث حول الموضوع، وفي حكم المحكمة تم الحكم بالتبرئة من هذه التهمة”.
2 ـ أنشأ وأدار بحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي وبريده الإلكتروني ونشر من خلالها معلومات غير صحيحة بأن ادعى على خلاف الحقيقة، أن دولة الإمارات تمارس القمع والتنكيل بحق شعبها وتتعسف ضده وتنتهك حقوقه، وكان ذلك من شأنه إثارة الفتنة والكراهية والإخلال بالنظام العام.
وأشار منصور إلى “أن هذه التهمة ذات علاقة بنشر أو إعادة نشر تغريدات في تويتر حول مواضيع تتعلق بحقوق الإنسان، مثل الاعتقال التعسفي والسجون السرية وبعض السجون العامة، خاصة سجن الرزين، المنع من السفر وسحب الجنسيات وتغريدات حول تراجع حرية الرأي والتعبير في الإمارات، إصدار قوانين عديدة فضفاضة يمكن إساءة استخدامها ضد النشطاء تُجرّم حقوقا متعارف عليها دوليا، خاصة قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وقانون الإرهاب وبعض مواد قانون العقوبات”.
3 ـ قدم إلى المنظمات المبينة بالتحقيقات معلومات غير صحيحة من شأنها الإساءة إلى سمعة وهيبة ومكانة الدولة.
وذكر منصور أنه “تم الاستناد في هذه التهمة، إلى العديد من المؤتمرات التي شارك فيها في بريطانيا وسويسرا عبر السكايب، وهي (مشاركات) منشورة تتعلق بمواضيع حول القوانين والحريات في الإمارات، ووضع النشطاء الحقوقيين في الإمارات، وقوانين الجنسية وكذلك الكلمة التي ألقاها بمناسبة حصوله على جائزة مارتن إينالز عام 2015 عبر السكايب”.
وأضاف: “كذلك تم الاستناد إلى بعض المراسلات المحذوفة عبر الإيميل لمنظمات دولية لحقوق الإنسان منها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومركز الخليج لحقوق الإنسان، حول مواضيع تتعلق بحقوق الإنسان”.
4 ـ أذاع عمدا بيانات وإشاعات كاذبة ومغرضة من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
5 ـ أخل بإحدى طرق العلانية باستخدام حساباته المذكورة ووسيلة تقنية المعلومات بمقام قضاة المحكمة الاتحادية العليا بادعائه أن قضاءها غير عادل، وكان ذلك بمناسبة إحدى القضايا التي نُظرت أمامها.
6 ـ نشر بغير أمانة وبسوء نية بإحدى طرق العلانية مستخدما الحسابات المذكورة ووسيلة تقنية المعلومات ما جرى في جلسات المحاكم العلنية.
ولفت منصور في رسائله إلى أنه بخصوص هاتين التهمتين، “لا يوجد تحديد واضح، لكنه رجح أن تكون هذه التهم مرتبطة برسالة بريد إلكتروني حول الدكتور ناصر بن غيث قام بإرسالها لبعض المنظمات حول ظهوره لأول مرة في المحكمة بعد اختفاء قسري دام ثمانية أشهر، تمت الإشارة فيه إلى أن الأجهزة الأمنية تتدخل في قضاء المحكمة الاتحادية العليا، وذلك بناء على تقرير المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين التي قامت بزيارة رسمية إلى الإمارات في العام 2014”.
وأكد منصور الحكم الصادر بحقه، والقاضي بسجنه لمدة عشرة أعوام وتغريمه مليون درهم إماراتي (حوالي 280 ألف دولار) مع وضعه تحت المراقبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ انتهاء العقوبة المقضي بها، بالإضافة لمصادرة أجهزة الاتصالات المستخدمة في الجرائم المضبوطة ومحو العبارات وإغلاق المواقع المستخدمة.
تفاصيل المحاكمة
وسجل منصور في رسائله، التي كتبها بخط يده، تفاصيل جلسات المحاكمة التي تعرض لها في محكمة أبو ظبي الاستئنافية الاتحادية أو في المحكمة الاتحادية العليا، وما تعرض له خلالها من صنوف من الانتهاكات.
وذكر أن أولى جلسات المحاكمة انطلقت فعليا بعد عام من اعتقاله، وتحديداً في 14 آذار/ مارس 2018، وأن الجلسة دامت فقط 3 دقائق ولم يتم فيها توجيه أي اتهام له، وتم تأجيل الجلسة لانتداب محام للدفاع عنه، مع أن القاضي وافق على طلب منصور بأن يترافع هو عن نفسه، وسمع منه شكواه من سجنه الانفرادي وما به من معاناة.
أما الجلسة الثانية التي دامت هي الأخرى 5 دقائق، بسبب عدم حضور القاضي المنتدب، فقد ذكّر منصور بظروف سجنه الانفرادي القاسية، لكن لم يتم السماع له وتم تأجيل الجلسة إلى 9 أيار (مايو) 2018، لكن تم تقديمها بعد ذلك استجابة لطلب المحامي المنتدب إلى 25 نيسان (أبريل) 2018، وتم فيها تلاوة التهم المشار إليها، وتم التأكيد مجددا على مطالب السجين المتصلة بظروف السجن الانفرادي والاتصال الهاتفي بالأقارب والزيارات العائلية، بالإضافة إلى طلب الحصول على نسخة من القضية ونسخة من القوانين ذات الصلة بهذه القضية، وهو ما وعد به القاضي دون أن يتم تنفيذ أي منها، وقد تم تأجيل القضية إلى 9 من أيار (مايو) 2018 لمناقشة شاهد الإثبات.
وفي الجلسة الرابعة بتاريخ 9 أيار (مايو) 2018، حضر شاهد الإثبات، لكن منصور أشار إلى أنه قبل ذلك شرح للقاضي أنه لم يحصل على ملف القضية التي يحاكم على أساسها والتي بناء عليها سيوجه أسئلة للشاهد، فصرف القاضي الشاهد وطلب من المحامي الترافع، إلا أن هذا الأخير قال بأنه سيكتفي بتقديم مذكرة، وقام بتقديمها للمحكمة رغم أن منصور طلب منه عدم فعل ذلك قبل أن يطلع عليها وعلى ملف القضية.
وانتهى الأمر في الجلسة الرابعة إلى حجز القضية للحكم فيها بتاريخ 29 أيار (مايو) 2018، مع توصية بإطلاع المتهم على القضية أو منحه نسخة منها، مشيرا إلى أنه لم يحصل على نسخة من القضية وإنما اطلع عليها في النيابة، وأرسل بناء على ذلك مذكرة دفاع إلى النيابة من دون أن يكون لمذكرته أي أثر على مجريات المحاكمة.
وبخصوص جلسات المحكمة الثانية، المتصلة بالمحكمة الاتحادية العليا (محكمة النقض)، ذكر منصور أنها بدأت أولى جلساتها في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 2018 وكانت برئاسة القاضي فلاح الهاجري وهو إماراتي، وقد عرض فيها منصور أيضا ظروف سجنه الانفرادي القاسية، وطالب بمنحه حقوق السجين الاحتياطي بالإضافة إلى باقي المطالب السابقة وعلى رأسها الحق في الحصول على نسخة من القضية، قبل أن يتم تأجيل الجلسة إلى يوم 12 من تشرين الثاني (نوفمبر) 2018.
وأشار إلى أن الجلسة الثانية من جلسات محكمة النقض، عرضت لمختلف القضايا السابقة المتصلة بظروف السجن وبحقه في الحصول على نسخة من القضية، بالإضافة إلى منع إدارة السجن له من اصطحاب مذكرة أعدها للدفاع عن نفسه، وتم تأجيل القضية إلى 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، لكن تم تأجيلها أيضا إلى 10 كانون أول (ديسمبر) من العام 2018، وفيها تقدم بمذكرتي دفاع، وقررت المحكمة حجز الجلسة للحكم إلى 24 كانون أول (ديسمبر) 2018، لكن المحكمة أيضا أجلتها من دون علم المتهم إلى 31 كانون أول (ديسمبر) 2018، وفيه رفضت المحكمة الطعن المقدم من النيابة ومن المتهم.
ظروف الاعتقال
وكشف منصور النقاب عن ظروف اعتقاله، حيث أكد أنه منذ دخوله السجن في 21 آذار (مارس) 2017 وهو محبوس في سجن انفرادي، وأن العزلة كانت أشد قسوة في أول سنتين ونصف، وأنه لا يستطيع التحدث مع أي سجين حتى عن بعد.
وذكر أنه في 14 من كانون أول (ديسمبر) عام 2017، عاد إلى زنزانته من التحقيق متأخرا فتفاجأ أن إدارة السجن دخلت زنزانته وصادرت جميع ملابسه الداخلية والخارجية، وتركت له فقط قميصا رياضيا بعد تقطيع أكمامه الطويلة، كما صادرت المرتبة التي ينام عليها وجميع أدوات النظافة الشخصية من صابون وشامبوان ومعجون أسنان ومزيل العرق، كما صادرت جميع المناشف التي يمتلكها وعددها 4، وتركت له واحدة فقط، كما صادرت أيضا الأوراق والأقلام التي بحوزته، قبل أن تقطع عليه أيضا الماء الحار في فصل الشتاء.
وأشار إلى أن هذا الوضع تسبب له في مشاكل صحية كثيرة، منها ارتفاع ضغط الدم، والإصابة بعدة نزلات برد شديدة.
وأضاف: “بعد صدور الحكم (أو الأصح النطق به) بتاريخ 29 أيار (مايو) 2018 بيومين تم تعليق ورقة على بوابة زنزانتي مكتوب عليها: يمنع منعا باتا من الخروج من الزنزانة إلا في حالة الطوارئ أو أوامر أمنية بمراجعة فرع معلومات الأمن.. يمنع من الاتصال أو الزيارة إلا بموافقة مدير الإدارة أو نائب مدير الإدارة”.
وأكد أن هذه الورقة بقيت على كل زنزانة مر بها حتى تموز (يوليو) 2019، مشيرا إلى أن قرار مصادرة مقتنياته الشخصية كان بسبب رفضه منح أجهزة الأمن الكلمة السرية لحسابه الخاص على تويتر.
إضرابان عن الطعام
ولفت منصور الانتباه إلى أنه خاض إضرابين عن الطعام دفاعا عن حقوقه كسجين بعد أن فشلت كل الطرق القانونية والطبيعية لذلك، وأنه خاض الإضراب الأول من 17 آذار (مارس) 2019 إلى 10 نيسان (أبريل) 2019، وأنه خسر 8.5 كلغ من وزنه الأصلي، وأن الإضراب الثاني الذي انطلق يوم 17 أيلول (سبتمبر) 2019 وانتهى يوم 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، كلفه خسارة 11.5 كلغ من وزنه الطبيعي.
وأكد أن مطالبه في الإضرابين هي: “الحق في الاتصال الهاتفي أسوة ببقية النزلاء، منحه حق الزيارة الدورية، الحق في زيارة المكتبة، السماح له بممارسة الرياضة والتعرض للشمس، والسماح له بمشاهدة التلفزيون في الزنزانة بالإضافة لمستلزمات أخرى تتصل بمرتبة السرير وأدوات التنظيف وغيرها”.
وأشار إلى أن إدارة السجن ماطلت في تلبية مطالبه، وأنه استطاع تحقيق بعض ما كان يطالب به لكنه عجز عن تحقيق غالبية مطالبه.
وقال: “خلاصة الموضوع أن وضعي تقريبا كما هو قبل الإضرابين عن الطعام، وما زلت في العزل الانفرادي مغلقا علي الباب بشكل دائم ولا يفتح إلا لاستلام الوجبات أو جلب الماء أو الذهاب للعيادة أو استلام مشترياتي أو الذهاب إلى الرياضة ولا يوجد لدي تلفزيون أو راديو ولا كتب ولا جرائد ولا مقص أظافر ولا حذاء رياضي ولا سرير ولا مرتبة نوم، ولا توفر لي أدوات الحلاقة، مع أنه تم التصريح لي بشراء ماكنة حلاقة بعد سنة وتسعة أشهر من دخولي المؤسسة ولم يسمح لي بإدخال نظاراتي الطبية التي كتبها لي الدكتور في السجن والمخصصة للقراءة”.
وكانت السلطات الإماراتية أوقفت أحمد منصور (51 عاما)، في 15 آذار/ مارس 2017، وصدر ضده حكم نهائي بالسجن 10 سنوات، إثر اتهامه بـ”الإساءة لهيبة ومكانة ورموز الإمارات”، جراء دعوة سلمية أطلقها للإصلاح السياسي في بلاده.
ومنذ سنوات، تواجه الإمارات انتقادات بشأن الزج بمئات الحقوقيين والسياسيين السلميين في السجون، لمطالبتهم بإصلاح سياسي يفتح المجال أمام انتخابات ديمقراطية، لكن السلطات عادة ما تنفي ارتكاب انتهاكات حقوقية وتؤكد التزامها بحقوق الإنسان.